مدينة النور.. تنبض بالحياة طوال الموسم

الحديث عن المدينة المنورة، حديث طويل لا تعرف من أين تبدأ؟ ومن أين تنتهي؟ ففيها الحياة مختلفة، كيف لا والسكينة تغشاها، فهي موطن الهجرة النبوية وأول عاصمة إسلامية، في أركانها تنزلت الآيات، وفي طرقاتها تجوّل النبي عليه الصلاة والسلام، والملائكة عليهم السلام، والصحابة رضوان الله عليهم، لذلك أحبها المسلمون في أصقاع الدنيا، ويدفعهم الشوق لزيارتها، لكي ينعموا بالراحة النفسية التي تعم أرجاءها، فضلاً عن الأنس الذي يعيشه القاطنون على أرضها من المواطنين والمقيمين، كما تعتبر نقطة جذب سياحي كونها ترتبط بالسيرة النبوية. تظهر لنا هذه المدينة النبوية كل يوم بوجه جميل وإشراقة متجددة وتشهد استقبالاً للزوار على مدار العام لاسيما خلال موسم الحج الذي تتحول فيه إلى مدينة مختلفة وتتحول إلى خلية نحل من مختلف الأجناس من أقطار الدنيا إضافة إلى الزوار من مختلف مناطق المملكة الذين يحرصون على قضاء أيام الأعياد فيها ليعيشوا سكينتها ويتنفسوا هواءها ونسماتها الزكية.

«»، ناقشت مع عدد من المختصين في مختلف الجوانب الإسلامية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية وعدد من المواطنين وضيوف الرحمن في ما تختص به المدينة المنورة من مميزات منحتها اهتماماً لدى المسلمين في أصقاع الدنيا من مكانة في نفوسهم.

نائب رئيس منتدى وقناة اقتفاء أثر عبدالغني ناجي القش، قال: المدينة المنورة خلال أيام الحج، تتحول إلى مدينة مختلفة بالفعل، فلقد عايشت ذلك منذ كنت صغيراً حيث كانت البيوت تفتح للحجاج، فمن أهل المدينة من يخصص جزءاً من داره، والبعض يترك البيت بالكامل لينعم الحجيج بالراحة والاستقرار. وأضاف، في المدينة المنورة الحاج مقدم على كل شيء، حتى على الأبناء وفي المرحلة الابتدائية كان هناك الأشبال وكذلك في المرحلة المتوسطة والثانوية، وفي المرحلة الجامعية الكشافة كل هؤلاء كانوا يسعدون بخدمة ضيوف الرحمن، إما في إعانتهم أو إرشادهم واصطحابهم لأماكن إقامتهم. كما بين القش، بأن أبناء المدينة يتسابقون في تقديم كل ما يمكن لهذه الوفود. مستذكراً أنه قبل عقود من الزمن كان العديد من أبناء طيبة الطيبة يعملون مع الحجاج ويوفرون لهم كل ما يحتاجونه، حتى الشاهي والطعام يقدم لهم بل وكان البعض يقوم بكتابة الرسائل للحجاج ليتم إرسالها بالبريد لأهاليهم وكان الهدف هو الخدمة وليس جمع المال، واستطرد قائلاً: المدينة تكتنز العديد من المميزات التي تجعلها مختلفة عن غيرها من المدن فهي تحتوي على العديد من المآثر النبوية والمواقع التاريخية وكان أهل المدينة يتولون اصطحاب الحجاج إلى تلك المواقع والتعريف بها، فيما يسمى سابقاً (الزيارة) ويقصد بها زيارة المواقع والمآثر النبوية على وجه الخصوص كأن يؤخذ الحجيج إلى مسجد قباء وإلى شهداء أحد والبقيع وغيرها من المعالم التاريخية، كالمساجد السبعة والآبار والحصون ليطلع الحاج على تلك الشواهد، وأذكر أنني كنت أرى الدموع وهي تتساقط بغزارة، وبخاصة عند رؤية جبل أحد وبئر عثمان بن عفان رضي الله عنه، وغيرها من المآثر.

ومن جهة أخرى، فإن المدينة المنورة تعد وجهة للزوار من أبناء هذا الوطن الغالي خلال أيام عيد الأضحى لقضاء أيام العيد، والسبب في ذلك يعود لأن المدينة تخلو تماماً من الحجاج في السابع من ذي الحجة، وتصبح الفنادق ودور الإيواء شبه خالية فيأتي الأحبة من هنا وهناك، من المدن والمحافظات والمراكز ليقضوا أيام العيد فيها، يحدوهم أيضاً عدم وجود أي نوع من أنواع الزحام في مسجد النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لينعموا بالصلاة فيه.

وقال عضو نادي المدينة المنورة الأدبي الشاعر الدكتور مروان المزيني: في موسم الحج تتوهج المدينة المنورة من حيث استقبال الحجاج والزائرين الذين يتنقلون بين ربوع هذه المدينة التي في زواياها تحمل أبعاداً مليئة بالحكايا النابضة. وقال، من أجمل الأشياء التي يحملها موسم الحج إلى المدينة هو حضور الأدباء والمثقفين من جميع أنحاء العالم، فتكون فرصة عظيمة للقائهم واستضافتهم في كثير من الأماكن الثقافية بالمدينة المنورة كالنادي الأدبي، الذي كان حريصاً كل الحرص على إقامة ندوات ومحاضرات وأمسيات لهؤلاء الأدباء لأنها فرصة قد لا تتكرر بزيارتهم للمدينة. وأضاف المزيني، أن مزامنة إقامة المعرض الدولي للكتاب في المدينة المنورة مع موسم الحج هو تزامن ذكي ليجتمع فيه أصحاب الكلمة والفكر تحت مظلة أدبية ثقافية تنتهي بمخرجات جديدة مما يبعث النشاط والحيوية على الساحة الثقافية.

من جهته، قال نائب رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية بالمدينة المنورة نايف عودة الصاعدي: تشكل فترة الحج مظاهر إيجابية كبيرة في الجانب الاقتصادي المحلي يستعد لها التجار بشكل منظم حيث تشهد الأسواق في المملكة حركة بيع وشراء كبيرة خلال هذه الفترات الموسمية، وأشار إلى أن من ملامح الحركة الاقتصادية الإيجابية قطاع الإسكان، حيث تسجل الفنادق ودور الإسكان نسبة إشغال خلال الموسم تصل إلى 100%، حيث تشير المؤشرات في فنادق المدينة المنورة خلال موسم الحج والعمرة إلى تحقيق نسبة إشغال كبيرة وحجوزات ممتدة طوال فترة الحج والعمرة. كما لفت بأنه من السلع التي يحرص على اقتنائها الحجاج خلال تواجدهم في المدينة، فيتصدر السجاد المخصص للصلاة والسبح من الهدايا التذكارية التي تحظى باهتمامات الحجاج، وتأتي بعدها التمور وخاصة عجوة المدينة التي تعتبر أمنية المسلمين في أصقاع الدنيا لتناولها وتقديمها هدايا لأسرهم في بلدانهم.

أما الباحث والمرشد السياحي علي اليوسف فقال: لا شك أن المدينة المنورة خلال موسم الحج لها نكهة خاصة، فخلال هذه الفترة تشهد كثافة من ضيوف الرحمن الذين يتوافدون من كل أرجاء العالم، من مختلف الثقافات والجنسيات، ومهما حاولت أن تشرح الاختلافات الثقافية إلا أن الاقتراب من هذه الثقافات على أرض الواقع يتيح للجميع كسب الخبرة، وكذلك تعلم البعض من هذه الثقافات واللغات المختلفة. وهذه الجوانب المُتعددة تؤكد أن المدينة المنورة خلال فترة موسم الحج تكون مُختلفة ومُتميزة في كل شيء، لأنها تكون أقل ازدحاماً في أيام العيد.

المستشارة الإعلامية منى يوسف الغامدي، أكدت أن المدينة المنورة تعد مهوى أفئدة المسلمين لما يجدونه فيها من راحة وسكينة وطمأنينة، وفي كل مرة يقبلون عليها يتجدد هذا الإحساس الروحاني بمسجدها وجبالها ووديانها والأماكن التاريخية التي تحكي قصص السيرة النبوية وتجعل الروح تتعلق أكثر بها.

وأكد أستاذ التنمية الاجتماعية بجامعة طيبة الدكتور حسين حسن مرشد الذبياني، أن المدينة لا يوجد لها نظير على وجه الأرض عدا مكة المكرمة، فالمدينة هي معتادة في استقبال ضيوف الرحمن حتى أن أهلها يقللون من الذهاب إلى المسجد النبوي في فترة الحج ليتركوا مساحة للزوار ويمنحوهم الراحة لإداء الزيارة والصلاة. ومع اهتمام الدولة في تنفيذ المشاريع لراحة ضيوف المسجد النبوي باتت أعيننا تلاحظ الكثير من المشاريع وهذه ناحية حضارية وعمرانية تعطي الحاج والزائر الراحة التامة والاستمتاع نفسياً وبصرياً.

المشرف التربوي بتعليم المدينة المنورة الدكتور فراس الحربي أشار إلى أن المشاركين في المعسكر الكشفي لخدمة الحجاج بالمدينة المنورة، يكثّفون نشاطهم التطوعي ومهامهم الإنسانية النبيلة لخدمة ضيوف الرحمن، في عدد من المواقع الميدانية. وهذه سمات أبناء المدينة تفانيهم في خدمة ضيوف الرحمن، فخدمة ضيوف الرحمن مهنة متوارثة بين الأجيال عبر مرور الأزمان.

وأكد الخبير الاقتصادي الدكتور حسين محمد الردادي، أن المدينة تعتبر من أقدس المدن في العالم بعد مكة المكرمة وتحظى بمكانة في نفوس المسلمين، مضيفاً بأنها تتحول خلال موسم الحج وعيد الأضحى إلى مركز ديني واقتصادي واجتماعي مزدهر يلعب دوراً محورياً في تعزيز الاقتصاد. وأشار إلى أن التطور المستمر يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين جودة الحياة ويجعل المدينة أكثر جاهزية لاستقبال أعداد كبيرة من الحجاج كل عام.

من جهته، قال عبدالله الحربي: أنا أعمل منذ سنوات طويلة في توصيل الزوار والحجاج إلى المواقع التاريخية عبر حافلتي واستمتع حينما أصحبهم إلى مكان سيد الشهداء والمساجد التاريخية وتعريفهم بها بما أملكه من معلومات عن تلك المواقع. وأضاف عبدالله، يعيش أهالي المدينة بسعادة لا توصف وينتظرون المواسم لخدمة الزوار ففي خدمتهم يجدون البركة، كما قال قصي محمد سيف: نحن في المدينة المنورة نسعد طوال العام بقدوم ضيوف الرحمن ونتشرف بخدمتهم، وكان الأهالي في زمن سابق يقومون بالخروج من منازلهم لتسكين الحجاج فيها تكريماً لهم واستضافتهم، وهذا العمل الجليل ينبع مما يتمتع به أهالي المدينة من كرم منذ الأزل في إكرام الضيوف وضيوف الرحمن على وجه الخصوص، ويقومون بالترحيب بهم ويقدمون لهم المشرب والمطعم، حيث يشعر الحجاج خلال تواجدهم في المدينة المنورة بأنهم بين أهلهم وذويهم، ولا يحسون بالغربة مما يجدونه من حفاوة واستقبال من الأهالي.