كتبت د. تمارا برّو:
يصادف 18 نيسان/ إبريل من هذا العام الذكرى السادسة والعشرون لمجزرة قانا التي راح ضحيتها أكثر من 100 شهيد وإصابة المئات بجروح، جراء القصف الإسرائيلي على مقر الكتيبة الفيجية التابعة لقوة الأمم المتحدة العاملة في لبنان بعد لجوء المدنيين إليه هرباً من القصف الإسرائيلي في أثناء عملية عناقيد الغضب. وكانت عيون العالم شاخصة على شاشات التلفزة لترى وبشكل مباشر وحي أشلاء الأطفال والنساء والرجال تتناثر في كل مكان. وبعد ارتكاب المجزرة اجتمع مجلس الأمن الدولي للتصويت على قرار يدين”إسرائيل” ولكن الولايات المتحدة الأميركية أجهضت القرار مستخدمة حق النقض الفيتو.
بعد 26 عاماً على مجزرة قانا وغيرها الكثير والكثير من المجازر الإسرائيلية بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني لم يتحرك ضمير الغرب إلا بعد أن نشرت وسائل الإعلام الغربية صوراً لجثث في ضاحية بوتشا بعد انسحاب القوات الروسية منها ،وتوالت الادانات الغربية لروسيا بارتكاب “المجزرة”، وفرضت عقوبات اضافية عليها وتعالت الأصوات المطالبة بفتح تحقيق دولي حول “المجزرة ” ومحاسبة المجرمين. ووصل الأمر إلى حد تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على خلفية “مجزرة بوتشا ” وجرائم روسيا في أوكرانيا.ومن جهتها نفت موسكو الاتهامات الغربية واعتبرتها حملة إعلامية مخططة ومزيفة، وأن الصور التقطت بأوامر أميركية.
أين كان مجلس حقوق الإنسان عندما كانت “إسرائيل” تمعن في قتل اللبنانيين والفلسطينيين على مرأى من العالم وترتكب المجازر التي يندى لها الجبين؟ لماذا تحمس العالم الغربي لمعاقبة روسيا ومقاطعتها وزيادة فرض العقوبات عليها بسبب ” مجزرة بوتشا” في حين لم يحرك ساكناً إزاء الانتهاكات الإسرائيلية؟ ألا يعد تساهل الغرب إزاء جرائم “إسرائيل” دافعاً لهذ الكيان للإمعان في مجازره والتنكيل بالمدنيين؟
يدرك القاصي والداني أن ضمير الغرب لم يتحرك إزاء صور ” مجزرة بوتشا” التي وصفها بأنها “مرعبة ولا تحتمل” ، بل كل ما تريده الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون هو تدمير النظام الروسي والاقتصاد الروسي وإركاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إن “إسرائيل” قد نشأت على سفك الدماء وارتكاب الجرائم والمجازر، ولكن المفارقة أن هذا الكيان الغاصب لم يكن ليقوم بكل جرائمه لو لم تكن عدالة المجتمع الدولي مصطنعة والتي تكيل بمكيالين والمنحازة بشكل أعمى إلى جانب الكيان الصهيوني ، وتظهر هذه العدالة في أماكن أخرى كما حصل في أوكرانيا.
على الرغم من مرور 26 عاماً ما زالت رائحة مجزرة قانا شاهدة على صمت المجتمع الدولي أمام صور أشلاء الأطفال وصرخات الأهالي وأنين الصغار . قانا هي وصمة عار في تاريخ الإنسانية بحق مرتكبيها وبحق المجتمع الدولي ككل.
الدكتورة تمارا برّو، باحثة لبنانية.