في مثل هذه الأيام قبل 20 عاما، شن جيش الاحتلال عدوانه العسكري على الضفة الغربية المحتلة المسمى “السور الواقي”، الذي تضمن اجتياحا كاملا لمدنها وقراها الكاملة، بزعم الرد على الهجمات الفدائية التي نفذتها قوى المقاومة الفلسطينية، وقد جاءت العملية الإسرائيلية تنفيذا لقرار اتخذه مجلس وزراء الاحتلال بهدف حشد الاحتياطيات، وحصار المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، بادعاء القضاء على البنية التحتية المسلحة للمنظمات الفلسطينية.
شاؤول موفاز، قائد جيش الاحتلال ووزير الحرب الأسبق، وأشرف على تنفيذ العملية كلها، زعم في مقال تفصيلي نشره موقع ويللا، أن “الغرض من عملية السور الواقي تمثل بإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية للقوى الفلسطينية المسلحة، وخلق وضع أمني أفضل لإسرائيل، التي واجهت حربا هي الأقصى في تاريخها ممثلة بتفجيرات نفذها عشرات الانتحاريين في قلب المدن الإسرائيلية، ما جعل هذه العملية الإسرائيلية تحولًا استراتيجيًا لتغيير الواقع الأمني”.
وأضاف أن “التفجيرات الانتحارية شكلت أقل من واحد في المائة من جميع الهجمات الأخرى مثل إطلاق النار، تفجير السيارات المفخخة، الدعس، التي عرفناها في تلك السنوات، لكن شدتها كانت هائلة، بحيث حصدت 50% من أعداد القتلى الإسرائيليين، وزرعت الذعر بينهم، وأعطت شعورًا مبررًا بأن الموت يتربص في كل زاوية، على عتبات منازلهم، وسط انتشار مستوى التحريض الفلسطيني، الذي أسفر عن مزيد من الرغبة بالانتقام لإنتاج قنابل بشرية، وهي بمثابة أسلحة دقيقة ونووية للفلسطينيين”.
مثلت العملية الاستشهادية ليلة الأعياد اليهودية ذروة العمليات التي دفعت الاحتلال لتنفيذ عملية السور الواقي، بزعم أنها حولت أرضية فندق بارك بمدينة ناتانيا إلى اللون الأحمر، وهو مشهد لا ينساه الإسرائيليون، بما يتجاوز عملية مطعم سبارو في القدس، أو ملهى دولفيناريوم في تل أبيب، وزعم الاحتلال أنه في هذه اللحظات لم يعد أمامه أي خيار، وكان واضحا للإسرائيليين أن القرار الذي اتخذ ليلة الهجوم كان استراتيجيا في خطوة مصيرية لتغيير الواقع الأمني للدولة، مع العلم أن الأمر استدعى إيجاد شرعية دولية تسمح للاحتلال للقيام بهذه العملية العدوانية.
في الوقت ذاته، واجه الاحتلال تحديا سياسيا تمثل بأن قناعة المجتمع الدولي في حينه انطلقت من فرضية مفادها أن الهجمات الفلسطينية المسلحة اندلعت بسبب عدم الرغبة الإسرائيلية بالتوصل إلى تسوية، بعد أن خاض ثلاثة رؤساء حكومات مفاوضات مع الفلسطينيين دون أن ينجزوا حلاً للصراع، منذ توقيع اتفاق أوسلو في 1993.
دفع اندلاع انتفاضة الأقصى الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وفق الرؤية الإسرائيلية، إلى مسار آخر بالتعاون مع مروان البرغوثي، بما في ذلك جلب سفينة كارين إيه، المحملة بخمسين طناً من الأسلحة، فيما اشتدت عزيمة حماس والجهاد الإسلامي على الأرض، مما تطلب من جيش الاحتلال الاستعداد لتنفيذ عملية السور الواقي، من خلال التحرك جراحياً في المدن الفلسطينية، بما فيها مناطق “أ”، الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، أما المنطقة “ب” فتقع المسؤولية الأمنية فيها على عاتق سلطات الاحتلال.
يكشف موفاز في مقاله أنه “طلب أربعة أسابيع كبداية لإنجاز العملية، بما في ذلك تجنيد قوات الاحتياط، مع إمكانية أربعة أسابيع أخرى، وفي ذات الجلسة اتخذ القرار الإسرائيلي باعتبار عرفات عدوا، ويجب أن يعزل في المقاطعة، دون أن يدخل أحد مكتبه، أو يؤذيه، بناء على طلب أمريكي، وجرت مناقشات مستجدة بمشاركة وحضور الضباط القياديين، حول الخطط المتوقعة، وعلى رأسها اقتحام نابلس، مقر القوى الفلسطينية المسلحة، وإنتاج الانتحاريين، ومعامل المتفجرات، بجانب مدن طولكرم وقلقيلية وبيت لحم، وفرض حظر تجول فيها، وإغلاقها.
يستخلص الإسرائيليون أن أهم إنجاز لتلك العملية تمثل في تجديد منظومة “التنسيق الأمني” مع السلطة الفلسطينية، بعد اعتقال أربعة آلاف مسلح انتشروا في كافة أنحاء الضفة الغربية، وقتل المئات، بمن فيهم كبار رجال حماس والجهاد وعناصر فتح، من خلال مهاجمة بناهم التحتية وأهدافهم العسكرية، والمخارط التي تنتج الصواريخ، مع أن هذه العملية بكل تفاصيلها العسكرية لم تسفر عن وقف الهجمات الفلسطينية المسلحة، واستمر مقتل الإسرائيليين فيها.
عربي 21