لمـاذا سـقـط الأســد؟ ولماذا يسقط الطغاة؟!

لماذا سقط نظام بشار الأسد بمثل هذه السهولة؟ ولماذا تخلى عنه الجميع؟ والأهم: لماذا تخلى عنه شعبه بمثل هذه السهولة؟ وربما يكون السؤال الأهم: لماذا يسقط الطغاة رغم ثقتهم المطلقة بأنهم مخلدون في الأرض حتى الأبد؟!

هل يفهم من سؤالي أنني ضد بشار الأسد؟ الإجابة هي نعم، وقد كتبت في هذا الموضوع أكثر من مرة، وآخرها قبل سقوطه بأسابيع وأيام، ويومها لامني أحد الزملاء والأصدقاء، قائلاً: إن ذلك سوف يصب في صالح الصهاينة والمتطرفين. ويومها قلت له: إن هذا موقف مبدئي لا بد أن يقال بوضوح.
هل معنى ذلك أنني مع المتطرفين الذين أسقطوه ويحكمون الآن بدلاً منه؟!
الإجابة هي لا قاطعة، ورأيي أننا ربما سوف نكتشف لاحقاً أنهم أكثر خطراً على سورية وعلى المنطقة من الأسد.
أنا ضد كل من يتاجر بالدين، أي دين؛ لأنه لا يقل خطراً عن أي دكتاتور ومستبد.
النقطة الجوهرية أن أي متطرف وتكفيري ومتاجر بالدين، لا ينمو ويصعد ويعيش ويستمر إلا بسبب الدكتاتور والمستبد.
رأيي بوضوح أن عدداً كبيراً من المواطنين العرب، في ليبيا والسودان واليمن والعراق، يترحمون على أيام معمر القذافي وعمر البشير وعلي عبد الله صالح وصدام حسين، وقد يترحم سكان سورية على أيام الأسد سواء الأب أو الابن.
والسبب أنهم اكتشفوا أن أيام هؤلاء الطغاة كانت أرحم بكثير من الانقسامات والحروب الطائفية والعرقية والأهلية، والأزمات الاقتصادية والمجتمعية والسياسية الموجودة في بلدانهم هذه الأيام.
لكن الأصح أن هذا فهم خاطئ جداً، لأنه لولا هؤلاء الطغاة ما استيقظنا على من هم أسوأ منهم.
سقط بشار الأسد – وقبله العديد من الطغاة – لأنه اعتقد أنه يمكن حكم شعب كامل بالحديد والنار طوال الوقت.
استأثر بشار بالسلطة وقمع المعارضة، ومنع أي صوت يعلو فوق صوته وصوت نظامه.
بعض الطغاة يعمّر طويلاً لأنه يوفر لشعبه المعيشة المعقولة، لكن بشار لم يفعل حتى ذلك، ووصلت معاناة غالبية المواطنين إلى درجة غير مسبوقة من التردي، في حين أن قلة قليلة من محسوبي النظام استأثروا بكل شيء.
طلب الأسد من جنوده القتال ضد المسلحين والميليشيات، فلم يستجب معظمهم لأنهم شعروا أن النظام لا يعبّر عنهم ولا يمثلهم، ثم اكتشفوا أنه في اللحظة التي كان يطلب منهم القتال والتضحية بأنفسهم كان يركب الطائرة إلى قاعدة روسية في اللاذقية، ومنها هرب إلى روسيا.
سيقول البعض من المخدوعين: إن إسرائيل وأميركا وتركيا، وكل القوى الإرهابية، كانت تحاصر نظام الأسد منذ سنوات طويلة، خصوصاً منذ آذار ٢٠١١ حينما اندلعت الانتفاضة ضده، نعم هذا جزء من الحقيقة، لكن بقية الحقيقة تقول: إن نظام الأسد الأب والابن لم يطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل منذ فض الاشتباك مع إسرائيل العام ١٩٧٤. وإن هذا النظام أتيحت له أكثر من فرصة لاستيعاب المعارضة المدنية الديمقراطية، ولو كان فعل ذلك لحاصر الميليشيات المتطرفة وأسقط كل حججهم، لكنه اعتمد فقط على الدعم العسكري الإيراني والروسي، وفوّت كل فرص التسوية السياسية مع بقية المكونات المدنية في سورية.
مرة أخرى: هل معنى كلامي أن القوى والجماعات التي استولت على السلطة ستكون أفضل؟
بنسبة كبيرة، فإن هذه القوى التي تتاجر بالدين ثبت فشلها في كل التجارب بالمنطقة سواء كانت سنيّة أو شيعية. هي لم تتدرب على الحكم، بل على السمع والطاعة والانتقام والقتل والسحل، والأخطر «الانقسامات حتى داخل التنظيم الواحد، ولا تؤمن أساساً بفكرة التعدد والتنوع والرأي الآخر».
وبالتالي، فإن إحدى جرائم بشار وغيره من الطغاة أنهم حاصروا القوى المدنية السياسية المعتدلة وشردوها وطردوها، ولم يبق أمامهم إلا القوى المتطرفة، وهذا ما نراه في ليبيا واليمن، أو الميليشيات الموازية كما نراها في السودان والعراق.
هؤلاء الطغاة لم يوفروا الحد الأدنى من الحياة الكريمة لشعوبهم، ولم يحافظوا على وحدة شعوبهم وأراضيها ومؤسساتها وجيوشها، والأخطر أنهم تركوا لبلدانهم أخطر فيروسات الانقسام والطائفية.
هؤلاء الطغاة لو كانوا جواسيس رسميين لإسرائيل ولكل أعداء الأمة، ما فعلوا بشعوبهم مثلما فعلوا على أرض الواقع. هم قدموا خدمات مجانية لإسرائيل، سوف تدفع ثمنها الأمة لأجيال طويلة قادمة.
ما حدث في سورية خلال الأيام الأخيرة قد يكون أخطر مما حدث بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧.
جرائم الطغاة بلا حدود.