بدا المحللون في الصحف الإسرائيلية اليوم، الجمعة، كأنهم يائسون وكمن فقدوا الأمل باحتمال وقف الحرب على غزة، وعبروا عن قلق حيال اتساعها إلى حرب إقليمية واسعة، وذلك في ظل انفراد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بالقرار حول وقف إطلاق نار وتبادل أسرى.
ورأى المحلل العسكري في صحيفة “يسرائيل هيوم”، يوآف ليمور، أنه “نتقدم نحو الدكتاتورية بأعين مفتوحة وبخطى سريعة. فلا توجد أهمية للكنيست منذ فترة، وأعضاؤها في إجازة طويلة مفضوحة أثناء الحرب، وحتى عندما يعملون هم لا يراقبون فعلا عمل الحكومة، وإنما يشكلون جوقة تشجيع لها. ويكاد لا يوجد أهمية للحكومة أيضا، فالمواضيع الهامة فعلا لا يجري بحثها، والوزراء يشكلون ختما مطاطيا أوتوماتيكيا لأي فكرة ونزوة”.
وأضاف أن “الوضع في الكابينيت مقلق بشكل خاص. فهذه الهيئة التي خولتها الحكومة بإقرار السياسة واتخاذ القرارات عاقرة فعلا، لأسباب سياسية وشخصية. ونتنياهو لا يعتمد على وزرائه ولا على قادة جهاز الأمن، ويمتنع عن إشراكهم في قضايا مصيرية لأمن الدولة، وقد ألمحت المستشارة القضائية إلى ذلك، وأشارت إلى أن القرارات تتخذ مؤخرا بلا مشاورات ومصادقة الكابينيت”.
وتابع أن “السؤال هو على من يعتمد نتنياهو ومن يمنحه المشورة لدى اتخاذ القرارات في هذه الفترة الأكثر تعقيدا في تاريخ الدولة، والأهم من ذلك متى وكيف تحولت إسرائيل إلى دولة يقرر فيها شخص واحد أي شيء وفي جميع المواضيع، مثلما يجري في أنظمة ليست ديمقراطية”.
وأشار ليمور إلى أن “الصفقة (لوقف إطلاق نار وتبادل أسرى) هي مثال ممتاز. فنتنياهو يتخذ القرارات بشأنها لوحده، ويرفض التداول حولها في الكابينيت، رغم المطلب الواضح من جانب وزير الأمن، يوآف غالانت، الذي طلب بالتداول في تبعاتها المحتملة على الأمن بأوسع مفهوم، أي التخوف من أن انهيار الصفقة سيؤدي إلى حرب إقليمية”.
خلاف شديد بين قادة الجيش ونتنياهو
كذلك أشار المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، أنه “من دون أن يتخذ الكابينيت أو الحكومة قرارا، يتزايد الاحتكاك في الشمال ومعه التخوف من اشتعال واسع على إثر عمليات انتقامية من جانب حزب الله، إيران أو كلاهما، في أعقاب الاغتيالات في بيروت وطهران. والخطر لم ينتهِ بعد”.
وأضاف أن “نتنياهو لم ينتصر على حماس، لكن في مقابل ذلك بلور لنفسه موقفا متفوقا هاما في الحلبة الداخلية، من خلال طمس ذكرى الكارثة (في 7 أكتوبر)، ودحرجة المسؤولية على جهاز الأمن، وتحويل قضية المخطوفين إلى مسألة سياسية مثيرة للخلافات، بإقناع مؤيديه بأن السيطرة على محور فيلادلفيا وممر نيتساريم معناه التمسك بالأمر الأساسي والجوهري، حتى لو كان الثمن مقرونا بشكل مؤكد تقريبا بحياة مخطوفين آخرين”.
وشدد هرئيل على أن “حرب استنزاف تخدم مصلحته بشكل ممتاز. فهي ستمنحه الذريعة البديلة لصفر تحرك في جميع الجبهات – في الانتخابات، في محاكمته الجنائية، في التحقيق في الحرب”.
وأفاد بأن “الأجواء في هيئة الأركان العامة صعبة، بسبب مزيج من الشعور بالفشل الذي يلاحق الجيش بعد المجزرة (“طوفان الأقصى”)، والأخطاء والخلل المروع في التحقيقات الداخلية، والإدراك المتزايد أن إسرائيل عالقة في مصيدة إستراتيجية تشتد في عدة جبهات”.
وبحسبه، فإن “القيادة العسكرية العليا في حالة خلاف شديد مع نتنياهو. ورئيس أركان الجيش، مثل باقي رؤساء جهاز الأمن، مقتنع بأن الخروج من الأزمة، مؤقتا على الأقل، يمر من خلال صفقة مخطوفين فورية، وبدونها سيموت باقي المخطوفين تدريجيا وجثثهم ستُفقد داخل الأنفاق المتشعبة والمدمرة، عميقا في أراضي القطاع”.
إلا أن هرئيل أضاف أن “التوقعات هي أن حلا كهذا (التوصل لاتفاق تبادل أسرى)، رغم عيوبه والتنازلات المقرونة به، ستسمح للجيش الإسرائيلي بالانتعاش في الجنوب، ويسمح للدولة بالبحث عن حل دبلوماسي مؤقت في الشمال، قبل أن يُتخذ قرار بشن حرب شاملة ضد حزب الله، التي من شأنها أن تدفّع إسرائيل أثمانا غير مسبوقة”.
ولفت إلى أن “هذه الأمور قيلت لنتنياهو مرات كثيرة جدا في هيئات مغلقة. ويتم تسريبها من المداولات لوسائل الإعلام أيضا، وأحيانا بشكل صريح وبأسماء المتحدثين. وفي مرحلة ما، يتعين على الجيش أن يتخلص من صمته وأن يقول للجمهور مباشرة رأيه المهني والأخلاقي، رغم دمغة الذنب التي يحملها رئيس أركان الجيش والضباط منذ 7 أكتوبر”.
وتابع أنه “إذا كان لا يزال لدى المسؤولين الأمنيين تردد شرعيّ، أو ذريعة بعدم التحدث علنا، فما هي ذريعة رئيس الدولة، السكرتير العام للهستدروت، قادة المعارضة الضعيفة والمشرذمة، ومراسلي القنوات الذين ينقلون الخدع الإعلامية المتتالية للمكتب (مكتب نتنياهو) بدون أي شكوك وانتقادات؟”.
وتساءل هرئيل: “لما لا تعلن الهستدروت عن إضراب شامل؟ وأين اختفى الرئيس، الذي يوفر لنتنياهو وسموتريتش وبن غفير غطاء لوضع اعتيادي منزّه، وكأن الأمور تجري هنا بشكل سليم؟ وفي هذه الفترة المصيرية، وربما الأكثر حزنا منذ المجزرة نفسها، المجتمع الإسرائيلي، فإن دولة إسرائيل وأجهزتها في حالة شلل ويعقبون بعدم اكتراث على إثر استمرار الحرب والاحتمال المعقول لتدهورها”.
عناق بلينكن لنتنياهو
حسب المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، فإن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي التقى نتنياهو، هذا الأسبوع، في محاولة لدفع مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، “يعلم أن نتنياهو لا يؤيد ما يوصف بـ’خطة بايدن – نتنياهو’، رغم أن الكابينيت صادق على هذه الخطة بتأييد نتنياهو نفسه، لكنه أضاف بعد ذلك فورا ’إيضاحات’ هدفها إفراغ الخطة من مضمونها. وهكذا تصرف دائما، وبلينكن يعلم بذلك، فهو ليس صبيا”.
وأضاف برنياع أنه كان هناك خياران أمام بلينكن، “إما أن يندد برئيس حكومة إسرائيل كشخص غير موثوق به وليس قادرا على الموافقة حتى مع نفسه، أو التمسك بمشهد كاذب بوجود موافقة متبادلة”.
واعتبر أن “بلينكن لا يمكنه التنديد بنتنياهو. فخصام مع رئيس حكومة إسرائيل عشية مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو، وفيما متظاهرين مناهضين لإسرائيل يتجمعون خارج القاعة، ليس واردا بالحسبان. وكذلك الأمر بالنسبة لخصام مسرب، لأن أي معلومة حول انفجار بين أميركا وإسرائيل من شأنه أن يستدعي هجوم صاروخي واسع من جانب حزب الله”.
وتابع أنه “لذلك، اختار بلينكن أن يعانق نتنياهو طوال الطريق نحو الحيلة. وجهات مجهولة في فريق المفاوضات يتهمون بلينكن الآن بأن العناق الذي منحه لنتنياهو قتل احتمال التقدم في المفاوضات. وهم لا يدركون أنه لا توجد مفاوضات. فالسنوار ليس معنيا باتفاق، ونتنياهو ليس معنيا باتفاق، ولكل منهما أسبابه. والمأساة هي أنه لا توجد قوة بإمكانها فرض اتفاق عليهما، لا إدارة ديمقراطية ولا وسطاء عرب، ولا جماهير إسرائيلية. فقد حولت كارثة 7 أكتوبر المسؤول عنها إلى حاكم وحيد، بإمكانه أن يحكم (على الرهائن) بالحياة أو الموت”.