تُسعف قراءة السيرة الذاتية للوزير والنائب الإسرائيلي العمالي السابق، يوسي بيلين، الصادرة أخيرًا بعنوان “أسرار لن آخذها معي إلى القبر”، في الإطلالة على خبايا متعلقة باتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، وكان بيلين بمثابة مهندسه الرئيسي، بالإنابة عن حكومة يتسحاق رابين في تلك الفترة.
ومع أن عنوان السيرة لا يوحي بأن كاتبها سيتجنّب كليًّا أخذ أسرار معه، سواء ما تعلق منها بالاتفاق المذكور، أو بجوانب أخرى من حياة صاحبها، فإن ما يورده فيه كشوف كثيرة تتعلق بمسار “أوسلو”، من أبرزها أن ما أسماه معسكر السلام الإسرائيلي تبنّى، إلى حدّ كبير، مفهومَ اليمين الإسرائيليّ إزاء تسوية الصراع مع الفلسطينيّين، وهو “مفهوم الخطوات المؤقّتة”.
وأوضح أنّ هذا المفهوم أوجده رئيس الحكومة الإسرائيليّة السابق، مناحيم بيغن، في إطار اتّفاقيّات كامب ديفيد (مع مصر) عام 1978، وتبنّاه خليفته يتسحاق شامير ضمن مؤتمر مدريد عام 1991. وكذلك أنّ ما تم إبرامه لم يكن اتّفاقيّة سلام إسرائيليّة – فلسطينيّة على الإطلاق، وإنّما مجرّد اتّفاقٍ بشأن مبادئ عامّة تتعلّق بهذا السلام الدائم، وذلك في إثر بدء أوّل مفاوضاتٍ غير مباشرة بين الجانبين استمرّت أقلّ من سبعة أشهر (في إطار مؤتمر مدريد) من دون أن تسفر عن أيّ نتائج ملموسة، وتمثّل الهدف الأساسي منه، على الأقلّ من وجهة نظر إسرائيل، في إجراء محادثات مباشرة من وراء الكواليس، كي يكون في إمكان عمليّة مدريد أن تستمرّ بعد أن وصلت إلى ما يشبه الطريق المسدود. وهذا يعني أنّ إحراز السلام الدائم يظلّ رهن المحادثات التي تُعقد.
كما يتطرّق بيلين إلى “الظروف الخاصّة” التي مهّدت للاتفاق، وأبرزها سعي رابين إلى أن ينجز تفاهمات مع السوريين والفلسطينيين، من شأنها أن تضمن تحييدهما في سياق مواجهةٍ بدأت تلوح في الأفق مع كلّ من العراق وإيران، عبر الاستفادة القصوى من انهيار الاتّحاد السوفييتي واستفراد الولايات المتّحدة بزعامة الحلبة الدوليّة، ومن عزلة منظّمة التحرير ورئيسها ياسر عرفات في ضوء تأييدهما نظام صدّام حسين خلال حرب الخليج الأولى في 1991.
ومع ذلك، فالمظاهر الاحتفاليّة التي رافقت توقيع الاتفاق في حدائق البيت الأبيض أعطت انطباعًا وهميًّا قويًّا بأنّه اتّفاقيّة سلام، بينما لم يكن أكثر من خطوة بسيطة للغاية، في طريق التوصّل إلى اتّفاقيّة كهذه.
ويبقى الأهم تكرار بيلين مسألة وجود توافق بين جلّ الأحزاب السياسية الإسرائيلية، ولا سيما حزبي العمل والليكود، على عناصر ما تعرف بـ”التسوية الدائمة”، كما انعكس الأمر بالأساس في “وثيقة بيلين – إيتان” التي تم التوصل إليها بداية عام 1997 في ختام لقاءاتٍ بين أعضاء كنيست من الحزبين المذكورين، لصوغ تفاهماتٍ تُعرض على الفلسطينيين خطوطا عريضة للحلّ الدائم. ويؤكد بيلين أن الوثيقة المذكورة عكست التماثل الكبير بينه، ممثلا للطيف اليساري في حزب العمل، وبين عضو الكنيست، ميخائيل إيتان، ممثلا لحزب الليكود اليميني، حيال أغلب المواضيع المحورية المتعلقة بالتسوية الدائمة، حيث تم الاتفاق على أن تبقى معظم المستوطنات في أراضي 1967 تحت سيطرة إسرائيل، وتظل القدس موحّدة تحت سيطرة دولة الاحتلال، وتكون لإسرائيل سيطرة أمنية على غور الأردن. ولم تتضمّن الوثيقة أي ذكرٍ لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين.
ويضيف بيلين إن الخلاف الوحيد الذي بقي كان بشأن الإطار السياسي الفلسطيني الذي سيُقام نتيجة المفاوضات بشأن الاتفاق الدائم، فقد أصرّ أعضاء الكنيست من “العمل” على أن يُسمّى هذا الإطار “دولة فلسطينية”، بينما أصرّ أعضاء الكنيست من الليكود على أن يُسمّى “كيانا فلسطينيا”.
ويلفت بيلين إلى أن البرنامج الذي خاض حزب العمل الانتخابات على أساسه في عامي 1996 و1999 لم يتطرّق إلى الدولة الفلسطينية بتاتًا. وخلص من ذلك كله إلى نتيجة أنه في حال التوصل إلى اتفاق دائم بهذه المواصفات المذكورة، فلن يؤدي “السلام” إلى أي شرخٍ داخل إسرائيل، نظرًا إلى وجود توافق كبير على شروطه.