معاريف: تاركة ملف "المخطوفين" لترامب.. "إسرائيل" بين "الصراع الداخلي" وتداعيات الساحة السورية
2024 Dec,06
معاريف- بقلم ألون بن دافيد-
الجمعة الماضي، حصل شيء ما في الجيش الإسرائيلي: معظم جنرالات هيئة الأركان العامة، بمن فيهم رئيس الأركان، ذهبوا إلى بيوتهم. ذهبوا حقاً، ليس لتناول وجبة يوم جمعة على عجل ثم يعودون بعدها إلى المكتب أو إلى الميدان، لأول مرة منذ 14 شهراً. دليل واضح على أن مرحلة حربنا الطويلة قد انتهت. هذه الفكرة التأسيسية الزائدة التي بموجبها لا يذهب القادة الكبار إلى بيوتهم إلا للقاء قصير لبضع ساعات مع العائلة، تجذرت من الأيام الأولى للحرب. فأكثر من رغبة البث للقادة بأن الحرب لا تقف حتى ولا للحظة، كان في هذا أساس من الصيام، والرغبة في التكفير عن الفشل الرهيب الذي وقع فيه الجيش الإسرائيلي في 7 أكتوبر. وسرعان ما انتشر هذا إلى القادة دونهم في الميدان وفي الأركان وحتى قادة ميدانيين ممن خرجوا بعد أسابيع من القتال في غزة إلى أيام انتعاش، جروا العائلة إلى الجنوب للقاء قصير، على أن يسجل بأنهم ناموا في بيوتهم. الكثيرون من القيادات الوسطى دفعوا على هذا ثمناً عائلياً جسيماً، من الأطفال والزوجات أو الأزواج ممن اضطروا لتجاوز هذه السنة الرهيبة دون وجود الأب أو الأم الناقصين.
الجيش الإسرائيلي لا يزال متحفزاً تماماً لاستئناف القتال في الشمال، لكن تكثر المؤشرات على أن وقف النار آخذ في الاستقرار. ربما لا يزال بانتظاره عقبات على الطريق، لكن إذا ما حاكمنا الأمور وفقاً لسلوك حزب الله في الأيام العشرة الأولى منه، فإن الحزب يبدو أنه لا يسارع للعودة إلى المعركة.
وجود زعيم ضعيف وعديم الكاريزما مثل نعيم قاسم على رأس الحزب، يساعد في الطريق إلى التهدئة. وقاسم في نزاع متواصل مع نبيه بري، زعيم حركة أمل الشيعية ورئيس البرلمان اللبناني منذ 32 سنة. لأول مرة بعد أكثر من ثلاثة عقود، فإن الشيعي المهم والأكثر تأثيراً في لبنان لن يكون رجل حزب الله.
القادة العسكريون الذين تبقوا لحزب الله، أبو علي حيدر وأبو علي طبطابي، بدأوا الآن في محاولاتهم لإعادة بناء قدرات الحزب وجعله حاضراً مرة أخرى. على إسرائيل أن تفترض بأن قائد جهاز عمليات الخارج، طلال حمية، سيحاول إثبات قدرات حزب الله في أرجاء العالم. سيحاول طبطابي أن يبني أيضاً جهازاً للقيام بعمليات في إسرائيل عبر الحدود، على نمط العملية في مفترض مجيدو في 2023.
بدون حركات حادة
ستحاول إيران إعادة بناء قدرات حزب الله، لكن إن لم تكن الضربات التي تلقتها كافية، فإن الأسد، عزيزها، يتعرض لهجوم من الثوار، والرغبة في مساعدته ستوجه جهد المحور الشيعي في الأسابيع القادمة. ليس لإسرائيل أي مصلحة لرؤية سليلي القاعدة يسيطرون على سوريا. بل العكس: التطلع الإسرائيلي هو أن ترى استمرار حكم الأسد الضعيف وإبعاده عن المحور الشيعي.
السؤال هو كيف يمكن تحقيق هذا في الوضعية الجديدة الناشئة في سوريا، وما هي حدود إسرائيل التي ستضطر بعدها للتدخل. حتى الآن لم يجرِ بحث في المستوى الاستراتيجي يحدد أهداف إسرائيل في الوضع الجديد في سوريا. هذا مفهوم. ثمة أمور أكثر إلحاحاً: إغلاق هيئة البث، إقالة المستشارة القانونية و”قانون فيلدشتاين”.
في إيران بالذات يمكن الافتراض بأن بحثاً استراتيجياً عميقاً يجري هناك. فانهيار اثنين من وكلائها المتصدرين – حزب الله وحماس – ينبغي أن يثير لديهم السؤال: هل كان الاستثمار في الوكلاء حكيماً. نتائج الهجوم الإسرائيلي في أكتوبر تضعضع ثقة الإيرانيين بقدرات دفاعهم الجوي وبنجاعة صواريخ أرض – أرض.
بعد الهجوم الإسرائيلي في 26 أكتوبر وانتخاب ترامب في 5 نوفمبر، قررت إيران الامتناع حالياً عن رد مباشر من أراضيها، وتفعيل وكلائها المتبقين في العراق واليمن. عدة إطلاقات كانت من العراق، جاء الرد عليها بتحذير إسرائيلي استوعب جيداً. الميليشيات في العراق أوقفت النار نحو إسرائيل. أما الحوثيون فتبقوا كلاعب مارق لا يتلقى أمراً من أحد.
حتى تسلم الرئيس المنتخب ترامب مهام منصبه، تحذر إيران من القيام بحركات حادة. لكن الاتجاه المتحقق هناك هو الحاجة للتقدم إلى النووي. درس إيران من حرب أوكرانيا هو أن دولة ليس لها قدرة نووية ستظل فريسة سهلة لدول أخرى، لذا يجب التقدم إلى القنبلة. تحدي إسرائيل سيكون إقناع ترامب بأنه لن يساوم حيال إيران.
بانتظار منحى حقيقي
في غزة أيضاً، حيث تتراكم جثث المخطوفين المتعفنة خاصتنا، يمكن العبور إلى مرحلة أخرى. حسب تقدير إسرائيلي، قل عدد المخطوفين الأحياء في الأسابيع الأخيرة، بسبب نقص الغذاء والعلاج الطبي. واستنفد الجيش الآن عمليته البرية وهو مستعد للعودة إلى هدف الحرب الأسمى: إنقاذ المخطوفين.
كما كتب هنا الأسبوع الماضي: الجانب البرتقالي هو الذي سيقرر مصير أولئك الذين تبقوا على قيد الحياة. حماس ناضجة للصفقة، على الأقل لمنحى جزئي يؤدي إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي وإعادة جزء مهم من المخطوفين الأحياء. التهديد الذي أطلقه ترامب هذا الأسبوع يدفئ القلب، لكن هناك حاجة لتدخل أمريكي نشط لأجل ترجمته إلى منحى حقيقي من إعادة مخطوفين.
نجحت مصر في حمل حماس والسلطة الفلسطينية على التوقيع على وثيقة مبادئ تنقل صلاحيات إدارة غزة إلى السلطة. هذا مسار قد ينزع عن إسرائيل عبء المسؤولية عن إطعام الغزيين، لكن حكومتنا بأصفارها غير مستعدة لأن تتفوه بكلمتي “سلطة فلسطينية”. معظم أعضائها يفضلون موت جنود الجيش الإسرائيلي على توزيع الطحين في غزة وليس رجال السلطة الفلسطينية.
غزة، التي نضجت فيها الظروف لإنهاء الحرب في شكلها الحالي، ستكون اختباراً دراماتيكياً في بداية ولاية ترامب. سواء بسمعته كـ “عاقد صفقات” أم قدرته على التأثير على أصحاب القرار في إسرائيل (اثنان منهم حالياً موجودان في ميامي)، ومع مارك روبيو كوزير خارجية، وتيم فالتس كمستشار للأمن القومي، وربما رون دي سانتس كوزير دفاع، ستحصل إسرائيل على فرصة نادرة لتثبت قوتها في السنوات القادمة، بما في ذلك عبر مساعدة عسكرية وعبر اتفاقات مع دول المنطقة، ما يضع تحدياً أمام إيران. ربما يتخلون عن أوكرانيا، وقد يساومون في تايوان، لكن من الصعب أن تتخلى هذه العصبة عن إسرائيل.