كتب السفير د. عبدالله الأشعل :
لوحظ أن المقاومة نشأت بظهور تحدى إسرائيل ولذلك نشأت متأخرة عن تاريخ قيام إسرائيل ويبدو أن مصر لم تلحظ منذ البداية أن المشروع الصهيونى يستهدفها ولذلك إذا قيمنا موقف الملك فاروق من واقعة إنشاء إسرائيل لتبين لنا أن مصر كانت لديها دوافع أمنية وليست قومية على خلاف الدافع لجمال عبدالناصر وقد كان قوميا وليس استراتيجيا والدليل على ذلك أن مصر قد وجهت لها ضربة قاصمة عام 1967 من جانب أمريكا وإسرائيل وليس معلوما حتى الآن لماذا أنشأ عبدالناصر المقاومة الفلسطينية المسلحة فى فتح عام 1965 مادام عبدالناصر قد أشار إلى خطر إسرائيل فى كتابه فلسفة الثورة عام 1954 فالراجح أن أدراكه لخطر إسرائيل لم يكن يسايره مجهود جدى لمواجهة هذا الخطر فقد ثبت لنا أن مقاومة فتح التى استعانت بالاراضى اللبنانية والاردنية وهاجمت إسرائيل من تلك الاراضى قد دخلت فى صراعات مع الدولتين وكان أخطرها ما أطلق عليه أيلول الاسود عام 1969 وكان عبدالناصر حريصا على سلامة المقاومة التى أنشأها ولذلك أشرف على اتفاق القاهرة بين المقاومة و لبنان عام 1969 والاتفاق مع الملك حسين عقب احتكاك الجيش الاردنى مع المقاومة الفلسطينية فى سبتمبر فى نفس العام ويتردد أن مرض عبدالناصر قد تفاقم بسبب المقاومة والرغبة فى حمايتها ولكن عبدالناصر لم يسمح للمقاومة بالعمل ضد إسرائيل من الأراضى المصرية مما يؤكد أن المقاومة فى نظر عبدالناصر لم تكن أداة أصيلة فى الصراع مع إسرائيل بل إن الصف الفلسطينى قد استغل من جانب مصر وغيرها فى الصراعات العربية وليس فى الصراع مع إسرائيل مما ضيع الكثير على الفلسطينيين ولما قامت إسرائيل بحملتها على مصر والأردن وسوريا فى وقت واحد عام 1967 أحتلت كل فلسطين.
الموجة الثانية من المقاومة ضد إسرائيل نشأت فى فترة كان أنور السادات قد تقارب من إسرائيل وأمريكا ولم يعد للمقاومة مكان في السياسة المصرية مادامت اتفاقية السلام فى مفهوم الحكام المصريين تسمح بأكثر مما تسمح به اتفاقيات السلام عادة وفى تلك الفترة كان عبدالناصر قد توفى وكان عرفات قد دخل فى منافسة مع حماس التى قامت عقب الانتفاضة الأولى عام 1987 ولذلك فإنه عقب مؤتمر واشنطن والتسريب الذى حدث فى أوسلو كان من نتاج المنافسة بين عرفات وبين حماس والحق أن الحكام العرب جميعا لا يميلون للمقاومة لثلاثة أسباب السبب الأول أنهم ليسوا مقتنعين بأن المقاومة يمكن أن تحدث أثرا فى قوة إسرائيل التى هزمت الجيوش العربية فى وقت واحد ولايمكن التصور أن المقاومة تحل محل هذه الجيوش بل دخلت فى منافسة معها والسبب الثانى هو أن الحكام العرب تحت قبضة واشنطن وفصلوا نظم حكمهم عن مصالح الأوطان العربية وأصبحت إسرائيل داعمة لنظمهم على حساب الأوطان العربية ولذلك أصبح الحكام العرب مع إسرائيل فى قبضة واحدة وتلاشى الصراع العربى الإسرائيلى ولم يحل محله السلام العربى الإسرائيلى لان طبيعة إسرائيل باعتبارها تجسيدا للمشروع الصهيونى تأبى أى تسوية وإنما تريد الصراع على اساس المعادلة الصفرية وليس سرا أن إسرائيل اقتربت من قمة النجاح ضد الدول العربية وتوشك أن تبدأ المرحلة الأخيرة فى المشروع وهو تهجير الفلسطينيين إلى الدول المجاورة مثل مصر وسوريا والأردن واستقبال المهاجرين اليهود من جميع أنحاء العالم .
السبب الثالث أن الحكام العرب لايطيقون المعارضة ويخشون أن تنقلب المعارضة فى بلادهم إلى مقاومة للغصب السياسي للسلطة خاصة وأن أساليب القمع للشعوب العربية تشبه تماما أساليب إسرائيل فى قمع الفلسطينيين وقد دخل العرب فى لحظة صدق مع النفس عندما قرروا أن المقاومة ضد إسرائيل من أعمال الإرهاب ومنعوا شعوبهم من مجرد التعاطف مع المقاومة ولدينا أمثلة لاتحصى من هذه الظاهرة خاصة بعد ثورات الشعوب العربية التى أحبطت جميعا وكان لاسرائيل دور كبير فى احباطها على النحو الذى فصلناه فى مقالة سابقة حول دور إسرائيل فى احباط الثورة المصرية فى 25 يناير 2011.
من ناحية أخرى نشأت المقاومة الإسلامية الشيعية فى حزب الله عن طريق إيران بعد قيام الثورة الإسلامية فيها ونشأ حزب الله ولعب دورا أساسيا للتصدى للاحتلال الإسرائيلى لبيروت عام 1982 ونشأت حماس بعد ذلك بخمس سنوات وأصبح للمقاومة جناحان جناح لبنانى شيعى وجناح فلسطينى سنى تدعمهما معا إيران ضمن مشروعها الذى يتصادم مع المشروع الصهيونى وخاضت هذه المقاومة حروبا كثيرة أو على الأصح صدت سلسلة من العدوان الإسرائيلى على لبنان وغزة وأصبح للمقاومة مكان على الخريطة الاقليمية ولما استشعر الغرب خطورة هذه المقاومة على إسرائيل حظر هذه المقاومة ووضعها على قوائم الارهاب فصارت الجامعة العربية على نفس الطريق والآن تريد إسرائيل أن تحيد معسكر المقاومة فى سوريا وإيران حتى يمكن أن تقتلع المقاومة الفلسطينية أولا ثم اللبنانية بعد ذلك ويبدو أن واشنطن وضعت خطة مع إسرائيل لهذا الهدف لأن المقاومة هى التى تمنع استقرار إسرائيل الكبرى فى المرحلة الأخيرة صحيح أن المقاومة لن تحرر فلسطين من إسرائيل ولكنها عقبة أساسية فى سبيل تسهيل مرور المشروع الصهيونى وتريد إسرائيل وأمريكا ربما بالاتفاق الضمنى أن تتخلص من النفوذ الإيرانى الذي صنعته أمريكا خلال غزوها للعراق عام 2003 وكان صدام حسين يتصدى لإيران ولكن السياسة الأمريكية كانت تقضى بجمعهما معا فى قفص واحد تحت السيطرة الأمريكية ولما فشلت واشنطن أشعلت النار بينهما حتى يفنيان معا وبالفعل استمرت الحرب العراقية الإيرانية ثمانى سنوات وكان يطلق عليها الحرب المنسية.
معسكر المقاومة يضم إيران وسوريا والعراق والمقاومة بشقيها اللبنانى والفلسطينى وقد لجأت إسرائيل إلى خطة عبقرية وهى الانفراد بكل طرف على حدة وبالطبع أن إيران هى الهدف الاساسى والنهائى لأنه بغير إيران لن تكون للمقاومة قائمة وبغير المقاومة لايمكن للمشروع الإيرانى فى مواجهة إسرائيل أن ينجح بل إن النفوذ الإيرانى فى المنطقة يعتمد بنسبة كبيرة على محاربة المشروع الصهيونى بالمقاومة حتى أطلق الاعلام الغربى على المقاومة أذرع إيران فى المنطقة وهى الأذرع التى يمكن أن تنال من إسرائيل بشكل مباشر ولذلك قررت إسرائيل أن تحرم إيران من هذه الأذرع وأن تريح السعودية من خطر إيران الطموح بل إن إيران فى هذه الحالة لاتحتاج الانقضاض عليها سوى تأليب الاقليات والشعب الايرانى ضد الثورة الاسلامية فى ايران والقضاء على المقاومة يترتب عليه خلل فى المعادلات الاقليمية كما يلى:
أولا سهولة الانقضاض على إيران واطلاق يد السعودية فى اليمن ولبنان والعراق.
ثانيا: استقرار الخطط الصهيونية فى فلسطين وضياع فلسطين نهائيا مادامت مصر لاتدرك حتى الآن الخطر الصهيونى على حدودها وعلى وجودها وتظن مصر الرسمية أن التودد لاسرائيل والتقارب معها يخدم المصالح المصرية كما يسعد واشنطن وهو الأهم والمحصلة النهائية للقضاء على المقاومة هو ضياع فلسطين وإذا ضاعت فلسطين فإن مصر مرشحة للضياع بعد ذلك .
ثالثاً: اطلاق يد إسرائيل فى المنطقة العربية وارغام الدول العربية الأخرى على تطبيع مع إسرائيل وتنصيب إسرائيل مكان مصر مركزا للتفاعلات الاقليمية وبذلك تهزم العروبة على يد الصهيونية العالمية وتتحول أمال الشعوب العربية فى الحرية والاستقلال والتنمية والمحافظة على الموارد إلى أوهام وأساطير.
رابعا: حل الجامعة العربية وانشاء منظمة الشرق الأوسط التى تتصدرها إسرائيل.
خامساً: الضحية الأكبر لهذه التطورات هى مصر لأن إسرائيل الجديدة الكبرى سوف تحرص على اخراج مصر من الخريطة فى المنطقة عن طريق المياه وعن طريق التخريب وعن طريق العملاء.
سادساً: يترتب على ذلك كله تدهور الاقتصاد العربى وزيادة استغلال واشنطن وإسرائيل للثورات العربية خاصة البترول والغاز وربما تقترن هذه التطورات لتطبيق برنامج البنتاجون المنشور عام 2005 بتقسيم الدول العربية وفى مقدمتها مصر والسعودية .و المعادلة التى وضعها جمال حمدان فى كتابه شخصية مصر تصبح غائبة ذلك أن جمال حمدان ركز على أن جريان النبل فى مصر يمنع تقسيمها . أما جفاف النيل عن طريق الاستخفاف بمصر من جانب دول المنبع وضياع السودان يؤدى إلى فتح الباب إلى تقسيم مصر وخروج مصر تماما من الخريطة ومن التاريخ .
كاتب مصري