معاريف – بقلم: تل ليف رام تشكل قضية “كرم حن بن إلياهو” مثالاً آخر على معركة الصلاحيات في وزارة الدفاع، التي تبدو غير قابلة للحل ولفارق المناهج الواسع في تطبيق سياسة الحكومة في “يهودا والسامرة”. حتى لو كان سيعرض حل ما بعد الأزمة الائتلافية الداخلية، فإن علامة استفهام كبيرة ستحوم فوق قدرة أو رغبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للالتزام به بسبب اعتبارات تتعلق سواء بالأمن أم بالعلاقات الخارجية مع الأمريكيين.
الكرم نفسه الذي يقع في مستوطنة “غوش شيلو” الذي في إقليم “بنيامين” كان مجرد زينة لمعركة الصلاحيات. كان نتنياهو يعرف بنية اقتلاع الكرم، لكنه لم يوقف اقتلاعه إلا بعد ساعات طويلة عندما لم يتبقَ في الأرض إلا بضع شجرات. قرار نتنياهو اتخذ فقط عقب إنذار الوزير سموتريتش، التي باتت قطيعة مطلقة مع وزير الدفاع يوآف غالانت مؤخراً.
في أثناء الأزمة وما بعدها، حرص سموتريتش والوزير إيتمار بن غفير على مهاجمة غالنت، رغم معرفتهما الجيدة بأن الخطوة اتخذت بعلم نتنياهو. عملياً، كل الأطراف السياسية سارت إلى هذا الحدث بعيون مفتوحة، انطلاقاً من معرفة كاملة بالانفجار القادم لا محالة. في الميدان نفسه، اضطرت القوات التي أخلت الكرم لمواجهة رجال اليمين مثل النائبة ليمور سون هار ميلخ من “قوة يهودية”، والنائب تسفي سوكوت من “الصهيونية الدينية”.
يرى جهاز الأمن في هذه مسألة ليست ذات مرونة، كون الحديث يدور عن غزو قام به بن إلياهو إلى أرض خاصة أمرت المحكمة العليا بإخلائها قبل أكثر من سنة. قبلت العليا في حينه الطلب الذي أيده أيضاً جهاز الأمن في ضوء التفاهمات التي تحققت مع بن إلياهو، الذي وقع على أمر موافقة بإخلاء القطعة. وضح جهاز الأمن بأن بن إلياهو لم ينفذ قرار العليا، وخرق تعهده بإخلاء الكرم بنفسه، لذا لا مناص من تنفيذ قرار المحكمة.
لكن اليوم وفي واقع، لا يمكنه لحدث مهني بسيط أن يسير ببساطة. يبدو أن هناك من يعتقد، في الحكومة أيضاً بأنه مع أو بدون إصلاح قضائي، يمكن عدم تنفيذ قرار محكمة العدل العليا. في وضع الأمور الاعتيادي، فإن إخلاء الكرم ما كان ليصل إلى طاولة رئيس الوزراء، لكن اطلع هذه المرة على ذلك مسبقاً.
يفهم غالنت بأنه بشكل فوري عنوان اليساري الدوري في الحكومة الحالية موجه إليه، ويتذكر جيداً الجولة التي عقدها وزراء الليكود على حساب بوغي يعلون حين كان وزير الدفاع في أثناء قضية اليئور ازاريا. وبالتالي، فإنه رغم التنسيق بين غالنت ونتنياهو، يفضل بن غفير وسموتريتش في هذه المرحلة توجيه السهام إلى وزير الدفاع، أو كما غرد سموتريتش بعد الإخلاء: “أطالب رئيس الوزراء بنقل صلاحيات الإدارة المدنية إليّ فوراً. إذا كان لغالنت مشكلة مع هذا، فإنه مدعو لتسليم المفاتيح. أنا مقتنع أن هناك الكثيرين في الليكود ممن يسعدهم إشغال مكانه في وزارة الدفاع.
يفهم نتنياهو جيداً بأن تحرير الصلاحيات لسموتريتش سيعقده مع الأمريكيين، لكنه مقيد في تعهداته، ومجال مناورته آخذ في الضيق، حين حققت “الصهيونية الدينية” مكسباً سياسياً كبيراً من الأزمة الأخيرة. وكما أسلفنا حتى لو حلت هذه الأزمة، فإن عقب أخيل الحكومة لن يذهب إلى أي مكان، والعقدة التالية موجودة خلف الزاوية.
سهم مرتد
إذا كان كل هذا غير كافٍ، فإن المشكلة المركزية هي الوضع الأمني الآخذ في التصاعد في الشهر الأخير: 11 قتيلاً في سلسلة عمليات، في ما يلوح كالخاصرة الرخوة لإسرائيل في شرقي القدس. وأضيف إلى هذا نحو 30 صاروخاً وقذيفة هاون وصاروخاً مضاداً للطائرات أطلقت من قطاع غزة بعد فترة طويلة من الهدوء.
الشهر الأخير، ولا سيما في الساحة المقدسية الموجودة تحت مسؤولية وزير الأمن القومي بن غفير هي الأصعب والأخطر من ناحية النتائج الإجرامية للإرهاب. لو أن بن غفير كناشط خارجي وكنائب استفزازي من المعارضة كان سيحكم على أدائه كوزير الأمن القومي في اختبار النتيجة لعرّف أداءه بفشل ذريع بعد أن كان حتى وقت أخير مضى يشير إلى كل قتيل في كل عملية إجرامية كدليل على فشل حكومة التغيير.
مشكلة نتنياهو أنه مثلما يطلب سموتريتش إدارة السياسة في “المناطق” [الضفة الغربية] التي لا تتناسب مع سياسة رئيس الوزراء، فإن وزير الأمن القومي بن غفير هو الآخر لا ينسق أعماله وأقواله مع نتنياهو. هكذا مثلًا في مواضيع الشروط الاعتقالية للسجناء الأمنيين وهدم مبان غير قانونية في شرقي المدينة.
ومثلما اعتقدت في عهد الحكومة السابقة بأن سلوكاً كهذا لعدد لا بأس به من منتخبي الجمهور في المعارضة هو سلوك رخيص وشعبوي بل ويوفر ريح إسناد للإرهاب، فلا أرى اليوم ذنب الحكومة في موجة الإرهاب المتعاظم في القدس؛ ففي نحو سنة من التصعيد الأمني المتواصل يبدو أنه حان الوقت لنكف عن التطرق لهذه الفترة بعبارة “موجة إرهاب” ونفهم بأنه تغيير جوهري في الواقع الأمني في القدس وفي “يهودا والسامرة”. هو ميل إذا لم يكبح، فربما ينتقل إلى تصعيد دراماتيكي أكثر بكثير، إلى نوع من الانتفاضة الثالثة.
لقد سبق أن كتب أنه من الصعب إدارة معركة مع الإرهاب عندما تنفذ معظم العمليات من قبل فلسطينيين شبان أفراد دون أن يكون لجهاز الأمن أي فكرة عنهم. في شرقي القدس يبدو أن هذه الحفرة عميقة على نحو خاص.
كالسهم المرتد، تعمل معادلة اتهام الحكومة السابقة بالمقتولين الإسرائيليين ووعد انتخابي فارغ من المضمون بأن ليس سوى بن غفير هو الوحيد الجالب للأمن. وهذا يصطدم الآن بأرض الواقع القاسي ويزيد ضغط بن غفير ومحيطه القريب، فيما تتآكل مكانته ثم يبدو أقرب إلى كونه مزحة قومية بلا حلول، منه إلى وزير للأمن القومي.
جبهة مسؤولية بن غفير في القدس تؤثر على الوضع في “يهودا والسامرة” وغزة. بن غفير، يخلط الخطاب الحماسي بمفاهيم الحوكمة وإنفاذ القانون مع الوضع الأمني، والإعلانات عن “سور واق 2” ومظهر هدم مبان غير قانونية كتصدٍ للإرهاب.
وفي موضوع آخر، قال نتنياهو هذا الأسبوع إنه رغم النقد العلني الأمريكي لقرارات البناء في “المناطق” [الضفة الغربية]، فإن التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة أقوى من أي وقت مضى. التحالف الاستراتيجي مع الأمريكيين قائم وموجود بالفعل. وحقاً، كانت أوجه التعاون في السنتين الأخيرتين في المجال العسكري غير مسبوقة وتركز على إيران. لكن نتنياهو كخبير في الشؤون الأمريكية، يفهم جيداً إشارات واشنطن. من النقد على الثورة القضائية وحتى التنديد بقرارات الحكومة البناء في “المناطق” بعد العمليات الأخيرة. يشهد الشهر الماضي تدهوراً في العلاقات بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو. لإسرائيل الكثير مما تخسره من أزمة في العلاقات مع الأمريكيين. إذا كان نتنياهو معنياً بتقليص احتمالات التصعيد في الساحة الفلسطينية، فإنه مطالب بإدارة الوضع عن كثب ومطالبة الوزير بن غفير بأخذ إذنه على الخطط وألا يطلق شعارات حماسية وأعمالاً غير منسقة في السجون الأمنية.
أما من قدر وجود احتمال لهدوء طويل المدى بعد الحملات الأخيرة في غزة، فيتعلم بأنه حتى لو بقيت حماس تعمل تحت لجام ذاتي ما بسبب مصالحها، فإن استمرار التصعيد الأمني في القدس والسجون الأمنية كفيل بإعادة نمط الحياة الصعب في الجنوب تحت نار الصواريخ وصافرات الإنذار.
“لن تتحول الدكتاتوريات إلى ديمقراطية إلا بسفك الدماء”، قال رون خولدائي، رئيس بلدية تل أبيب، وفي قطاع غزة يفيد التاريخ بأنه بعد فترة ما من الهدوء، يبدأ تنقيط النار. والتنقيط يصبح طوفاناً – وينتهي بجولة تصعيد أو بحملة أخرى، وهلمجرا.