لوحة الجنود الهنود وأول كلمة بحبك.. حكايات الحنين والذكريات



12:54 ص


الثلاثاء 19 نوفمبر 2024

السويس – حسام الدين أحمد:

أن تقع أسير الحيرة بين الذكريات السعيدة وفراق من صنعها معك، وحين يتاح لك العودة بالزمن 40 عامًا لتذهب إلى مكان شاهد على قصة حب حيث طلبت من شريكك أن تعيشا حياة واحدة، ينتابك الخوف فتبدو كطفل حائر.

هكذا كان المهندس محمد كامل، عقله يدفعه للذهاب إلى ممشى بورتوفيق المُطل على قناة السويس، وقلبه يأبى، يخشى أن يكسره الحزن بعد فراق زوجته بسنوات، رفيقة الدرب التي صنع معها في ذلك المكان طريقًا مختصرًا للسعادة، يحفظ عن ظهر قلب ما دار بينهما منذ التقيا أول مرة وحتى آخر زيارة قبل 13 عامًا حين أُغلق الممشى لدواعي أمنية.

بعد إغلاق استمر 13 عامًا، افتتح اللواء طارق الشاذلي، محافظ السويس، ممشى بورتوفيق في نهاية أكتوبر الماضي، بحضور الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، ووزراء النقل والصناعة والصحة والتنمية المحلية، ومحافظي السويس السابقين. كان الافتتاح الذي انتظره الأهالي لسنوات، حيث تحقق مطلب شعبي كان له الأولوية أمام كل محافظ أو مسؤول كبير يزور السويس.

لا ينظر الكثير من أهالي السويس إلى ممشى بورتوفيق باعتباره فقط متنزهًا مفتوحًا على المدخل الجنوبي للقناة، بل هو مكان مشحون بذكريات الطفولة والصبا ومشاعر الحب وقصص بدأت لتعيش، نشأت هنا بإطلالة مفتوحة على السفن وهي تدخل قناة السويس، وأخرى قادمة من قافلة الشمال تغادر، وعلى مرمى البصر ما تبقى من خط بارليف حيث تحطمت أسطورة من كان وسيظل عدوًا في عقول هؤلاء.

أحد أبطال تلك القصص هو مهندس الديكور محمد كامل، الذي امتنع عن الزيارة خوفًا من فعل الذكريات، حتى قرر الذهاب الأسبوع الماضي، وحين تجول بالمكان شاهد تحطم لوحة الشرف للنصب التذكاري للجنود الهنود الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى بمصر وفلسطين، فغادر المكان على الفور لإصلاحها.

“رجعت البيت، جمعت مواد لحام لإصلاح اللوح الرخامي، وحين سألني ابني وعرف أني ذهبت إلى بورتوفيق، ابتسم، وقال لي: كنت عارف إنك مش هتقدر تقاوم”، يحكي المهندس كامل، ويضيف أنه لو انتظر لضاعت قطع الرخام على أيدي الأطفال وأصبح مصيرها قاع القناة.

يحكي المهندس كامل، الذي شارف على السبعين عامًا، أن لديه صورًا تذكارية وهو في بورتوفيق مع والده وعمره 4 سنوات، وقد عايش أيام النكسة وهُجّر هو وأسرته من السويس، وشاهد بعينه افتتاح القناة مرة أخرى بعد حرب أكتوبر، بحضور الرئيس أنور السادات.

“أنا طلبت يد زوجتي هنا، أول مرة قلت لها تتجوزيني كان على القناة في 1984، وكان لنا معًا ذكريات كثيرة جميلة، وكنت حريصًا على أن نقضي كل جمعة على القناة، لأن ظروف عملي كانت تبعدني طول الأسبوع عن البيت”، يحكي عن ذكرياته بالمكان ويتابع أنه كان حريصًا على تلك العادة الأسبوعية والحضور وتناول الغداء في المكان المفتوح مع أسرته، حتى آخر زيارة له وأسرته لممشى بورتوفيق في يوليو 2011.

يخبرنا كامل أن زوجته توفيت قبل 5 سنوات ونصف، وحين شاهد صور الأسر وهم يتوافدون على الممشى، فتح عقله ألبوم الذكريات والصور في أيام العطلات، والمواقف التي جمعته وزوجته وأبنائه واحدًا تلو الآخر، وهم يكبرون أمام أعينهم.

“منذ أن قالوا إن بورتوفيق ستفتح، وأنا أشعر كطفل صغير، لا أعرف كيف أذهب، متلخبط، مشحون بالذكريات ما بين فرحتي أنني سأدخل من جديد إلى المكان الذي جمعنا لسنوات، وبين خوفي أن أكون وحيدًا وهي ليست معي”، يصف الأب والزوج مشاعره وارتباطه ببورتوفيق، موضحًا أنه يشعر بانتمائه إلى المكان، وذلك ما دفعه للعودة سريعًا إلى منزله وإحضار ما يلزم لإصلاح اللوح الرخامي.

تخرج المهندس كامل في كلية الفنون الجميلة قبل 50 عامًا، ونفذ عدة أعمال فنية داخل مصر وخارجها، كان آخرها في السويس ميدان نهضة مصر أمام كلية الطب، وميدان مصر بمنطقة المحروسة، وذلك تطوعًا دون مقابل، بجانب مجسمات أخرى كبيرة الحجم بالمركز الاستكشافي للعلوم.

يؤكد كامل أنه كان حريصًا على أن يعود المكان كما كان من قبل، نظيفًا وجميلًا، وذلك لن يتحقق إلا بوعي المواطنين، وخاصة جيل الشباب والأطفال، بأهمية ذلك المكان، وألا يعتبرونه مجرد متنزه مفتوح، بل يدركون قيمته وجدانيا في نفوس الأهالي وأنه ملك للجميع وعليهم الحفاظ عليه.