معاريف – بقلم: أوريت لفي نسيئيل “هجرت إسرائيل أملها في السلام مع الفلسطينيين منذ زمن، ولكنها تواصل صيانة منظومة علاقات مركبة مع رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن من جهة، ومع حماس في غزة من جهة أخرى. تقوم العلاقات على أساس العصا والجزرة، المال والقوة، الأمن والاقتصاد. وبالتوازي، يسعى المتطرفون في الجانبين إلى التحكم ورفع مستوى لهيب النزاع النازف في محاولة لكسب النقاط.
الإرهاب الفلسطيني مستمر، وثمة عنف في الجانب الإسرائيلي أيضاً. كان محقاً وزير الأمن الداخلي عوفر بار- ليف؛ فعنف المستوطنين في “المناطق” [الضفة الغربية] ظاهرة قاسية، مستفزة، قومية متطرفة، تقوض سلطة القانون ومصابة بالعنصرية. الميدان يعتمل بالنشاط.
منذ ثلاثين سنة وإسرائيل تقيم حواراً سياسياً وأمنياً واقتصادياً مركباً مع السلطة الفلسطينية لم يتوقف حتى عندما تبين أنه لا يوجد استعداد ولا توجد قدرة على تحقيق اتفاقات أوسلو. في العقد الأخير، تجري حكومات إسرائيل حواراً غير مباشر مع حماس في قطاع غزة أيضاً. لم تنشأ في الطرفين قيادة شجاعة تبعث على الثقة والإلهام بحيث يمكنها تقويض مسيرة تنهي النزاع. لا يوجد من يمكن الحديث معه – لا هنا ولا هناك، رغم أن الفلسطينيين لن يختفوا، والزمن لن يجعلهم محبي صهيون.
حكومة الأطراف، من “الموحدة” و”ميرتس” من اليسار، وحتى “يمينا” و”أمل جديد” من اليمين، وعدت بتغيير حكم نتنياهو كي تعيد إسرائيل إلى الحياة الطبيعية، لكنها تواصل الخط السياسي ذاته حيال الفلسطينيين. محاولة التركيز على كورونا وعلى التهديد الإيراني وعلى مواضيع أخرى ليست موضع خلاف، محكومة بالفشل. لا يمكن لأي حكومة في إسرائيل أن تقصر اعتمادها على قوة الجيش العسكرية، وتتجاهل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، وتتصرف مثل القرود الثلاثة. فالمعارضة العنيدة للعودة إلى طاولة المفاوضات تعقد الأمور وتعمق النزاع في الحاضر، وتصعب حله في المستقبل.
على هذه الخلفية، بعد سنوات من القطيعة بين الطرفين، التقى وزير الدفاع بني غانتس قبل بضعة أشهر في رام الله مع رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن. وفي الأسبوع الماضي، عقدت زيارة مجاملة في رأس العين. فليس مسلماً به أن يُدعى زعيم فلسطيني إلى بيت خاص لوزير الدفاع، فيما يتبادل الرجلان الهدايا.
يدير غانتس جدول أعمال سياسياً أمنياً يخرج عن الخط اليميني لرئيس الوزراء، وعن فقر الدم السياسي لوزير الخارجية. صحيح أن بينيت اطلع على اللقاء وربما صادق عليه، ولكنه سكب عليه ماء بارداً، وأعلن بأن أبو مازن ليس شريكاً، وأنه لا احتمال لاختراق مع من يرفع الدعاوى ضد جنود الجيش الإسرائيلي في “لاهاي”. باختصار، بينيت لا يعتزم التجريب. ولبيد هو الآخر قلل من أهمية اللقاء، وأعلن بأن ما من شيء يدعو إلى الالتقاء به في المدى المنظور للعيان، إلا إذا كان مبرراً سياسياً. رئيس الوزراء البديل يسعى للتمسك بالحبل من طرفيه، ولذلك، لا فائدة. ناهيك عن وزيرة الداخلية آييلت شكيد، التي تعارض كل لقاء مع من يدفع الأموال لعائلات المخربين.
في أعقاب اللقاء، تعرض وزير الدفاع “لنار صديقة” في الائتلاف، من قبل أولئك الذين يسعون للاحتفاظ بالقاعدة في اليمين، وهجوم رد فعل شرقي من المعارضة، لكنه لم يخضع للنقد. قال أموراً صحيحة تلزم كل زعيم إسرائيلي – المسؤول عن إرسال الجنود إلى المعركة هو أيضاً مسؤول عن منع الحرب. وزير الدفاع يحسن في صياغة المعادلة: العلاقات الطيبة مع القيادة الفلسطينية تعدّ مصلحة إسرائيلية صرفة، لا تقل عن كونها حاجة للفلسطينيين.
وبمقابله، فإن إعلانات بينيت ولبيد تحبط احتمال الحوار ولا تخلق مناخاً وأفقاً سياسياً. وسبب ذلك سياسي، فمثلما كان يمكن فهمه من اللذعة التي أطلقها غانتس نحوهما، لأنهما يسمعان بشكل مختلف في الغرف المغلقة على ما يبدو. للأسف الشديد، حكومة إسرائيل تتحدث بصوتين، لكن صوت غانتس هو صوت الراشد المسؤول.