لماذا يطرق أردوغان باب الأسد بشدة بعد أحد عشر عاماً من القطيعة؟
2022 Dec,22
لا نبالغ إذا قلنا أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان كان أشد الداعمين وبكل الوسائل والأدوات للحراك السوري في وجه الأسد في محاولة لإسقاطه ، وهذا كان مرتبط بطبيعة الحال بجملة من المتغيرات الإقليمية والدولية التي كانت تفرض على أنقرة انتهاج سياسة بعينها حيال الملف السوري، إضافة لعوامل تتعلق بعقلية مثل عقلية الرئيس أردوغان التي تخبّىء ضمناً رغبات توسعية، لكن تُختزل في الشكل في إطار الأمن القومي التركي والمتطلبات الأمنية التركية .
لكن نرى اليوم انقلاباً في الصورة بكُلّيتها ، ونشهد هذا التغير في الخطاب السياسي التركي تجاه دمشق، وذلك الإلحاح للتمهيد للقاء ثلاثي يجمع بين أردوغان والأسد برعاية بوتين ، كما جاء على لسان أردوغان مؤخراً، فماذا خلف هذا الإلحاح ، وهل هو مرتبط بالفعل كما قيل بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في تركيا أم إن الأمر له أبعاده ودلالاته وأهدافه الأعمق ؟؟
المؤكد أن محاولات الرئيس التركي لإعادة المياه لمجاريها كما يقال مع دمشق ، هي لا ترتبط بحزئية أن النظام السوري استطاع البقاء إلى هذه الفترة بعد أحد عشر عاماً من الحرب ، تمكن خلالها من قمع معارضيه بشكل التحالفات التي بنى عليها خلال سنوات الحرب ، فذهنية الرئيس التركي التي طينتها المصالح ولاشيء غير المصالح هي التي تجعلنا نجزم بذلك ، والقول أن هدف الخطوة التركية هو هدف انتخابي، ولاسيما بعد تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية وتراجع قيمةالليرة التركية وماحدث منانكماش في الاقتصاد التركي ، يجعل التحليل سطحياً وذو بعد وحيد في الرؤية والتقييم ، لكن في الحقيقة هو ذو أبعاد متعددة .
ولكي نفهم أكثر يمكن الإضاءة على عدة نقاط هامة في هذا الإطار :
– الإلحاح التركي يأتي بعد خمسة أشهر كاملة على انعقاد قمة طهران وفيها تم الاتفاق والتوقيع على جملة من الملفات السياسية والاقتصادية من بينها تفصيل رؤية ميدانية مستدامة في الشمال السوري ، وهذا الأمر تأخر إنفاذه لعوامل مهمة، في صدارتها الحرب الروسية على أوكرانيا، وقضايا ساخنة متعلقة بالملف الايراني ، وبالتالي جاء القصف التركي الأخير من خلال عملية جوية واسعة النطاق على مواقع قسد من دون التدخل البري ، وكان ذلك بمنزلة ” تحريك الركود ” الحاصل ولفرض واقع ميداني ترسم ملامحه معاً كل من دمشق وأنقرة وموسكو على قاعدة تحجيم الوجود الكردي، وإعادة انتشار للجيش السوري في المنطقة ، وهذا ما رفضه مظلوم عابدي مؤسساً بذلك الرفض لضرورة التقارب بين أنقرة ودمشق ولم يعد الأمر بالنسبة لأردوغان مجرد رغبة .
– النقطة الثانية هي تأسيساً على نجاح النقطة الأولى، بمعنى نجاح أردوغان في رسم هذا التواصل مع موسكو ودمشق في توقيت يتصدر فيه الأميركي وينشغل بالتحضير لصيغة سياسية تنهي الحرب في أوكرانيا ، هو سيكون بمنزلة ” الوقت الذهبي ” لإنفاذ المشروع الأمني التركي إن صح التعبير في الشمال السوري .
– النقطة الثالثة أن الطلب التركي يأت في مرحلة كارثية يعيشها الاقتصاد السوري والمواطن السوري, وبالتالي أي انتصار ” لمشروع ” أردوغان الأمني في الشمال, ربما يكون نافذة لعودة العلاقات الاقتصادية التركية السورية ومخرجاً أولياً لمشكلات دمشق المالية ، أما الحديث عن تفكيك المعارضة السورية وتسليم ادلب هو سيكون مرهوناً لمراحل قادمة في حال نجاح المرحلة الأولى.
لو تجسد المكر السياسي والمصلحة رجلاً لكان رجب طيب اردوغان ، ومن هذه النقطة فقط يمكن فهم لماذا يصر الرئيس التركي على لقاء الأسد ، وهو مابات أقرب من أي وقتٍ مضى .