قالت مصادر فلسطينية وأمريكية وإسرائيلية إن السلطة الفلسطينية هدَّدت بالانسحاب من “قمة أمنية” من المقرر عقدها مع الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن ومصر بعد استشهاد 11 فلسطينياً على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي وإصابة العشرات في اقتحام بالضفة الغربية المحتلة يوم الأربعاء 22 فبراير/شباط 2023.
موقع Axios الأمريكي قال إن القمة الأمنية، التي من المقرر عقدها يوم الأحد 26 فبراير/شباط، تهدف إلى إضفاء الطابع الرسمي على التفاهمات التي أُعلن التوصل إليها هذا الأسبوع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وأدت إلى تأجيل التصويت على قرار كانت السلطة تنوي التقدم به إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.
وقالت المصادر إن السلطة الفلسطينية اشترطت لحضور الاجتماع الحصولَ على تأكيدات وضمانات من الولايات المتحدة وإسرائيل بإيقاف جميع الإجراءات الأحادية الجانب من إسرائيل، ومنها الاقتحامات وهدم المنازل وبناء المستوطنات، وهددت السلطة الفلسطينية باستئناف مساعيها للتصويت على قرار بمجلس الأمن الدولي يدعو المجتمع الدولي إلى توفير الحماية للشعب الفلسطيني.
انتكاسة لجهود أمريكا
يأتي هذا في وقت يوجد فيه بريت ماكغورك، كبير مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، في المنطقة لعقد اجتماعات مع مصر والأردن وعمان والإمارات، في زيارة تتزامن مع تصاعد التوترات في الضفة الغربية المحتلة.
وقال موقع Middle East Eye البريطاني إنه من المحتمل أن تسفر اقتحامات قوات الاحتلال الإسرائيلي وتداعياتها عن انتكاسة لمساعي الولايات المتحدة، الرامية إلى تهدئة الانتقادات الموجهة لإسرائيل في الأمم المتحدة.
من جانب آخر، تحاول إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إبقاء الحوار مفتوحاً بين رام الله والحكومة الإسرائيلية، سعياً إلى إطفاء فتيل التوترات.
وكانت الولايات المتحدة اتخذت خطوة نادرة الحدوث يوم الإثنين، 20 فبراير/شباط بتأييدها بياناً رسمياً لمجلس الأمن يدين خطة إسرائيل لتوسيع بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة. وكان البيان مناورة دبلوماسية لتجميد قرار أكثر حزماً تقدمت به الإمارات (ممثلة العرب في المجلس) نيابة عن الفلسطينيين، ووصفته واشنطن بأنه “غير مفيد”.
من جانب آخر، حذّر وليم بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، هذا الشهر، من أن التوترات الحالية تنطوي على “تشابه مشؤوم” بما كانت عليه أحوال الأراضي المحتلة قبيل الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الثمانينيات، والثانية في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على حد تعبيره.
يتوجه ماكغورك إلى الأردن، في وقت أعرب فيه الملك عبد الله الثاني عن مخاوفه من “الانهيار التام للقانون والنظام” في الضفة الغربية المحتلة. وقال عبد الله أواخر العام الماضي إن بلاده مستعدة للصراع إذا حصل تجاوز لـ”الخطوط الحمراء” بخصوص وضع الأماكن المقدسة في القدس.
كما يسافر ماكغورك إلى مصر، التي لطالما توسطت بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر، وقد قصفت طائرات مقاتلة إسرئيلية مواقع في قطاع غزة صباح الخميس، 23 فبراير/شباط، بعد إطلاق بضعة صواريخ من القطاع رداً على اقتحام نابلس.
ويُجري ماكغورك زيارة أمريكية رفيعة المستوى إلى سلطنة عمان في أعقاب زيارة عقدها رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى السلطنة هذا الأسبوع، في ثاني رحلة إقليمية له خارج سوريا منذ 12 عاماً.
تتزامن زيارة ماكغورك أيضاً مع قرار أصدرته مسقط، وسمحت فيه لشركات الطيران الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي، رغم تصويت البرلمان على توسيع قانون المقاطعة لإسرائيل قبل أقل من شهرين.
ودفعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى عقد هذه القمة ضمن مساعيها لتهدئة الأوضاع المتوترة في الضفة الغربية المحتلة قبيل شهر رمضان.
جاء الإعداد للقمة ضمن محادثات سرية أجراها تساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، وحسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكشف عنها موقع Axios الأمريكي في وقت سابق.
ومن المتوقع أن يحضر القمة، بريت ماكغورك، منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، وباربرا ليف، مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، الموجودان في المنطقة بالفعل، لإجراء مزيد من المناقشات.
فيما تقول السلطة الفلسطينية إن العملية العسكرية التي شنتها إسرائيل في مدينة نابلس الأربعاء 22 فبراير/شباط 2023 انتهكت التفاهمات التي تُوصل إليها مطلع الأسبوع لتجنب المواجهة في الأمم المتحدة. وقال مسؤولون إسرائيليون وفلسطينيون إن التفاهمات تضمنت التزام إسرائيل بتقليل المداهمات العسكرية في المدن الفلسطينية.
وقال مصدر مطلع إن إدارة بايدن تضغط على السلطة الفلسطينية لحضور القمة، التي من المرجح إلغاؤها إذا لم يحضر الفلسطينيون.
لم تردَّ السلطة الفلسطينية على طلب للتعليق، لكن عباس زكي، المسؤول في حركة فتح، قال لقناة “الشرق” التلفزيونية السعودية، إن الاقتحام في نابلس كان “خيانة لجهود الوساطة التي تسعى للتوصل إلى تهدئة، وتوقيع اتفاقية لخفض التصعيد”.
في المقابل، رفض مستشار الأمن القومي الإسرائيلي التعليق على الأمر، ولم يصدر البيت الأبيض رداً فورياً على الأسئلة المتعلقة بالموضوع.
مجزرة في نابلس
والأربعاء، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، “استشهاد” 11 فلسطينياً، بينهم 3 مسنين وقاصر، في عملية عسكرية نفذها الجيش الإسرائيلي في نابلس، وعلى إثر ذلك، دعت القوى والفصائل الفلسطينية (تضم كافة الفصائل)، إلى “إضراب شامل في كافة محافظات الوطن، حداداً على أرواح شهداء نابلس، وتنديداً بجرائم الاحتلال الإسرائيلي”.
كما أدانت دول ومنظمات عربية وإسلامية، مساء الأربعاء، الاقتحام الإسرائيلي لمدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، والذي خلف شهداء ومصابين فلسطينيين.
وتشهد الضفة الغربية والقدس المحتلتان حالة من التصعيد المستمر، منذ وصول بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة إلى السلطة، وإعلان وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، سياسة استيطانية وأمنية تصعيدية مع الفلسطينيين.
ومنذ عدة أشهر يلاحق الجيش الإسرائيلي جماعة “عرين الأسود” الفلسطينية المسلحة، التي تتخذ من البلدة القديمة في نابلس مركزاً لها.
وتقول الجماعة إنها ترد على اعتداءات الجيش والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته.