مخيم نهر البارد و«ريحة البلاد»..

بعيداً عن فلسطين المحتلة والمليئة بوحشية الاحتلال وحواجزه وقفت على حاجز «لبناني» على مدخل مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين الواقع في مدينة طرابلس، مدخل من جدار اسمنتي ضيق وأسلاك شائكة، حاجز مؤلم يحكي عن أوجاع مخيم يعاني اللجوء والحرمان من أبسط الحقوق وفقر مدقع، عدا عن غربة بحجم هذا العالم، فالوطن جرحهم الكبير.. إلى أن دخلنا المخيم بعد وساطات وتنسيق وانتظار.
في مؤسسة زاوية رؤية التي قدمت وزارة الثقافة دعماً لنشاطاتها، استقبلني الأطفال بكمنجاتهم وعزفوا آهاتهم وأرسلوا أشواقهم للوطن، التقيتهم تحت وطأةِ عتمةِ لبنان التي تعاني شح الكهرباء، أرض المخيم وسماؤه مليئة بالأسلاك الكهربائية التي تقتل اللاجئين ومع ذلك فلا كهرباء في الأفق، كانت اضاءات هواتفهم النقالة ترافقني، لم أكن نجمة بل كانوا هم نجوم المخيم، في الغرفة التالية كان الأطفال يرسمون على طاولة صغيرة في العتمة فلسطين كما يرونها، رفرف علم فلسطين في كل لوحاتهم، قفز قلبي واستعدت نفسي وأنا طفلة صغيرة ترسم في غربتها قبل العودة إلى الوطن وإن كانت العودة مازالت منقوصة بعيداً عن بلدتي عنابة التي دمرها الاحتلال الاسرائيلي ابان النكبة… رسمتُ فلسطين كثيراً كما أحب وكما أشاهد عبر نشرات الأخبار.
بعضهم ارتدى كوفيته، وأخرى خجلت لأنها نسيت كوفيتها فمنحتها حطتي «من ريحة البلاد». أفهم جيداً فكرة أنهم يلتقون أحداً من بلادهم التي تبعد عنهم بضعة كيلومترات مسافة، وعشرات السنين حلماً وأملاً، قال لي أحدهم: أرسل رسالة إلى أهلي في فلسطين المحتلة بأننا معهم ولن ننساهم… قالها بقوة ألهمتني الأمل والألم، فرحت بالثقافة والقوة التي يملكها الفلسطيني رغم كل الظروف.
التقطنا العديد من الصور الجماعية، والثنائية، كنا مثل من التقى بأهله، بعد غياب، وشعرت أنهم بانتظاري، تبادلنا احساساً مؤلماً بالوجع والشوق، تلمست نكبتهم وغربتهم. أؤمن فعلاً أن الحياة تحت الاحتلال بما فيها من ألم وشهداء وأسرى وهدم للبيوت، أرحم بكثير من وجع الغربة فعلى الأقل: انتي عايشة في البلاد، انتي من ريحة البلاد..
يعيش اللاجئون الفلسطينيون حنيناً خاصاً، وتوقاً كبيراً إلى بلادهم الجميلة والتي سرقها الاحتلال الاسرائيلي، ولابد أن يعرفوا دوماً أن وقفاتهم وذاكرتهم التي لن تَنسى هي نبض فلسطين المحتلة، النبض الذي يشحذنا ويقوينا وسيكون القوة البشرية التي ستنتفض وتعود لتحرر الوطن، سيندفع يوماً ما ملايين الفلسطينيين اللاجئين في الشتات عائدين… لدى هؤلاء الملايين بوصلة واحدة اتجاهها القدس العاصمة وفلسطين الوطن.