لا شك أن حدث سقوط خمسة مقاتلين وضباط من الكتيبة 8111 التابعة للواء الخامس على الأطراف الشمالية الشرقية لمدينة خانيونس، هو واحد من الأحداث العديدة القاسية التي يجب أن يتعلم الجيش الإسرائيلي الدروس منها بسرعةٍ شديدة أثناء المعركة، هذا ما قالته صحيفة Maariv العبرية، الثلاثاء 12 ديسمبر 2023، والتي تحذر من أن حماس لا زالت تنجح في استغلال نقاط الضعف لدى الجيش الإسرائيلي على أرض المعركة.
كيف تستغل حماس نقاط ضعف الجيش الإسرائيلي على الأرض؟
تقول الصحيفة العبرية إن نقاط الضعف هذه تتضح في المناطق الريفية المفتوحة نسبياً، مثل خان يونس، لتكشف لنا عن أهم أدوات العمليات التي تمتلكها حماس وهي استخدام العبوات الناسفة. إذ يُفخخون فتحات الأنفاق ويزرعون المتفجرات في المناطق المفتوحة ثم يُفجرونها عن بُعد، وهذا ما يبدو أنه حدث في الواقعة التي أسفرت عن سقوط المقاتلين.
حيث استغلت كتائب القسام الفترة الفاصلة بين بداية الحرب وبداية الهجوم البري لتفخيخ العديد من الشوارع والمنازل المهجورة شمال قطاع غزة التي تم إجلاء سكانها، ويبدو أنها استغلت فترة المعارك في شمال القطاع من أجل الاستعداد بقوة لمعركة خان يونس أيضاً.
مستوى الخسائر يرتفع في صفوف الجيش الإسرائيلي
تقول “معاريف” إن مهمة الفرقة 98 بخان يونس تستهدف الوصول إلى القيادات الكبرى لحماس، وتحقيق إنجازات استخباراتية وعملياتية تتعلق بالمختطفين. لكن وكما حدث أثناء القتال في شمال قطاع غزة، وقعت الأحداث الأكثر صعوبة من حيث ارتفاع عدد الخسائر في صفوف قواته داخل المواقع التي فرض الجيش سيطرته العملياتية عليها كما يقول، وذلك في عدة مناسبات.
ونستطيع القول إن فتحات الأنفاق المفخخة في شمال قطاع غزة تتشابه مع مشهد الانفجار الذي أودى بحياة خمسة من مقاتلي الكتيبة على مشارف خان يونس، وتُعبر بصورةٍ جيدة عن السمات القتالية لحركة حماس التي تبحث عن نقاط ضعف الجيش الإسرائيلي في الميدان.
حماس تعرف نقاط الضعف لدى الجيش الإسرائيلي جيداً
وعادةً ما تجد حماس نقاط الضعف على هامش العملية الرئيسية، في المواقع التي من المُفترض أن الجيش الإسرائيلي يُسيطر عليها بالكامل، أو المناطق الموجودة على الأطراف الريفية لخان يونس في البلدات والقرى القريبة من الحدود مع الأراضي المحتلة. وتشمل تلك البلدات والقرى خزاعة، وعبسان الكبيرة والصغيرة، والجرارة التي تحد خان يونس من جهة الشمال أيضاً.
ولطالما كانت هذه المنطقة مركزاً كبيراً جداً لأنشطة حماس وغيرها منذ سنوات عديدة، بفضل قربها من السياج.
إذ تمركز مقاتلو الكتيبة 8111 الإسرئيلية أمام مجمع مدرسة في الجرارة. وجاء هذا بعد تلقيهم معلومات استخباراتية تفيد باعتبارها “هدفاً إرهابياً واحتمالية احتوائها على فتحات أنفاق”. ويبدو من التحقيقات الأولية أن القوة تعرضت لنيران القناصة والقذائف صاروخية الدفع (آر بي جي). وخرج بعدها مسلح من الأنفاق واشتبك مع القوة، ثم جاء انفجار العبوة الناسفة ليُكبد القوة تلك الخسائر الباهظة في الأرواح.
القسام تستغل أفضليتها الدفاعية وخبرتها بالتضاريس المفتوحة
تقول الصحيفة العبرية إنه لا شك أن هذا الشكل من أشكال حرب العصابات سيستمر في تمييز شكل القتال داخل قطاع غزة وجنوبها، حتى في الشمال، حيث تسعى حماس من خلال حرب العصابات إلى تقليص الفجوة بينها وبين الجيش الإسرائيلي على صعيد القدرات النيرانية والاستخباراتية، مستغلةً قدراتها في كمائن العبوات الناسفة وأفضليتها الدفاعية وخبرتها في التضاريس المفتوحة واستفادتها من فتحات الأنفاق. ويأتي هذا على الرغم من حقيقة أن الجيش الإسرائيلي بات قريباً جداً من إتمام احتلاله المؤقت لمدينة غزة.
هل يتعلم الجيش الإسرائيلي الدروس؟
تقول “معاريف” إنه من المؤكد أن العدد الكبير من الوقائع الصعبة التي تحدث في مناطق ليست على الخطوط الأمامية المفتوحة تتطلب من الجيش الإسرائيلي أن يتعلم الدروس سريعاً، ويولي اهتماماً أكبر للاستخبارات، ويتعامل مع المعضلة التالية: ما الظروف التي تتيح دخول بناية يُشتبه في كونها مركزاً عسكرياً لحماس؟ ومتى يجب تجنُّب عملية كهذه واللجوء إلى الهجوم من السماء؟
تقاتل الفرقة 98 في غزة الآن تحت ظروف مختلفة تماماً عن السيناريوهات التي تدرّبت عليها. إذ تغير هيكل الفرقة تماماً بموجب التغييرات التي طرأت عليها تماشياً مع الحرب. وينطبق الأمر ذاته على نمط عملياتها الذي لا يختلف جوهرياً عن عمليات فرق المناورة الأخرى أثناء الحرب في هذه المرحلة.
وتقول الصحيفة: “يمكننا افتراض أن هناك عمليات خاصة مختلفة الخصائص يجري تنفيذها بواسطة الفرقة إلى جانب إدارة المناورات المفتوحة. لكن استئناف القتال والمناورات لم يُسفر بعد عن أي تقدم ملموس في تحرير المزيد من الرهائن. بينما لا يزال الجيش الإسرائيلي مقتنعاً بأن الضغط العسكري المتواصل على حماس هو السبيل الوحيد لعودة الأسرى الإسرائيليين”.
والواضح هو أن فرصة تحقيق انفراجة بعد المفاوضات عبر الوسطاء تُعَدُّ أكبر من فرصة إطلاق سراح عشرات المختطفين في عمليات عسكرية، حتى وإن كان تحقيق ذلك ممكناً لكل مختطف على حدة.
ويحمل هذا الزعم الكثير من المنطق بناءً على ما أوردناه سالفاً. لكن هناك الكثير من التوترات بين هدفي الحرب الحاليين، وهما إطلاق سراح الرهائن وهزيمة حماس. وقد أسفر ذلك عن زيادة الجدل حول هذه المسألة داخل إسرائيل أكثر فأكثر.
“لسنا قريبين من حسم المعركة مع حماس”
وعلى كل حال، ليست الحرب ضد حماس قريبةً من مرحلة الحسم على الإطلاق حتى مع سيطرة الجيش الإسرائيلي على بعض أراضي القطاع. لكن يجب على المرء الانتباه إلى البيانات التي تأتينا بعدد الجرحى والقتلى ضمن صفوف قوات الاحتياط، والذين يسقطون بأعداد أعلى نسبياً من أفراد الوحدات النظامية.
علاوةً على أن الفترة المقبلة ستشهد مشاركة العديد من كتائب الاحتياط في معارك غزة. لذا يجب إجراء التحقيقات وتعلُّم الدروس المستفادة من استخدام قوات الاحتياط في الحرب الآن. ومن المؤكد أن الحادثة التي وقعت على مشارف خان يونس وشبيهاتها يُمكن أن تعلمنا الكثير في هذا الصدد.
“لا مجال للتصعيد في جبهة الشمال”
أخيراً، تقول الصحيفة العبرية إنه لا مجال لتجاهل التصعيد المتواصل في الشمال. إذ كان حزب الله ولا يزال المبادر بالتصعيد وسببه الرئيسي، وقد أعلنوا يوم أمسٍ بشيءٍ من الفخر سقوط قتيلهم الـ100 منذ بدء الحرب. ومع ذلك، وعلى الجهة المقابلة، يبدو أن إسرائيل زادت هي الأخرى من وتيرة وحدة هجماتها في الأسبوع الماضي، واختارت الأهداف التي ستلحق ضرراً كبيراً بالقدرات العسكرية الكبيرة لحزب الله.
ويأتي تصعيد العمليات العسكرية في وقتٍ ترى خلاله المؤسسة الأمنية فرصةً أكبر لجهود الوساطة حتى عبر الفرنسيين، إلى جانب الأمريكيين على وجه الخصوص.
ومن المفترض أن تؤدي زيادة الضغط العسكري إلى منح حزب الله إشارةً تقول إنه من الأفضل للدولة اللبنانية أخذ المنعطف الصحيح في الوقت الحالي، والتوصل إلى تسويةٍ سياسية مؤقتة. إذ ربما تدوم هذه التسوية لوقتٍ طويل، ويبدو أن إسرائيل تفضل هذا الخيار في الوقت الراهن. ففي لعبة البوكر المستمرة بين إسرائيل وحزب الله، سنجد أن انهيار المفاوضات يرفع احتمالات التصعيد لدرجةٍ كبيرة جداً.