قال موقع “بلومبرغ” الأميركي إنه خلال الخمسة عشر عاماً الأولى من حرب الولايات المتحدة على الإرهاب، كانت الطائرة بدون طيار أو المسيّرة القاتلة من أعظم المزايا التي تميزت بها أميركا. مع أسماء مثل “المفترس” predator و”الحصاد” reaper، وجهت هذه الطائرات بدون طيار ضربات مميتة من السماء ضد الإرهابيين المشتبه بهم من دون خطر إسقاط طيار بشري.
وأضاف الكاتب أن الأمور بدأت تتغير خلال السنة الأخيرة من حكم الرئيس الأميركي باراك أوباما إذ بدأ المتمردون “الحوثيون” (أنصار الله) في اليمن باستخدام طائرات بدون طيار بدائية، زوّدتهم إيران بأجزائها، ضد السعودية. وعلى عكس نظيراتها الأميركية، كانت هذه الطائرات منخفضة الميزانية أقرب إلى طائرات “كاميكاز” اليابانية الانتحارية في الحرب العالمية الثانية، حيث كانت تصطدم بأهدافها. وفي واحدة من أكثر هذه الهجمات القاسية، دمرت هذه الأنواع من الطائرات بدون طيار، إلى جانب صواريخ كروز، حقول النفط السعودية في عام 2019.
وأشار الكاتب إلى أن أحدث مثال على كيفية ازدياد ساحة معركة المسيّرات يأتي من موقع أميركي صغير في الصحراء السورية بالقرب من الحدود العراقية المعروفة باسم قاعدة التنف. فقد تعرضت القاعدة الأميركية الأربعاء الماضي، وفقاً لوزارة الدفاع الأميركية -البنتاغون، لهجوم بطائرات مسيّرة ونيران غير مباشرة. وزغم التقرير أن من شبه المؤكد أن منفذ الهجوم هو أحد المليشيات الشيعية العراقية التي استهدفت القواعد الأميركية منذ سنوات بقذائف الهاون والصواريخ.
وأضاف أن هناك سببين للشك في تورط إيران. أولاً، انتشار هذه الطائرات بدون طيار “الكاميكاز” البدائية هو جزء من استراتيجية الجمهورية الإسلامية الإقليمية. فهي تدعم وكلاء لها، مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، بمنصات أسلحة، كما يزعم ديفيد شينكر، الزميل البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومساعد سابق لوزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى. وغالباً ما كان يتم شحن هذه المسيّرات في أجزاء من إيران ويتم تجميعها في غزة وسوريا والعراق واليمن، كما يقول سيث فرانتزمان، مؤلف التاريخ الحديث للمسيّرات في الشرق الأوسط.
السبب الثاني للشك في إيران هو التوقيت. فقد زعم التقرير أن العراقيين اقترعوا الأسبوع الماضي في انتخابات مجلس النواب إذ خسرت الأحزاب السياسية الأقرب لإيران مقاعد، فيما حصل حزب السيد مقتدى الصدر الأكثر قومية واستقلالية على مقاعد. واعتبر جويل رايبورن، الذي شغل منصب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، أن الهجوم على قاعدة التنف بالمسيّرات كان وسيلة للجماعات الشيعية المسلحة والأحزاب المرتبطة بها، والتي كان أداؤها سيئاً في الانتخابات، “لتأكيد شرعيتها”، فهي تتهم الولايات المتحدة بأنها تلاعبت بالانتخابات الأخيرة لتقليل قوة الفصائل الحليفة لإيران والتي تحاول الآن استدراج الولايات المتحدة إلى مواجهة من شأنها تعزيز خطابها السياسي.
قبل عشر سنوات، تطلب هذا النوع من المناورة متطوعين في شكل مفجرين انتحاريين. الآن تمتلك إيران ووكلاؤها الطائرات بدون طيار التي تجعل الهجمات الأكثر دقة على المواقع الأميركية أرخص بكثير.
وأشار الكاتب إلى أن إيران طورت برنامج الطائرات بدون طيار، بحسب ما يقوله فرانتزمان في كتابه، عندما بدأ الإيرانيون في استخدام المسيّرات لأغراض المراقبة في الحرب العراقية-الإيرانية. لكن الاختراق الحقيقي حدث في عام 2011، عندما أسقطت إيران طائرة استطلاع أميركية بدون طيار. يعتقد معظم الخبراء، بمن فيهم فرانتزمان، أن الإيرانيين كانوا قادرين على إجراء هندسة عكسية لجسم المسيّرة الأميركية، لكنهم لا يزالون يفتقرون إلى التكنولوجيا لإعادة إنتاج أنظمة التوجيه والرادار المتقدمة.
وأضاف التقرير: يبدو أنه لا توجد ميزة في ساحة المعركة تدوم إلى الأبد. فقد تمكنت التننظمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش من استخدام طائرات بدون طيار أكثر فجاجة للمراقبة والهجمات الجوية. لكن الولايات المتحدة تتكيف كذلك. ففي العام الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها تعمل على تحسين العديد من أنظمة الأسلحة المضادة للطائرات بدون طيار، والتي تشمل كل شيء من أجهزة التشويش المحمولة التي تعطّل التحكم اللاسلكي في المسيّرات إلى أنظمة أكبر مضادة للصواريخ.
وقال الكاتب: يبدو أن هذه الدفاعات نجحت هذا الأسبوع في التنف. ولم يسفر الهجوم عن مقتل أو إصابة أي فرد من القوات الأميركية. فحالياً، يمكن للولايات المتحدة الدفاع ضد المسيّرات الإيرانية. لكن في الوقت نفسه، يُظهر الهجوم كيف فشلت جهود الولايات المتحدة للحد من انتشار تكنولوجيا الطائرات بدون طيار. في الشرق الأوسط، يستخدم كلا الجانبين نفس النوع من تكنولوجيا المسيّرات التي كانت الولايات المتحدة تأمل في الاحتفاظ بها لنفسها.
“الميادين”