ماذا تريد “عرين الأسود” من ظهورها المفاجئ في نابلس؟

 لوهلة ظن البعض أن “عرين الأسود” قد انتهى فعلا أو ذهبت الريح بفكرته وعنفوانه ولم تذر منه شيئا، وتعزَّز هذا الاعتقاد أكثر مع كل عملية يستهدف بها الاحتلال الإسرائيلي المقاومين ولا يخرج إلا وقد قتل أحدهم أو اعتقل آخر، ولا سيما أن التنظيم ألغى قبل أيام قليلة الفعاليات التي كانت مقررة أمس الجمعة لتأبين شهدائه.

وبعكس توقعات الناس، جاء الرد من العرين لا من سواه، ودونما سابق إنذار خرج المسلحون من عرينهم أمس الجمعة، منضبطين وموحدين زيا وشعارا وفي الخطى والسلاح أيضا، ليؤكدوا أن الحرب خدعة وأنهم رفعوا حالة الاستنفار والجهوزية الكاملة بين كافة مقاتليهم، كما وعدوا في بيانهم.

وبشكل فاجأ الجميع، خرج عشرات المقاومين من أزقة البلدة القديمة في نابلس، التي يتخذها العرين مقرا له، واصطفوا لجانب بعضهم فوق منصة الحفل الذي أقيم في منطقة باب الساحة وسط البلدة القديمة لتأبين الشهيد وديع الحوح (أحد قادة العرين) ورفاقه.

وكان الحوح استشهد قبل 40 يوما بعدما استهدفه الاحتلال بمنزله في حوش العطعوط في البلدة القديمة.

ظهور ليس كسابقه

وعلى غير العادة وحتى بظهورهم الأول في الثاني من سبتمبر/أيلول الماضي، جاء عرض اليوم بعكس المتوقع، وبرسائل كثيرة لم تكن في البيان الذي تلاه أحد المقاومين فحسب، بل في شكل الخروج وطريقته وتوقيته أيضا، إضافة للحضور الجماهيري الحاشد والمشتاق من الكبار والصغار الذين لوحوا برايات العرين واعتصبوا بوشاحه.

وبزي أسود كامل تغطت أجساد المقاومين بالكامل، وخطوا اسمهم “عرين الأسود” وشعارهم على قبعاتهم السوداء ودروعهم، وحتى لثام الوجه أسدلوا عليه قطعا قماشية سوداء غطت أعينهم وأبرز ملامحهم لا سيما أيديهم، كي لا يميزهم أحد.

وعسكريا بدا المقاومون أكثر وعيا وحرصا، فلم يكتفوا بالقماشة الحمراء التي تغطي فوهات بنادقهم ليؤكدوا أن رصاصهم موجه فقط ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل لفوا بنادقهم بالقماش الأسود أيضا، فضلا عن ظهور أحدهم وهو يضع على صدره قنبلة متفجرة كما لو أنها نيشان عسكري غنموها من مخلفات جيش الاحتلال.

وزيادة في الحرص، أعادوا تموضعهم، وعلى عجلة ألقوا بيانهم، وبشكل خاطف انسحبوا من المكان وسط حالة من الاستعراض المنظم والمغطى إعلاميا من طرفهم عبر “وحدة الإعلام” التي تظهر لأول مرة.

أما العدد فقد فاق العدة، حتى إن صورة نشرت بحالات 3 لمقاتلي العرين في أزمنة مختلفة من العام الجاري تبين تزايد أعدادهم، وهو ما يعكس أن المد لهم ليس ماديا وعسكريا فحسب بل بشريا أيضا، وأن هناك توسعا للفكرة.

 

بين الوعي والإستراتيجية

وجاء بيان “عرين الأسود” الذي حمل كلمات “موحدة” للكل الفلسطيني سياسيا وتنظيميا، ليؤكد أن العرين هو ابن الكل الفلسطيني، ويؤمن بوحدة الدم والنضال وأن بوصلته القدس وفلسطين، وأن الانتماء لله والوطن.

ولم يخف البيان كذلك وعيا عسكريا لدى العرين، وأنهم يدرسون ويغيرون إستراتيجيات المقاومة وأساليبها وفق تصورهم وفهمهم للواقع، ويفاجئون العدو بساحات المعارك، وأكثر أهمية ذكر العرين لبعض شهدائه كمسؤولين عن وحدة تصنيع المتفجرات، وآخر قائدا لوحدة الاستشهاديين، وثالث من النخبة، ورابعهم المثقف المطلع.

نابلس قدمت عشرات الشهداء وعملت المجموعات المسلحة في التصدي للاجتياحات الإسرائيلية المتكررة للمدينة (رويترز)

وبمجرد ظهور مجموعة “عرين الأسود” تدفقت صورهم عبر مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وتناقلها الناس وصارت حدث وحديث الساعة وسط هالة من التصفيق والصفير والترحيب العريض والانتشاء أيضا، وتناسوا جراحهم التي أثخنها الاحتلال بقتله نحو 10 فلسطينيين خلال الساعات القليلة الماضية.

وبينما سارع كثيرون لنقل بيانات العرين وأبرز تصريحاتهم، خط آخرون على جدرانهم في العالم الأزرق وبغير مكان عبارات تمجّد العرين ومقاومته الباسلة، في حين قام كثيرون وخاصة الشباب بدبلجة أغاني العرين مع مقاطع الفيديو لاستعراضهم العسكري.

   

انتشاء وفخر

وكتب أحدهم “خلال العروض السابقة قامت أجهزة الاحتلال الأمنية بتشخيص بعض عناصر العرين من قلادة يلبسونها على رقابهم أو خواتم في أيديهم، وفي الظهور الأخير للعرين، لا تستطيع أن تميز المقاتلين في شيء، وهذا يدل على وعي متزايد، وفهم لأخطاء الماضي، وتطور في الظهور العسكري”.

وتابع أنه من خلال العروض العسكرية للتنظيم “أستنتج أن العرين لا يزال يتلقى المال والسلاح والعتاد، ويبدو أن الفصائل في غزة تمرر ذلك، وهذا ظاهر من خلال اللباس والظهور اللافت للعرين”، موضحا أن عدد مقاتلي التنظيم في ازدياد، وهذا يدل على فتح أبواب التجنيد، على حد قوله.

أما صفاء حجاوي فخطت تقول “بحبكم وبتمثلوني كفلسطينية بنهجكم، بس (لكن) من عين محبة لفت نظري الزي الموحد عالي المستوى، إياكم والوقوع في فخ التمويل، لأنه فش (لا يوجد) تمويل لله والوطن”.

وكتب محمد ولويل “من 10 أصبحوا بالمئات، هي فكرة والفكرة لا تموت، ظن الاحتلال الإسرائيلي أن العرين انتهى، في مشهد مُهيب عرين الأسود اليوم يظهر ويجوب شوارع مدينة نابلس، الله يحميكم وينصركم”.

وعلى الصفحة الرسمية للـ”الحج مش هيك”، وهي صفحة ناقدة لسياسات السلطة الفلسطينية، نشر صورة لمقاتلي العرين، وكتب “هذه الصورة للعرين اليوم.. هي صاعقة للاحتلال وعملائه، ولكل المرتزقة الذين تآمروا على العرين وحاولوا إنهاءه ولكل من ظن أن العرين قد انتهى”.

وفي تويتر أيضا خط “يحيى عياش” -كما كتب اسمه وعرَّف بنفسه بصورة للشهيد القسامي يحيى عياش- “لا فناء لثائر، أنا كالقيامة ذات يوم آت. في مفاجئة للعدو الصهيوني الذي ظن بأن عرين الأسود قد انتهى، ها هم جنده يظهرون في نابلس البطولة بمشهد مهيب”.

أتبعوا القول بالفعل

ولم يتأخر رد العرين عن عهده الذي قطعه باستهداف الاحتلال ومستوطنيه عبر بيانه خلال العرض العسكري أمس الجمعة، وإعلانه النفير العام بين مقاوميه، وقرن القول بالفعل بعد ساعات فقط من خروجه، وتبنى في بيانه الذي افتتحه بقوله تعالى (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ) عمليتي إطلاق نار في تمام الساعة 7 و9 من مساء أمس الجمعة تجاه حاجزي حوارة وبيت فوريك العسكريين جنوب وشرق مدينة نابلس.

وبعث برسالة للاحتلال الإسرائيلي مفادها أنه أوهم شعبه بأمن كاذب، وأن مسير أمس الجمعة جزء بسيط مما لدى العرين، وأنهم ما أرادوا بخروجهم علوا ولا كبرياء وإنما “طمأنة” أبناء شعبهم الفلسطيني على عرينهم وأنه بخير.

الجزيرة