“مقامرة بينيت” في عيون الصحافة العبرية

وصف محللون ومعلقون إسرائيليون تدخل رئيس حكومتهم نفتالي بينيت في الأزمة الروسية – الأوكرانية، من خلال محاولة الوساطة بهدف وقف الحرب، بأنها “مقامرة” قد يكون لها عواقب خاصة في حال فشلها.

وسلطت وسائل الإعلام العبرية الصادرة اليوم الأحد، الضوء على رحلة بينيت السرية إلى موسكو ولقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل أن يُكشف عن تلك الزيارة بعد انتهائها، وتوجهه بعدها إلى ألمانيا للقاء المستشار أولاف شولتس.

وقال المعلق السياسي المختص بالشؤون الدولية نداف إيال في مقال تحليلي له عبر صحيفة يديعوت أحرونوت، إنه في حال نجحت وساطة بينيت، فإن جرأته ستبدو وكأنها “نبوءة”، ولكن إذا اتضح أن بوتين ضلله مثل ما فعل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فسيكون لذلك ثمن باهظ يتجاوز بكثير السخرية السياسية، وعلى سبيل المثال سيضر ذلك بالعلاقات مع الولايات المتحدة.

واعتبر أن هناك 4 حقائق لابد من تفهمها، أنه ليس هناك ما هو أهم من الاستقرار في العالم ووقف الحرب في أوكرانيا، وثانيًا أن هذه الحرب ليست نتاجًا لسوء فهم أو مشاكل أمنية مقلقة لروسيا، وما يجري هو نتيجة رغبة تاريخية في إعادة أوكرانيا والدول المحيطة بها إلى سيطرة موسكو، وثالثًا الشخص الوحيد الذي يستطيع إنهاء الحرب بقرار واحد بسيط وسريع هو بوتين، والرابع أن الحرب لا تسير كما هو مخطط لها من قبل الروس.

واعتبر إيال أن هذه الحقائق هي السياق الذي تجري فيه أي محاولة لوقف التصعيد الخطير في أوروبا، بما في ذلك مبادرة الوساطة الواسعة التي يقودها بينيت، والتي بدأت كبويضة لم تولد بعد، وأصبحت موضوعًا متكررًا للمحادثات مع قادة العالم خلال الأسبوع الماضي، ونضجت قبل يومين في رحلة الوساطة المفاجئة والمتسارعة ما بين تل أبيب وموسكو وبرلين.

وشكك المعلق الإسرائيلي في أن يكون البيت الأبيض بارك تحركات بينيت، مشيرًا إلى أنه قد يكون تم التنسيق بشأن تحركاته، لكن الشكوك حول مباركة تلك الخطورات واردة، وأنه فقط من خلال بيان للخارجية الأميركية أو الإدارة في واشنطن قد يظهر فعليًا مباركة تلك الخطوة من عدمه، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة قد تحتفظ بنفسها لرغبة إنكار ذلك، خاصة وأن بعض المسؤولين شككوا في نجاح محاولات بينيت، ولكنهم لم يشككوا في حسن نواياه، متشبثين بتقديرات المخابرات الأميركية أن بوتين لن يتوقف قبل استعباد أوكرانيا بموجب خطته الأصلية، وأنه (أي بوتين) يستخدم القادة الغربيين لبث الشكوك في الغرب حول نواياه الحقيقية.

واعتبر إيال أن بينيت يلعب لعبة عالية المخاطر خاصة أن بوتين خدع ماكرون من قبل والذي كان يعتقد بدوره أن لديه القدرة على منع الحرب، معتبرًا أن “الخداع والانقسام وبث الضباب هي قضايا متكررة في الدبلوماسية الروسية”، مشيرًا إلى أن موسكو بينتما تلقي بالذخائر العنقودية على المدن الأوكرانية وتفتح النار بالقرب من أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا، تتحدث بجدية عن مفاوضات مع الأوكرانيين أنفسهم، وهو ما عدّه “خداعًا سياسيًا”.

ويضيف: “هذه الاتصالات، سواء الوساطة التي يقودها بينيت أو المفاوضات مع أوكرانيا، هي مجرد سلم محتمل لبوتين لينزل من الكابوس الذي تسلقه.. إذا أراد بوتين فسيحصل على ضمانات بأن أوكرانيا لن تكون في الناتو، أو أنها ستكون محايدة، وحينها يمكنه أن يعلن أنه قد انتصر، وأن ينسحب، وكان بإمكانه قبول ذلك حتى قبل الحرب”.

وأعرب المحلل والمعلق الإسرائيلي عن أمله في أن لا ينخدع بينيت، بالرئيس الروسي، وأن لا يكون لذلك آثار سلبية على إسرائيل خاصة في العلاقة مع الولايات المتحدة، معتبرًا أن الحرب على أوكرانيا خرجت بنتيجة مهمة هو أنه من الضروري على أي رئيس وزراء إسرائيلي كواجب استراتيجي أن يحمي العلاقات مع واشنطن ويعزز دعم إسرائيل في الكونغرس والبيت الأبيض.

من جهته يقول المعلق الإسرائيلي رون بن يشاي، إن مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كان متشككًا للغاية بشأن فرص بينيت في النجاح بجهود الوساطة، مشيرًا إلى تصريحات بعض الصحفيين المقربين من زيلينسكي بأن الأخير لم يسمع من بينيت أي شيء جديد قد يغير الوضع، وهو ما قد يشير إلى فشل الوساطة التي قد يكون لها تداعيات سلبية على علاقة إسرائيل ببعض الأطراف.

وأشار إلى أن بينيت بحث بشكل أساسي وقف إطلاق النار، فيما طالب بوتين، بينيت بأن يتم وقف تمويل المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، إلى جانب بحث قضايا منها فتح ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين.

واعتبر أن بينيت يخاطر بشكل كبير في أن يصبح وسيطًا بين روسيا وأوكرانيا، قائلًا “إذا نجحت الوساطة فسيتم تسجيل وقف إطلاق النار باسمه وهذا بلا شك سيعزز مكانته الدولية، أما إذا فشلت المفاوضات فهناك تخوف من تحميل إسرائيل المسؤولية عن فشل المفاوضات مما يؤدي إلى الإضرار بمصالحها”.

من ناحيته قال المراسل والمحلل السياسي باراك رافيد، إن هذه المفاوضات لن تؤتي ثمارها، لكن بينيت حصل على نقاط قوة تعزز موقعه في العالم، رغم أن بوتين لم يحرك ساكنًا حتى ولو مليمتر واحد من موقعه الثابت بإسقاط أوكرانيا.

وأشار رافيد إلى أنه لم يحصل مسبقًا أن تدخل رئيس وزراء إسرائيلي كوسيط في نزاع دولي، معتبرًا أن ما يجري مقامرة كبيرة من ناحية، ومن ناحية أخرى يرفع مكانة بينيت في العالم ويرفع أسهمه السياسية، مرجحًا أن لا تكون الولايات المتحدة متحمّسة لمثل هذه الوساطة رغم أنها تعلم بها منذ بدء التحرك فيها.

ولفت إلى وجود اتجاه في الرأي العام الأميركي يرى بأن إسرائيل لا تدعم الولايات المتحدة بالكامل في هذا الصراع، لذلك فإن فشل الوساطة يمكن أن تدفع إسرائيل ثمنه في علاقاتها مع الولايات المتحدة.

فيما أكد المحلل العسكري الإسرائيلي في صحيفة هآرتس عاموس هرئيل، بأن تدخل بينيت بمثابة “مقامرة ليست بسيطة، ولكنها ليست غير نمطية لنفسية بينية الناشئة”، مشيرًا إلى أن هذه الوساطة متأثرة بمجموعة متنوعة من المصالح بشكل مباشر أو غير مباشر بالحرب، منها إنقاذ يهود أوكرانيا ومساعدة يهود روسيا الذين يرغبون في الهجرة، وموقف موسكو من المفاوضات النووية مع إيران، ورغبة إسرائيل في الاستمرار بالتمتع بحرية العمل الهجومي في سوريا.

وقال هرئيل إن كل هذه الاعتبارات مهمة ولكن حتى جميعها لا تبرر احتمال حدوث توتر مع الإدارة الأميركية في ظل الاستياء من قبل واشنطن تجاه رد إسرائيل البطيء والمتعرّج على الهجوم الروسي ضد أوكرانيا.

وأشار إلى أن إسرائيل تراقب الحرب باهتمام، في ظل التطور الدراماتيكي بشأن الاتفاقية النووية التي يجري التحضير لتوقيعها في فيينا.

القدس