الهجوم الذي جاء بعد يوم واحد فقط من وصول وفد عسكري وأمني رفيع إلى مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان يتقدمه رئيس أركان الجيش العراقي الجنرال عبد الأمير يارالله لتنفيذ اتفاق تشكيل لواءين عسكريين مشتركين من الجيش العراقي وقوات البيشمركة تمهيدا لعملية انتشار واسعة لهم في مناطق متنازع على إدارتها بين بغداد وأربيل، والتي بدأ تنظيم «داعش» ينشط بها بشكل واضح خلال الأشهر الأخيرة، مستغلا الفراغ الموجود بين حدود تواجد الجيش والبيشمركة.
اللواءان العسكريان المشتركان سيكونان وفقا للاتفاق المبرم ضمن الجهد الرسمي لوزارة الدفاع العراقية، بمعنى أنه لن يكون هناك أي ارتباط لهم بوزارة البيشمركة، وتعتبر هذه الخطوة الأولى تليها خطوات لاحقة بتشكيل ألوية أخرى مماثلة إلى أن تتم تغطية كل تلك المناطق الواقعة ضمن الحدود الإدارية الفاصلة بين الإقليم وباقي مدن العراق، ابتداء من ديالى حيث الحدود العراقية الإيرانية وانتهاء بقضاء سنجار حيث الحدود العراقية السورية، وليكون مقدمة لإبعاد الفصائل المنضوية ضمن «الحشد الشعبي»، وباقي المليشيات الحليفة أو المرتبطة بإيران، من هذه المناطق إذ يفترض أن تحل مكانها القوات الرسمية المشكلة حديثا.
عمليا تعني هذه الخطوة تفتيت أو بعثرة مشروع الخط الإستراتيجي الذي أنشأته إيران منذ سنوات والذي كانت تستخدمه كممر رئيسي لها لنقل الأسلحة والمعدات منها إلى سورية مرورا بالعراق والذي يبدأ من مدينة كرمنشاه الإيرانية مرورا بديالى العراقية وينتهي عند الحدود العراقية السورية، مثلما سينهي نفوذ بعض المليشيات التي تسيطر على المعابر الحدودية وآبار النفط والطرق التجارية في تلك المناطق والتي تدر عليها لسنوات مبالغ مالية ضخمة يستخدمونها في تمويل أنشطتهم واعتبارها مصدر تمويل ذاتي للمليشيات دون حاجة طهران للدفع لها أو تمويلها، بل على العكس أصبحت تدر أرباحا على الحرس الثوري بالفترة الأخيرة من تواجدها في هذه المناطق.
هذه المليشيات بالأساس تعيش سلسلة خسارات كبيرة كان آخرها خسارتها المعركة الانتخابية قابلها صعود التيار الصدري بفوز كاسح بـ73 مقعدا نيابيا استطاع من خلالها الاستحواذ على أغلبية المقاعد النيابية الشيعية وتلويحه ضمنا بحل «الحشد الشعبي»، ودمجه بالمؤسسات العسكرية الرسمية حال تشكيلهم الحكومة القادمة ما جعل قوى المعسكر الإيراني في العراق بحالة تخبط حتى جاء هجوم تنظيم «داعش»، إذ تم توظيفه طائفيا سواء عبر ردة الفعل الانتقامية باستهداف قرى نهر الامام والميثاق والعامرية وغيرها من قرى شمال شرق ديالى، أو عبر تجييش الإعلام التابع لها من خلال استيراد حالة طائفية خطيرة بالترويج لعمليات تفجير بسيارات مفخخة ستستهدف محافظة الفرات الأوسط والجنوب وأعطوا الانتحاريين أسماء (سنية) لتعزيز توجههم بصراع طائفي الأمر الذي نفته قيادة عمليات الجيش في بغداد مؤكدة أنه لم يصدر منها أي شيء بخصوص سيارات مفخخة يقودها انتحاريون.
هذه المليشيات ترى أن زرع الفتنة بتقديراتها هو سعر أقل من الذهاب الى صراع شيعي ــ شيعي ولا بد من العمل حسب رؤيتهم على إيقاف مخرجات الانتخابات ومنع تشكيل حكومة يقودها التيار الصدري.
ومع فشل كل ما قاموا به انتقلوا الى خطة جديدة هي تطويق المنطقة الخضراء ومحاولة اقتحامها بحجة عدم القناعة بنتائج الانتخابات وهو ما حصل فعلا وحدث التصادم مع القوات الأمنية التي أصيب في هذا الصدام منها ضعف ما أصاب المتظاهرين.
لكن تبقى الخطورة إذا ما قررت هذه المليشيات ان تنقل هذا الصراع الى محافظات نفوذها لعرقلة انتشار الجيش في المناطق المتنازع عليها ما يجعل محافظات مثل صلاح الدين وكركوك ونينوى عرضة لتكرار سيناريو المقدادية في ديالى، وفعلا بدأت تنشط خلايا «داعش» أخيرا في أطراف كركوك وهناك تخوف من أن يكون سهل نينوى أحد هذه المناطق خاصة أنها استخدمت كثيرا أراضي لاستهداف اقليم كردستان مثلما هناك خشية كبيرة من افتعال فتنة في قضاء سنجار مع العرب السنة والكرد عبر استخدام ورقة العراقيين الايزيديين خاصة أن مرشحي المليشيات ومرشحي حزب العمال الكردستاني لم يفز أي منهم بأي مقعد فيه.
بشكل عام… تطورات الأحداث في العراق متسارعة ويبدو أن قادة المليشيات وضعوا نصب أعينهم أن ما جرى الجمعة من صدامات بين المحتجين المرتبطين بهم والقوات الأمنية سينتهي بإقالة الكاظمي وإن كان رئيس حكومة تصريف أعمال مع استبعاد بعض الضباط الكبار المعروف عنهم أنهم من غير الموالين لطهران.