من لم يسمح بفتح تحقيق في مجازر صبرا وشاتيلا سيمنع التحقيق في مجزرة “بوتشا”؟

عند مشاهدة الصور والفيديوهات القادمة من مدينة بوتشا الأوكرانية ننسى جميع الأحداث السابقة واللاحقة لهذه المجزرة ونأخذ هذا الحدث على أنه حدث منفصل عما قبله وبعده. وبالطبع هذا ما يريده لنا الإعلام الغربي والأمريكي بشكل خاص.

نحن هنا ليس لنحكم على حدوث المجزرة من عدمها إنما نحن هنا لوضع هذا الحدث في سياقه الصحيح. عند العودة إلى بداية الأزمة نرى بأنّ روسيا حاولت في عدد من المرّات أن تحصل على ضمانات لحماية أمنها القومي من قبل أوكرانيا أولاً ومن قبل الولايات المتحدة ثانياً، ولكن كلا الدولتين رفضتا تقديم هذه الضمانات. أوكرانيا رفضت لإن رئيسها عاش ويعيش وهما بالحماية الأمريكية غير المشروطة والولايات المتحدة رفضت تقديم هذه الضمانات، لدفع روسيا لغزو أوكرانيا. لم تعد هذه المسلّمات محلا للنقاش أبداً. كما علينا هنا التأكيد على أن هذه الحرب منذ بدايتها لم تكن حربا تقليدية بالمفهوم العسكري وإنما كانت عبارة عن ضربات خاطفة لا يقصد منها قتل المدنيين أو تدمير البلاد.
أصرّ الطرفان الأوكراني والروسي خلال مفاوضتهما على أهمية حماية المدنيين ونقلهم إلى مكان آمن، فالطرف الروسي ونقصد هنا “بوتين” يحاول خلق صورة بأنّ الشعب الأوكراني هو قسم من شعبه للقواسم المشتركة في التاريخ والثقافة واللغة. ولذلك وبعد مرور أسابيع على بداية الحرب لم تكن حصيلة القتلى المدنيين مرتفعة مثل الحروب التقليدية التي يروح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين، ولتقريب الصورة ما عليك إلا النظر في حروب الولايات المتحدة في فيتنام والعراق وأفغانستان لتعلم جيداً مدى حجم الدمار والخسائر البشرية نتيجة الحروب العسكرية.
منذ بداية الحرب خسر “زيلنيسكي” المواجهة العسكرية وبشكل مفجع ولكنه كسب المعركة الإعلامية نتيجة مساعدة الغرب له ونتيجة تمرّسه في التمثيل والخطابات المؤثرة. لم يقدم الغرب لأوكرانيا إلا خوذاً عسكرية وأسلحة منتهية الصلاحية بحسب إعتراف زيلنسكي نفسه، ولذلك كان لا بد من خوض حرب أخرى في سياق موازٍ، هي الحرب الإعلامية. ما تحتاجه الحرب الإعلامية هي مجزرة وصور مفجعة تساعد على تشويه صورة روسيا واتهامها بإرتكاب المجازر.
عزيزي القارئ دعني أذكرك بحادثة تاريخية مهمة للغاية، في العام 1982 أمر “شارون” بتنفيذ مجازر جماعية بحق الشعب الفلسطيني، وتم إصدار الأوامر بقتل الفلسطينيين بأبشع طريقة ممكنة وذلك لبث الذعر في قلوب الناس. يقال بأنّ الدماء سالت في الشوراع بحيث أصبح من الصعب الشرب من مياه الآبار لاختلاطها بالدم. إن الغرض من ذكر هذا المثال هو تفنيد معايير الكيل بمكيالين أو ثلاثة من قبل الولايات المتحدة أو الغرب. لا يوجد أي تحقيق بمجازر صبرا وشاتيلا، لم تسمح الولايات المتحدة أو الغرب بإرسال بعثة تقصي الحقائق ولم تسمح للأمم المتحدة بالحديث عن الموضوع أبداً.
أما اليوم فإنهم يساهمون بنشر صور المآساة في بوتشا في كل مكان لإلقاء اللوم على روسيا وتبرئة أنفسهم. في الختام علينا القول بأنه لم تكن لروسيا مصلحة تذكر في ارتكاب مثل هذه المجزرة أبداً. فالجيش الروسي سيطر على المدنية دون مقاومة قوية، كما أن هناك العديد من الفيديوهات التي تظهر بعض المدنيين الأوكرانيين يلقون بالحجارة على العربات العسكرية الروسية دون أن يتحرك الجنود الروس أبدا مما يظهر بأن العملية ليس هدفها قتل المدنيين أو تصفيتهم.
على الجانب الأخر من الصعب التصور بأن الحكومة الأوكرانية حتى النازيين الجدد منهم ارتكبوا مثل هذه الجريمة البشعة. لم يتبقى هناك إلا خيار الطرف الثالث المستفيد منذ البداية من هذه الحرب وهنا نقصد الغرب والولايات المتحدة. فهؤلاء يسعون لفرض عقوبات أكبر على روسيا كما أن الولايات المتحدة بشكل خاص تسعى لتوريط الاتحاد الأوربي ودفعه إلى قطع إمدادات الغاز الروسية دون تقديم بدائل لها. إن المستفيد الوحيد من المجزرة ومن استمرار الحرب الأوكرانية هي الولايات المتحدة في المقام الأول. الولايات المتحدة لن تسمح بفتح تحقيق في الموضوع تماما كما فعلت في قضية صبرا وشاتيلا وبقية المجازر التي تعرض لها الفلسطينين وذلك كي لا يتم كشف اليد الخفية لهم في هذه المجازر.
كاتبة وباحثة عراقية
@fatimaaljubour تويتر