معاريف- بقلم: أفرايم غانور “قمة النقب” التي عقدت قبل نحو شهر وبعثت إحباطاً وغضباً في أوساط الفلسطينيين، وخصوصاً أنها تجاهلت ذكر اسمهم، دفعت الجهاد الإسلامي وحماس ومؤيديهم لتنفيذ العمليات الإرهابية الأخيرة في قلب إسرائيل، وبذلك نجحت في رفع المشكلة الفلسطينية إلى رأس جدول أعمال الشرق الأوسط.
مفهوم أن الحرم والأقصى هما البؤرة الأكثر سهولة وحساسية للاشتعال ولإثارة الخواطر، وكل ذلك في توقيت ممتاز في أيام رمضان. حماس، التي تعي بأنها ليست ناضجة لتتصدى الآن لتفوق الجيش الإسرائيلي، اتخذت استراتيجية مختلفة ومغايرة تتمثل بالإشعال من بعيد، وقد فعلت ذلك من خلال تفعيل نشطائها الكثيرين في الضفة وداخل دولة إسرائيل أيضاً – في ظل كبح كل محاولة من الجهاد الإسلامي لإطلاق الصواريخ من غزة.
الخطة التي أعدت مسبقاً أدخلت إلى العمل “شباب الأقصى” وتابعين لحماس ممن عملوا كما كان متوقعاً منهم: تشجيع الاضطرابات، ورشق يهود يصلون إلى المبكى بالحجارة، والمس بالمواصلات العامة حول “الحوض المقدس”.
المرحلة الثانية في نجاح حماس كانت في أنها دفعت حرس الحدود للعمل بكل قوة في الحرم وداخل الأقصى، فوفرت بذلك للعالم، وخصوصاً لمئات ملايين المسلمين في المعمورة، صوراً قاسية بدا فيها أفراد من الشرطة الإسرائيلية يضربون شباناً فلسطينيين في المسجد، يحرمونهم من حرية العبادة في رمضان المقدس، ويدنسون زعماً المكان المقدس لكل مسلم بصفته هذه. كل ذلك في الوقت الذي -وفقاً لمنشورات حماس- يوجد إسرائيليون يعتزمون أن يضيفوا إلى الدناسة فيقدموا قرباناً في الحرم، مما أدى إلى تلك الموجة من ردود الفعل القاسية من العالم الإسلامي: الأردن، ومصر، والسعودية، والمغرب، وتركيا وغيرها. قبل بضعة أيام، وضعت دول هنا أساساً لحلف استراتيجي، ولا سيما في ضوء التهديد الإيراني. كل هذا وقع رغم أنه كان واضحاً ومعروفاً لمعظم المنددين والصاخبين ضد إسرائيل بأن الشباب هم الجهة المسبب الأساس للأحداث القاسية وللاستفزازات التي أحدثتها حماس، وأن كل ما يجري هنا في هذه الأيام يخدم الإيرانيين. المرحلة الثالثة في نجاح حماس في جولة المواجهة هذه، تكمن في حقيقة أنها نجحت في زعزعة استقرار الحكومة الحالية، التي تستند إلى أساسات متهالكة. وذلك في أنها دفعت “الموحدة”، ممثلة الجمهور العربي في حكومة إسرائيل، لتعلن عن تجميد مشاركتها في الحكومة والائتلاف.
إلى جانب هذا، نجحت حماس مرة أخرى في أن تؤكد وتشدد الجدال القديم الذي يقسم الجمهور في إسرائيل – بين أولئك الذين يؤيدون التقرب وتسهيلات للفلسطينيين، وبالتوازي إقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل في حدود 1967، وبين الكفاحيين من رجال اليمين الذين يتبنون سياسة القبضة الحديدية تجاه الفلسطينيين وعرب إسرائيل، ممن يشعلون نار الكراهية بموقفهم الذي لا هوادة فيه، ويؤمنون ببلاد إسرائيل الكاملة التي تتضمن إعادة بناء الهيكل في الحرم.
رغم أننا تعلمنا درساً من التجربة، فثمة درس آخر في هذه الجولة، وهو أنه ما دمنا نقع المرة تلو الأخرى في حفر “تحفرها” لنا حماس والجهاد الإسلامي داخل الحرم، حين لا يتوقفون عن الحلم والإيمان بقدرتهم على قيام الدولة الفلسطينية من البحر المتوسط إلى نهر الأردن، وما دام سموتريتش وبن غفير ومؤيدوهما يحاولون إملاء جدول الأعمال والتخبط في الوحل الرهيب هذا، المضرج بكثير من الدماء، فثمة أثمان باهظة.
وذلك في الوقت الذي تتفكك فيه كل التحالفات والاتفاقات التي نديرها ونعقدها مع الدول العربية، مهما كانت مهمة، ولن تنجح في إنقاذنا من هذا الواقع الإشكالي.
والمطلوب لهذا الغرض قيادات شجاعة من الطرفين، مستعدة لاتخاذ قرارات شجاعة، لكنه أمر غائب عن الأفق في هذه الساعات الصعبة. من هنا، فإن الصاروخ الذي أطلق أمس من غزة يبشر لنا بربيع جديد مع كثير من المشاكل القديمة.