من جنوب لبنان حتى طرابلس شمالا.. نزوح آلاف العائلات تحت قصف إسرائيلي

تزدحم الطرقات الرئيسية في لبنان بآلاف العائلات النازحة من مناطق جنوب البلاد؛ جراء شن الجيش الإسرائيلي غارات جوية مكثفة على عشرات البلدات اللبنانية.

ومنذ صباح الاثنين، تنفذ إسرائيل هجوما هو “الأعنف والأوسع” منذ بدء المواجهات مع “حزب الله” قبل نحو عام، وأسفر عن 558 شهيدا، بينهم 50 طفلا و94 امرأة، و1835 جريحا، وفق وزارة الصحة اللبنانية.

وسجّلت مناطق لبنانية عديدة الثلاثاء والاثنين حركة نزوح واسعة نحو بلدات ومناطق بعيدة عن دائرة القصف الذي تشنه إسرائيل على لبنان، فيما تواصل حربها المدمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ورصدت كاميرات الأناضول آلاف العائلات النازحة وهي تغادر من جنوب لبنان متجهة نحو صيدا وبيروت وحتى طرابلس في الشمال؛ بحثا عن الأمان لاسيما لأطفالها، بعد أن تركت كل ممتلكاتها تحت القصف.

حركة النزوح المكثفة أدت إلى زحمة سير كبيرة على الطرق الرئيسية، وبقي النازحون، وبينهم أطفال ونساء، لساعات داخل سياراتهم من دون طعام ولا ماء، يسألون عن مراكز إيواء أو منازل للإيجار.

وفيما يواصل عشرات آلاف اللبنانيين، وفق تقديرات إعلامية، النزوح من مناطقهم في الجنوب والشرق إلى مناطق الوسط والشمال، فتحت السلطات المدارس والمعاهد للإيواء في ظل أعنف قصف إسرائيلي منذ حرب 2006.

مسارات النزوح

3 وجهات أساسية اتبعها النازحون من الجنوب، الأكثر تعرضا للغارات الإسرائيلية الدموية، وهي نحو صيدا أو بيروت أو طرابلس.

عدد كبير منهم اتجه عبر الطريق الساحلي من صور إلى صيدا، وقرر بعضهم الاستقرار في مراكز الإيواء بالمدينة، بينما أكمل آخرون طريقهم إلى العاصمة أو إلى البلدات والقرى المجاورة لها.

ومن بيروت اتجهت مئات العائلات شمالا، نحو مدينتي طرابلس وعكار، مبتعدين أكثر من 80 كيلومترا عن العاصمة، باحثا عن مراكز لإيوائهم.

أما أهالي البقاع وبعلبك (شرق)، فاتجه عدد كبير منهم نحو مناطق آمنة في المحافظة نفسها أو إلى الشمال نحو عكار.

فيما اختار آخرون المغادرة إلى سوريا، حيث نقل إعلام لبناني أن الحركة عبر المعبر البري الحدودي مع سوريا شهد تدفقا للنازحين في الساعات الماضية.

نقص بالإمكانيات

“نشهد حركة نزوح غير مسبوق تذكرنا بحرب (يوليو) تموز 2006”.. هكذا بدأ عضو بلدية صيدا ورئيس غرفة الطوارئ مصطفى حجازي حديثه للأناضول، في ظل افتتاح عشرات مراكز الإيواء.

وأضاف أن “عدد النازحين الذين توزعوا على المدارس في صيدا نحو 3000 ولا يزال أكثر من 5000 نازح ينتظر تأمين مراكز للإيواء”.

“نعمل لتأمين المواد الغذائية الأساسية للنازحين، فالحاجات كبيرة والإمكانيات قليلة فهناك نقص بالفرش والأغطية”، حسب حجازي.

وكشف أنهم يتواصلون مع المنظمات الدولية للحصول على مساعدات.

ودعا نازحون إلى تأمين مراكز جيدة لإيوائهم، لحين زوال الخطر جراء القصف الإسرائيلي.

وقال أحدهم، وهو نازح من بلدة الطيبة قرب الشريط الحدودي، “لا نملك أوعية ولا أغراض”.

“جيراني لقوا حتفهم”

وحسب نازح ستيني من بلدة دير قانون (جنوب) فإن “الرحلة التي كانت تحتاج أقل من ساعة بالسيارة في الأيام العادية، قضى بها النازحون أكثر من 12 ساعة”.

وأوضح في حديث للأناضول أن “الرحلة من صور لصيدا أخذت معي يوما كاملا.. أطلب تأمين مركز لأمكث فيه لحين هدوء الوضع”.

وزاد بأن “هذه المرة الأولى التي أخرج من منزلي في الجنوب خلال الحرب، لكن المنازل من حولي تعرضت للقصف وجيراني لقوا حتفهم”.

بينما أفاد نازح آخر بأنه بقي نحو 12 ساعة حتى وصل إلى مركز الإيواء في صيدا، واصفا الوضع على الطريق بـ”الصعب جدا”.

تضامن شعبي

لم يكتف البعض بالتوجه إلى صيدا أو بيروت، بل قصدوا مدينة طرابلس في الشمال.

وفي جو من التضامن، باشرت الجمعيات واللجان المحلية في المدينة عمليات تنظيف مراكز الإيواء واستقبال التبرعات والتشبيك مع المنظمات غير الحكومية لتأمين أماكن لائقة للنازحين.

وتحدث أحد النازحين من جنوب لبنان عن أن الطريق للوصول إلى بيروت ثم طرابلس أحذت معه نحو يوم، بسبب زحمة السير نتيجة النزوح.

وقال للأناضول: “في طرابلس تم استقبالنا بكل احترام وفتح الأهالي لنا منازلهم، أما الحالة في الجنوب فتوصف بالدمار الشامل والمأساوي والجرحى والشهداء ملقون على الأرض”.

وشكر نازح آخر، كان برفقة 10 نازحين من الجنوب، “أهل طرابلس لاستضافتنا”، وقال إن “القصف كان من حولنا على الطريق في الجنوب، والطريق كانت طويلة وشاقة”.

أما معتز الخير، شاب من منطقة المنية، فقال للأناضول: “أمس كان يوم أليم على لبنان، ولمساعدة أهلنا النازحين شكلنا خلية أزمة في منطقة المنية، ونستقبل إخوتنا من الجنوب”.

ومقابل القصف الإسرائيلي المتواصل على لبنان، يستمر انطلاق صفارات الإنذار في شمال إسرائيل قرب الحدود، إثر إطلاق “حزب الله” عشرات الصواريخ على مواقع عسكرية ومستوطنات.

وتحتل إسرائيل منذ عقود أراضٍ عربية في لبنان وسوريا وفلسطين.

وتتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها “حزب الله”، مع الجيش الإسرائيلي، منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قصفا يوميا عبر “الخط الأزرق” الفاصل؛ أسفر عن مئات بين قتيل وجريح معظمهم بالجانب اللبناني.

وتطالب هذه الفصائل بإنهاء الحرب التي تشنها إسرائيل بدعم أمريكي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر؛ وخلّفت أكثر من 137 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.

الاناضول