بعد إدارتها لمجموعة من النقاشات مع طالباتِ حول الكون وتطوراته المادية التاريخية والمعاصرة تعرضت مؤسسة تامر وكوادرها إلى افتراء وتشهير وبث إشاعات عارية عن الصحة، واستخدام كلمات مسيئة جداً، وغريبة عنا وعن ثقافتنا وقيَمنا المجتمعية. وبالرغم من مساعي المؤسسة الحثيثة لاحتواء الأزمة إلا أنَّ حملة التشويه استمرت وأصبحت أكثر عنفا، جاء ذلك في بيان صادر عن مؤسسة تامر. وتعرضت مؤسسة عبد المحسن القطان لتهديد مجهول المصدر في محاولة لمنعها من تنفيذ أمسية موسيقية في مركزها الثقافي برام الله للفنان الفلسطيني جوان صفدي بحجج غير واضحة.
لم يقتصر الأمر على تهديد العاملين في الحقل الثقافي والاعتداء عليهم، وعلى حقهم في الإنتاج والتعبير، بل وصل إلى تهديد وجودهم وحقهم في الحياة الآمنة. كما ورد في بيان صادر عن مؤسسة القطان.
وكان إدوارد معلم وإيمان عون مؤسسا مسرح عشتار والفنانون الذين شاركوا في مسيرة الفن في رام الله قد تعرضوا للعدوان من قبل مجموعات زعران وبلطجة.
الشيء نفسه تكرر مع المستودع – المساحة الثقافية – التي درجت على إقامة أنشطة ثقافية دورية، وتعرضت لمنع وتهديد أدى إلى وقف أنشطته الثقافية منذ شهرين تقريبا.
اتفقت البيانات الصادرة عن المراكز الثقافية بوجود حملة ضد العمل الثقافي وضد المؤسسات والأفراد العاملين في قطاع الثقافة وضد كل فعل يرتبط بإعمال العقل والتدبر.
الحملة أخذت شكل اعتداء وترهيب وعنف جسدي ولفظي وتهديد ومنع وخلق حالة من الخوف. وبحسب وصف مسرح عشتار، ما يحدث هو عملية تصفية للعمل الثقافي والمؤسسات الثقافية.
وقال بيان القطان إن حوادث الاعتداء المتكررة والآخذة بالاتساع أعمال دخيلة على الحياة الاجتماعية والثقافية، وتهدد استمرارية الفعل الثقافي الفلسطيني وتكامله وتدفقه ودوره الاجتماعي والإنساني. ويضيف بيان القطان: بات جلياً أن هذه الجهات العابثة والغامضة، باتت تستسيغ الدور الذي تلعبه، وهي ترى قدرتها على التهديد وإلغاء الفعاليات الثقافية والفنية، الواحدة تلو الأخرى، تتنامى وتكبر.
كما نرى، تتفق المؤسسات المستهدفة على تشخيص الحالة وعلى الخطر الذي يتهدد الثقافة والفن والعاملين فيهما، وتتفق أيضا على طبيعة القوى والمجموعات المبادرة إلى العنف الفكري الذي يتولى التحريم ووضع الخطوط الحمراء من وجهة نظر التزمت التي لا يسمح بتجاوزها أو الاقتراب منها.
ما يحدث في الضفة الغربية يذكرنا بما حدث في قطاع غزة من فرض شكل ومفهوم ورواية وثقافة منغلقة واحدة تسهل عملية السيطرة على المجتمع وكبح تطوره الداخلي كمكمل لكبح تطوره الخارجي من قبل دولة الاحتلال.
ثمة تشابه في الأهداف والأساليب وقد نصل إلى نتائج متشابهة أيضا في حال استمرار النهج.
استخدمت حركة حماس عصبيات منغلقة كرأس حربة لإخضاع الثقافة والفن، بعد أن أخضعت نصف المجتمع من النساء. هل تحذو حركة فتح حذو حركة حماس في إشعال الضوء الأخضر أمام العصبيات كرأس حربة لإخضاع المجتمع؟ لا شك في أن منع الفعاليات وترهيب المراكز الثقافية والتحريض والابتزاز يشير إلى الأسلوب والأهداف ذاتها. مع فارق أن حماس هي التي تستخدم العصبيات بينما يتم استخدام فتح من قبل العصبيات خارج فتح وداخلها.
لا غرابة في لجوء قوى الإسلام السياسي إلى فرض أخلاقياتها على المجتمع لتسهيل السيطرة عليه وحكمه إلى ما لا نهاية. ولكن الغرابة كل الغرابة تكمن في أن تتخلى حركة فتح عن تراثها في التعدد الثقافي والديني والسياسي، وفي أن تتخلى عن وثيقة إعلان الاستقلال التي قدمت مضمونا ديمقراطيا لدولة فلسطين الافتراضية، وفي استبدال تماهيها مع الاتفاقات والمعاهدات الدولية مثل حقوق الإنسان وإزالة التمييز ضد النساء وحقوق الطفل والحريات العامة والفردية وحقوق المواطنية وغير ذلك بالتماهي مع التحولات الرجعية التي يشهدها المجتمع. للأسف فإن الدولة الافتراضية المعترف بها من حوالى 140 دولة، تتخلى عن دورها في حماية المجتمع بدفاعها عن النظام العام وبتطبيقها للقانون، وتترك هذه المهمة لعصبيات تقيم القانون بيدها، تحرم وتمنع وتجيز أو لا تجيز وتمارس الإرهاب الفكري والجسدي. في كل التعديات السابقة وقفت الشرطة وأجهزة الأمن متفرجة. ما يحدث شيء خطير يهدد السلم الأهلي والتعدد الثقافي والتطور من داخل المجتمع، ما يحدث يؤدي إلى نزع ثقة فئات واسعة ومتزايدة من السلطة.
إن الاستهتار بالثقافة ونخبها ومؤسساتها والتساوق مع الشعبوية لا يؤدي إلى كسب ود الناس، فالشعبوية نتاج قوى سياسية ومجتمعية قادرة على الاستقطاب وعلى استخدام كل تنازل وكل تهاون وكل ضعف وكل محاولة للتماهي من قبل حركة فتح لإضعاف الأخيرة وتفكيكها ووراثتها.
«إن تنصل السلطة من مسؤولياتها وإعلانها عن عدم قدرتها على تقديم الحماية للمؤسسة الثقافية، أو الجهة المنظمة للفعالية المهددة بالاعتداء عليها»، فضيحة بطعم الهزيمة والخضوع للتحولات الرجعية. كانت الثقافة رافعة التحرر الوطني وجسر التواصل مع الثقافات العربية والعالمية، وصانعة التفوق الإنساني والأخلاقي والمعنوي والسياسي. كم ستكون عليه الخسارة عندما يتخلى المستوى السياسي والجبهة السياسية عن أهم روافع التحرر ممثلة بالثقافة. السؤال المطروح بقوة هل يمكن قطع الطريق على مسار إخضاع وتهميش الثقافة، مسار تهميش فلسطين وتفكيك شعبها وعزله عن أهم مناصريه والمدافعين عن قضيته العادلة؟ سؤال برسم إجابة المستوى الثقافي الفني الأكاديمي والإعلامي. هل تتنادى المؤسسات والنخب والأفراد للدفاع عن تراثها الجميل والشروع في مقاومة التهديدات الخطيرة بفعل ثقافي وفني قادر على حفز الدعم الشعبي، أم هل تترك كل مؤسسة تواجه الهجوم أو ترفع الراية البيضاء. حتى الآن ما زال مستوى الدفاع عن الثقافة مبعثراً وضعيفاً، ومتردداً، وبخاصة في مجال نقد التعديات والإرهاب الفكري ونقد إقامة القانون باليد، ونقد عدم محاسبة الذين يمارسون سلطة داخل السلطة.
ما رأيك؟
رائع0
لم يعجبني0
اعجبني0
غير راضي0
غير جيد0
لم افهم0
لا اهتم0