ثمن المتخصص في القانون الدولي العام بالقاهرة عضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي الدكتور محمد محمود مهران أهمية الأمر الصادر عن محكمة العدل الدولية بلاهاي اليوم (الجمعة) بشأن فرض تدابير عاجلة على إسرائيل لوقف انتهاكاتها في قطاع غزة، معتبراً إياه انتصاراً للعدالة الدولية، وتعزيزاً لسيادة القانون في مواجهة سياسة القوة والاستعلاء التي تنتهجها إسرائيل بدعم من حلفائها.
وأكد مهران لـ«» أن هذا القرار يأتي استجابة للطلب الثاني الذي تقدمت به جنوب أفريقيا للمحكمة في 10 مايو الجاري، بعدما قدمت أدلة جديدة بارتكاب إسرائيل أفعالاً يمكن أن ترقى لجريمة الإبادة ضد الفلسطينيين في غزة، والمحكمة استناداً للمادة 41 من نظامها الأساسي رأت أن الظروف تستدعي اتخاذ تدابير مؤقتة لحماية حقوق الأطراف ومنع تفاقم الوضع، فأمرت إسرائيل باتخاذ إجراءات فورية لوقف أعمالها العسكرية، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، وكفالة حرية حركة المدنيين، والامتناع عن الإجراءات التي من شأنها تغيير الوضع القانوني أو الديموغرافي للأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبين الخبير الدولي أن هذه التدابير تتسق مع أحكام القانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين وقت الحرب، التي تحظر على سلطة الاحتلال المساس بالحقوق الأساسية للسكان، وتلزمها بتأمين الخدمات الطبية والإمدادات الغذائية والإغاثية، وفقاً للمواد من 55 إلى 60 من الاتفاقية، مشيداً بالدور الرائد لجنوب أفريقيا في تحريك الدعوى أمام المحكمة، الذي يعكس التزامها التاريخي بمناصرة حقوق الشعوب المضطهدة، ويعيد للأذهان كفاحها ضد نظام الفصل العنصري، وهو النظام الذي تكرسه إسرائيل اليوم بحق الفلسطينيين، داعيا كافة الدول الأطراف في اتفاقية منع الإبادة الجماعية للانضمام للدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، تأكيداً لالتزامها بمكافحة هذه الجريمة النكراء ومحاسبة مرتكبيها، أياً كانت صفتهم أو جنسيتهم، وحماية للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأبشع الممارسات اللاإنسانية.
و دعا «مهران» مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية والمقررين الخاصين في الأمم المتحدة إلى متابعة تنفيذ قرار المحكمة، وتوثيق أي انتهاكات ترتكبها إسرائيل، ورفع تقارير دورية بشأنها للجهات المعنية، واتخاذ الإجراءات المناسبة في حال استمرار إسرائيل في تحدي إرادة المجتمع الدولي، مشيراً إلى أن المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة تؤكد على التزام كل دولة عضو بتنفيذ قرار المحكمة في أي قضية تكون طرفاً فيها، وتتيح لمجلس الأمن التدخل باتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ هذا القرار، لكن هذه الآلية ظلت معطلة في معظم القضايا المتعلقة بإسرائيل بسبب الفيتو الأمريكي، وبالتالي يتعين على الدول منفردة ومجتمعة اتخاذ خطوات عملية للضغط على إسرائيل وإجبارها على الامتثال لقرارات الشرعية الدولية، ومنها على سبيل المثال: فرض عقوبات اقتصادية وتجارية شاملة، وقطع العلاقات الدبلوماسية في حال استمرار الانتهاكات، وتعليق اتفاقيات التعاون الثنائية في المجالات العسكرية والأمنية والتكنولوجية، فضلا عن دعم مقاطعة المنتجات والشركات والمؤسسات المتورطة في دعم الاحتلال والاستيطان.