تنتظر المنطقة زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وكأننا في حالة ترقب لهلال عيد الفطر أو أكثر ، الأخبار ذات الصلة التي تحلل زياراته وجولاته أو تلك التي تكشف عن إجراء مناورات في المنطقة أو توقيع اتفاقية ثنائية بين بلاد الغبار وبلاد الجوع لا تدفعني إلا للتنهد بمزيج من الغصة مع السخرية ، كل أخبار الساعة توحي بأن حزب أصحاب السبت يجهز العدة لفعلة آثمة جديدة ، ومع أن هذا الحزب يؤكد في إعلامه وحركاته وتصريحاته بأن (رأس الإرهاب والشر )هو المطلوب والمعني هنا هي ايران وكل من ساندها إلا أننا نقف ونسأل لماذا نشعر بأن حبل المشنقة يلتف حول رقابنا جميعا ؟ ولماذا نشعر بأن المستهدف أوسع وأكبر بكثير من ايران ؟
مع تصاعد حمى التحضيرات والتوقعات للضربة المخططة يبدو الأفق مذخرا بالشحنات الستاتيكية المعدة لتفرغ نفسها خلال دقائقِ قليلة في صعقة واحدة ، يبدو وكأن ايران انتهت ومفروغ من نجاتها ، التحضيرضخم المقياس والأحزاب الجدد تتزعمهم دولة الجبروت وتبدو إيران عاجزة ولديها فتات مساند مشتت هنا وهناك في مقاس لا يتناسب على الإطلاق مع حجم التخويف وبخور الجان الذي يملأ سماء الخليج ، تفترض حسابات أصحاب السبت المتفائلة القائمة على علوم الطرح والجمع أن الساعات الأولى القليلة من العدوان على ايران ستشهد ضربات تكتيكية قاصمة تشل بطاريات الصواريخ والقواعد الجوية وتدمر منصات الإطلاق والإعداد التي تتباهى بها الجمهورية ، و تقول حسابات القسمة والضرب باستخدام سلاح الطيران والبحرية والهجمات السيبرانية والمقذوفات الذكية والغبية والأسلحة الصاعقة بأن عدد الضحايا للغارة الأولى سيزيد عن بضعة آلاف من الجيش والمدنيين وستكون ايران في حالة عجز وذهول من هول الضربات.
تتنبأ كذلك دفاتر أصحاب الأحد وحسابات المؤامرة بأن الضربة الأولى ستقود إلى قطع طرق التزويد والإمداد وخسائر مادية فادحة وسيكون الاقتصاد الإيراني في خبر كان ، العملة الإيرانية ستفقد ثلثي قيمتها وسوف تترنح أسواق المال الايرانية وتخسر صادراتها ووارداتها الى الحضيض ويترنح بالتبعية كل من يصف في صفها ، ستكون إيران في وضع لا تحسد عليه ولن تكون قادرة على الاستنجاد بأحد وأكثر ما ستحصل عليه هو بعض التعاطف والمظاهرات والتنديدات من الدول المحسوبة على الجهة المعاكسة والتي تتمثل في الصين وروسيا وبعض الأصوات الضعيفة البعيدة خاصة في ظل الانشغال بأزمة أوكرانيا وتبعاتها ، النتجية المقروءة في المصير الإيراني كما يأمل أصحاب الجمعة هي ذات طاولة الاستسلام التي وقع عليها الامبراطور الياباني شروط الاستسلام والمذلة قبل سبع وسبعين عاما ، المشروع النووي الإيراني والسنوات الطويلة من التعب والجهد والتفاوض سيكون سرابا كاذبا مثل المشروع النووي السوري والعراقي أما صواريخ شهاب وسكراب وزلزال وخردة 1 و2 والقائمة الطويلة فستصبح مدعاة للسخرية والتندر عبر أثير السنوات القادمة وستكون إيران بمثابة الدرس الأكبر في مقاس خمسين عاما لكل من تسول له نفسه مواجهة الإمبريالية الصهيونية الأمريكية والزعرنة التاريخية التي تهيمن على منطقتنا .
في الواقع تبدو إيران المسكينة ضحية ضعيفة حيال حلف حفر الباطن الجديد والتي استخدمت ذات يوم لحرق العراق والان جاء دورها في متتالية الحرق الأمريكية – الصهيونية ، في الواقع المرير تبدو الصورة الرسمية التي ترسمها وسائط الإعلام المتأسرلة بأن نهاية إيران وشيكة ودرس التأديب الأكبر على وشك الوقوع وبضمانة البسطار الأمريكي والعقال العربي واليورو الأوروبي .
في الجانب الموازي من هذه الرؤية المتأسرلة هنالك رؤية لا يمكن أن يراها اكثر الخلق وهي رؤية خاصة تحدث عندما تضع الحدث تحت المجهر و تضع على يمينك خارطة للتاريخ وعلى شمالك واحدة للجغرافيا وأمام عينيك خارطة أخرى تسمى خارطة السنن الكونية ثم تشرع في التمعن بالحدث تحت هذا المجهر مستدعيا ذكاءك وضميرك وحقيقة إنتمائك لأمتك وبلادك.
لا تهم التحركات الآنية التي جرت خلال الاسابيع القليلة الماضية ولا الزيارات والسفرات والطلعات والمسرحيات ، إن القارىء لخارطة السياسات يدرك أن تحضير الأرضية للهجوم يسبق الهجوم بكثير ويسري ببطء وفن وخيال خصب ثم يقتنص لحظة الضعف المناسبة في البيئة العالمية المواتية
في الحقيقة إن التحضير للضربة قد أقر فعلا منذ نفضت جلسة مؤتمر لوزان فما الذي اختلف الان ؟ لقد تم تخصيب الكراهية وزيادة نسبتها المئوية لايران وكل من يساندها كلما ارتفعت نسبة تخضيب اليورانيوم الايراني وما يجري للبنان وفلسطين والعراق واليمن هو البرهان الفعلي لكل ذلك ، التخصيب الأكبر لإطلاق دفعة الكراهية القصوى يبدو مرهونا بزيارة العم ( جو ) الذي فقد رشده وعقله وتحول إلى ألعوبة مهتزة خاصة بعد فشل حربه بالوكالة داخل اوكرانيا ولا يعرف ماذا يفعل ، الحقيقة المتوقعة أن جو المسكين لن يجرؤ لا هو ولا كل بخور الجان ولا دولة الكيان في شن الحرب على إيران بل ستبقى اللعبة قائمة على مبدأ التسكين والتوهين والتلقين لأنهم يعرفون بنسبة مائة في المائة بأن مقاس الخسائر بالأمتار لن يكون بمقاس المكتسبات الصغيرة بالبوصات لكيان يحاول فعل أي شيء لإثبات هيمنته وقوته التي تضعف كل يوم بفضل تكالب العصابة بداخله التي يقودها حفنة من المجانين المتصارعين على السلطة والنفوذ.
تقول حسابات النصف الاخر الخاص التي يراها المؤمنون بأن الإمطار الأول من دفعة الصواريخ الإيرانية البسيطة الأولى سوف تمسح هيبة اسرائيل التي يتحامى بها أصحاب الريبة ، وسوف تتسبب هذه القطع النارية بإسقاط ثلثين من سعادة المماليك وحظوظهم في البقاء لأنها ليست خردة ولا مواسير ماء ولا ألعابا نارية ! الرشقة الثانية من النار صوب الجليل والثالثة نحو حيفا ويافا الخالدة ستعيد الحقائق إلى ميزانها الطبيعي ويعلم المرتجفون حقيقة كيان صهيون ، اشتعال النار في طوق ايران لن يمر بسلام لأن هنالك حسابات معقدة غير منظورة المسارات اسمها حسابات الأقطاب الجديدة والتي سوف تتسبب بأكبر حالة تهور عالمي لا تحمد عقباها .
هنالك قول آخر أكثر أهمية تنطق به حسابات القوة الحقيقية الفوقية المتمثلة في الإرادة الحرة المصنوعة من حكمة تاريخ ألاف السنين وهو أن ايران ليست أوكرانيا ولا لبنان ولا جمهورية موز أو لوز إنها حضارة لا تفنى ولا تستحدث كما البعض لأن بعض الحجارة والأشجار والبنايات فيها وببساطة عمرها أكبر من عمر كل الدول المارقة في المنطقة ، لو كانت هذه الدولة قابلة للمسح أو التجزأة او البيع بالكيلو لكان ذلك قد تحقق على يد الحرب بالوكالة التي صنعتها الولايات المتحدة بين العراق وايران ودفعت فيها كل أموال الدنيا وكل صيغ القتل والمؤامرة والإبادة ، ولو كانت جمهورية ايران قابلة للإذابة أو البلعمة او التميه لكانت كل هذه السنوات الطويلة من المعاندة والمكايدة والملاعبة قد تمكنت عبر خديعة التفاوض من تحقيق فتات من التركيع الناعم ، لا يمكنكم الانتصار ليس لأن هذا الكلام إنشاء حماسي أو نفخ في الصدور بل هو حقائق يفرضها التاريخ الذي تتفوق كلماته على كل تنبؤاتكم وأسلحتكم المهولة وجبروتكم وجيوشكم المصنوعة من الدنس والرذيلة والعدوان والباطل لأن كل ذلك ببساطة هو باطل زائل لا يقبل به دفتر التاريخ ، مالكم كيف تحكمون أم لكم فيه كتاب تقرأون ؟
الحق ظاهر بين والباطل متخف مزين ولكنه كذلك بين ، ايران ضحية أمريكية بامتياز مثلنا جميعا ، ضحية تحاول الوقوف وإثبات حياتها ، ضحية منذ وُضِعَ لها الشاه وأريد بها الاستعباد لكنها وجدت لنفسها طريقا للخلاص وكل من يقاربون ايران باللعبة الأمريكية ويضعونها بنفس ميزان الأطماع والمؤامرات إنما هم خدم للمشروع الأمريكي وعيونهم تغشاها البكارة الاسرائيلية ولا يعني هذا الكلام بأننا ايرانيون أو شيعة أو صابئة أو بوذيون أو شيوعيون أو فارسيون أو كلدانيون أو غيرها من التهم المعلبة التي توزع مجانا وبسرعة .
بما أن دعاءنا البلاستيكي في كل جمعة لحكام المسلمين فشل في هدايتهم وايصالهم للحق وفشلت دعوات ( اللهم أرهم الحق حقا وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلا وأرزقهم اجتنابه ) في مرادها وبدلا من ذلك فعل العكس تماما فلم يبق أمامنا سوى أن نوجه دعاءنا البلاستيكي ذاته في محور آخر وأن ندعو الله أن ينصر الصين و روسيا للوقوف في وجه الطغيان الأمريكي ويرينا يوما فيهم كما ينتظرون ، إنه مجيب الدعاء !
كاتب فلسطيني