لسنا في وارد نبش تاريخ اليهود في أوروبا والعالم ولا الدخول في جدل حول معاناة اليهود واضطهادهم في ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية -1939/1945، ولكن ما لفت انتباهنا ظاهرة سبق أن تطرق لها ابن خلدون في مقدمته المعروفة وهي أن: «الأمم المغلوبة تتشبه بالأمم الغالبة»، وما أكده علماء النفس لاحقا بأن الضحية تتشبه بالجلاد من حيث إعجابها بقوته وجبروته مما يدفعها لاحقاً وبالرغم مما عانته على يد الجلاد إلى تقليد أسلوبه في تعاملها مع الآخرين وتتحول هي بحد ذاتها إلى جلاد يمارس نفس منطق الاستعلاء والجبروت وصنوف التعذيب مع الآخرين ممن يقعون تحت سلطتهم وحكمهم.
هذا ما نشاهده اليوم في طريقة تعامل الصهاينة ضحايا (الهولوكست) مع الشعب الفلسطيني، وفي هذا السياق لاحظنا التشابه الكبير ما بين (خطة الحل النهائي) التي وضعها النازيون إبان الحرب العالمية الثانية للتخلص من اليهود في ألمانيا و (خطة الحسم) التي وضعها اليمين الصهيوني المتطرف سموترتش للتخلص من الفلسطينيين وانهاء الصراع، وقبل المقارنة وتبيان أوجه الشبه الكبيرة دعونا نتعرف باختصار على الخطتين العنصريتين.
أولا: خطة (الحل النهائي) للمسألة اليهودية
مع أن العلاقة بين اليهود والمجتمعات الأوروبية التي يعيشون فيها كانت دائما متوترة حيث كان لليهود نمط حياتهم الخاصة التي لم تكن تنسجم مع الثقافة الأوروبية ونمط الاقتصاد الأوروبي، وفي هذه المجتمعات ظهر مصطلح (معاداة السامية) في دول أوروبية حتى قبل ظهور النازية، إلا أن الأمر وصل لدرجة التصادم والعداء المطلق عندما وصل أدولف هتلر للسلطة في ألمانيا عام 1933، في ذلك التاريخ لم تكن المسألة اليهودية على سلم اهتمام النازيين بل كان شغلهم الشاغل إعلاء شأن الوطنية الألمانية التي تعرضت للإهانة في الحرب العالمية الأولى وما بعدها ، ولكن خلال ذلك بدأت تظهر أفكار ونظريات عنصرية تميز بين الأعراق وتقول بأن البشر غير متساويين في قدراتهم العقلية واستغل النازيون هذه النظريات لتمجد العرق الجرماني واعتبار الشعب الألماني أسمى الشعوب وبقية الشعوب الأخرى أدنى درجة وفي أدنى السلم يأتي اليهود، ولكن العداء لليهود لم يكن لهذا السبب فقط بل أيضاً بسبب سلوك اليهود الاقتصادي الذي لم يكن في خدمة الشعب والاقتصاد الألماني.
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية 1939 تعاظمت النزعة النازية العنصرية وتم فتح ملف اليهود في ألمانيا، ووضع خطة الحل النهائي النازي المتطرف أدولف ايخمان رئيس الجهاز السري (جيستابو) – خطفه الإسرائيليون عام 1960 من الأرجنتين حيث كان يقيم متخفياً وأحضروه لإسرائيل حيث تم إعدامه 1961-وعقد القادة الألمان اجتماعاً حكومياً في برلين في 20 يناير 1942 لبحث الخطة، ودعت الخطة الى إيجاد حل نهائي للمسألة اليهودية من خلال عمليات متعددة من الترحيل القسري لليهود الى مناطق خارج ألمانيا أو الى معتقلات جماعية تمارس فيها الأعمال الشاقة، وعمليات القتل المتعمد الخ، وكان (الهلوكست) أو المحرقة التي يزعم الصهاينة أن ضحاياها وصل إلى 6 مليون يهودي أحد أهم أدوات الخطة أو الوصف المفضل عند اليهود لما تعرضوا له في ألمانيا،- مع أن مفكرين وباحثين غربيين ومنهم الفرنسي روجي جارودي فند بالوثائق والتحليل العلمي صحة العدد حيث قال إن عدد اليهود في ألمانيا في بداية الحرب لم يكن يبلغ 6 مليون فكيف قتل النازيون 6 مليون وبقي ملايين ممن تم إنقاذهم داخل ألمانيا أو هربوا منها إلى أمريكا ودول أوروبية وفلسطين- .
كان الهدف من هذه الخطة الوصول لدولة ألمانيا نقية العرق وخالية من اليهود ومن الأعراق الأخرى وتسخير هذه الأخيرة المتواجدة على أراضي ألمانيا أو في الدول التي تم احتلالها لخدمة الشعب الألماني، وهذا يتطلب ممارسة سياسة التطهير العرقي.
ثانيا: خطة الحسم العنصرية الصهيونية
بما هو نظير أدولف ايخمان وخطة الحل النهائي أعلن بتسلئيل سموتريتش زعيم حزب الصهيونية الدينية في سنة 2017 عن خطة لحل الصراع مع الفلسطينيين وإنهاء المسألة الفلسطينية وليس مجرد إدارة الصراع معهم كما كانت تفعل الحكومات السابقة؛ أطلق عليها مسمى “خطة الحسم”، وتم اعتمدها لاحقاً في المؤتمر العام للحزب.
ينطلق سموتريتش في خطته من نفس منطلق النازيين وهو أنه لا يمكن التعايش مع الفلسطينيين في دولة واحدة لأن الفلسطينيين دخلاء وإرهابيون ولا حقوق سياسية لهم في الدولة اليهودية، ووضع خطة الحسم للتطبيق أساساً في الضفة الغربية التي يسميها يهودا والسامرة أرض اليهود التاريخية، وبالتالي يطالب بالانتقال من سياسة إدارة الصراع مع الفلسطينيين إلى حسم الصراع باستعمال عدة وسائل وحتى يتحقق هذا القرار” لا بدّ من ترسيخ قاعدة للانطلاق؛ وهي توعية الجمهور الإسرائيلي، بأنه لا مكان في “أرض إسرائيل” (ما بين البحر الأبيض ونهر الأردن) لحركتين وطنيتين متناقضتين، وأنه طالما كان هنالك أمل عند الفلسطينيين بأن يقيموا كيان وطني لهم تحت أي مسمى حتى لو سلطة فلسطينية منزوعة السيادة، سيستمر هدر الوقت في إدارة الصراع لا حله، وتشجيع الإرهاب” كما طالب “الحسم” الاستيطان، وتشجيع الهجرة، والأهم من ذلك “الحسم” العسكري.
كثيرة تفاصيل الخطتين ولكننا اختصرنا الموضوع لاستخلاص بعض أوجه الشبه بين الخطتين في المنطلقات الفكرية التي انطلقت منها كلا الخطتين حيث كانت في الأولى نظرية التفوق العرقي وفي الثانية فكرة شعب الله المختار والعنصرية الدينية، في الأولى دولة ألمانية خالصة للشعب الألماني والتطهير العرقي لغير الألمان وفي الثانية الدولة اليهودية والتطهير العرقي لغير اليهود، في الأولى رفض الشرعية الدولية والقانون الدولي العام حيث لم تعترف الدولة النازية بعصبة الأمم ولم تحترم قراراتها ولا سيادة الدول الأخرى، والثانية ترفض الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية حول الصراع العربي الإسرائيلي ولا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره كما تقوم بانتهاك سيادة الدول الأخرى كسوريا ولبنان، أيضاً في النهج والسلوك ففي الحالة الأولى لجأ النازيون لاضطهاد اليهود والتضييق عليهم في العمل والتنقل وعزلهم في (جيتوات) ومعتقلات تمهيداً لطردهم خارج البلاد أو قتلهم، نفس الأمر يجري في الحكومة اليمينية اليهودية المتطرفة حيث تبدأ خطة الحسم بنفي وجود شعب فلسطيني ورفض اعترافها بأي حقوق سياسية وحتى مدنية والتضييق عليهم في السكن وفرص العمل والاستيلاء على أراضيهم وتهويد أماكنهم المقدسة ومحاولة حصرهم في (كانتونات) تمهيداً لمرحلة الحسم النهائي بترحيله خارج البلاد أو يعيشوا عيشة العبيد في دولة عنصرية ومن لا يقبل بذلك فالموت مصيره كما قال ذلك بوضوح الوزير الصهيوني المتطرف سموترتش.
سياسة ألمانيا النازية العنصرية أثارت عليها دول العالم خصوصاً بعد أن بدأت باحتلال الدول الأوروبية المحيطة بل وفتحت جبهة مع الاتحاد السوفيتي ، واليوم السياسة العنصرية والإرهابية لليمين الصهيوني أخذت تستفز العالم الحر وتتعالى الأصوات تتهم دولة الكيان الصهيوني بالعنصرية وتطالب بمقاطعته أو فرض عقوبات عليه، ولكن للأسف فالغرب متحيز كلياً للعدو والأمم المتحدة عاجزة والعرب منشغلون بمصالحهم الخاصة بل ولا يمانعون بالتطبيع مع الحكومة اليمينية العنصرية التي تبنت خطة الحسم مع شعب ومع قضية كان العرب يعتبرونها قضيتهم الأولى.، حتى الفلسطينيون ليس عندهم خطة استراتيجية لمواجهة خطة” الحسم”.