بقلم العميد: أحمد عيسى المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي
خلت الحملة الإنتخابية التي توجه فيها الناخب الإسرائيلي في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2022 لصناديق الإقتراع للمرة الخامسة منذ العام 2019 لانتخاب اعضاء الكنيست الخامسة والعشرون منذ تأسيس إسرائيل العام 1948 من الإشارة للموضوع الفلسطيني، إذ كان التنافس بين معسكر نتنياهو والمعسكر المناوئ له هو العنوان الرئيس لحملة المكونات الحزبية للمعسكرين.
إلا أن عدم عزل الجولة الأخيرة للإنتخابات عن السجال الفكري والسياسي المتنامي بين المعسكرات السياسية والفكرية اليهودية في إسرائيل منذ نهاية سبعينات القرن الماضي والذي يبدو أن نتائج الإنتخابات الأخيرة تشيرالى ان هذا السجال قد وصل لنقطة الذروة، تؤكد من جهة ان الصراع مع الفلسطينيين أصحاب البلاد الأصلانيين هو المحرك الرئيس لهذا السجال.
ومن جهة أخرى تؤكد أن المشروع الإستعماري الصهيوني في فلسطين قد وصل الى مآله النهائي بالفشل، وما صعود اليمين الديني الفاشي الأحمق بقيادة كل من بتسلائل سموتريش وايتمار بن غفير إلا إنكاراً لحقيقة الفشل ومحاولة منهم لإصلاح ما أفسده الآخرون من قيادة الحركة الصهيونية في حسم صناعة إسرائيل في المنطقة.
تجدر الإشارة هنا أن الساحة السياسية والفكرية (الصهيونية) في إسرائيل وفقاً للمؤرخ الإسرائيلي المعروف (ألان بيبه) تشهد منذ بداية تسعينات القرن الماضي تبلوراً لثلاثة تيارات صهيونية رئيسية، هما التيار النيوصهيوني، والتيار الصهيوني الكلاسيكي، وتيار ما بعد الصهيونية.
ويضيف (بيبه) أن التيار الأول يزعم أنه يمتلك التفسير الصحيح للصهيونية، كما أنه يؤمن أن إسرائيل قد راكمت من القوة الخشنة ما يؤهلها أن تحسم صناعة الوجود دون الإختباء خلف مفاهيم وشعارات الليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث يعتقد هذا التيار أن التمسك بهذه المفاهيم والإختباء خلفها قد شكل كوابح وموانع أمام اكمال تنفيذ المشروع الصيوني في فلسطين، ويتجسد هذا التيار في معسكر نتنياهو، لا سيما في قادة القوة اليهودية سموتريش وبن غفير حيث كان هذا الأخير هو نجم الإنتخابات الأخيرة كما سيكون نجم الكنيست والحكومة لسنوات قادمة.
وفي هذا الشأن يعلن بن غفير قناعته أن الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل هم ارهابيون محتملون على الرغم أنهم يشكلون 21% من سكان الدولة، و20% من أطبائها و25% من ممرضيها، و50% من الصيادلة فيها، الأمر الذي دفع توماس فريدمان الإعلامي اليهودي الأمريكي المشهور أن يكتب في مقالته في صحيفة نيويورك تايمز يوم الجمعة الماضي الموافق 4/11/2022، أن إسرائيل التي تعرفها قد انتهت وانها قد دخلت في نفق مغلق.
وينبغي هنا الإشارة ان كتلة سموتريش وبن غفير كانت هي الفائز الأكبر في هذه الجولة من الإنتخابات، إذ حصلت على 14 مقعد من مقاعد الكنيست مقارنة بـــ 6 مقاعد حصلت عليها في الإنتخابات الماضية، ونالت 516146 صوت من الناخبين مقارنة بـــ 225641 صوت في الإنتخابات الماضية، والأمر الذي لا يخلو من دلالة هنا أن غالبية هذه الأصوات قد جاءت من جيل الشباب اليهودي في إسرائيل، فضلاً عن أن 20% من الأصوات كان من الجيش.
أما تيار الصهيونية الكلاسيكية وفقاً لمجادلة (بيبه) وهو يتمثل في حزب العمل والقوى السياسية الإسرائيلية المحسوبة على اليسار الإسرائيلي، فيرى أن على إسرائيل أن لا تبدو أنها دولة غير ديمقراطية ولا تقيم وزناً للقيم الليبرالية التي يقوم عليها النظام الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أن الخروج على هذه القيم يضعف من قدرة الغرب وأمريكا عن الدفاع عن إسرائيل ليس فقط في المحافل الدولية بل أمام دافعي الضرائب في مجتمعاتها، الأمر الذي دفع هذا التيار الى تطوير استراتيجية سياسية تقوم على ضرورة الإنفصال عن الفلسطينيين، الأمر الذي أسس لاتفاقية اوسلو العام 1993.
وفيما يخص تيار ما بعد الصهيونية فلم يعد قائما في إسرائيل، وهو يتبنى قناعات تستجيب لحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والإستقلال.
وتظهر نتائج الإنتخابات الأخيرة ان التيار الأول قد نجح في الهيمنة على السلطة التشريعية، وأن التيار الثاني في طريقه للإختفاء إذ أن حركة ميرتس التي تمثل الصهيونية الليبرالية لم تتجاوز نسبة الحسم، وأن حزب الهمل تجاوز نسبة الحسم بصعوبة وحصل على اربعة مقاعد من مجموع 120 مقعد، وذلك على الرغم من أنه أسس الدولة، الأمر الذي يعبد الطريق أمام التيار الأول من السيطرة على الجيش والسلطة القضائية ممثلة بالمحكمة العليا والمستشار القضائي للدولة.
وفيما يتعلق بالجيش الذي أسس على أن يكون جيش الشعب وأنيطت به مهمة التغلب على التهديدات الداخلية والخارجية فهو وفقاً لتصريحات رئيس الحكومة الحالي لابيد يوم الجمعة الماضي الموافق 10/11/2022، سيواجه تحديين داخليين في الأعوام القادمة، التحدي الأول هو التصدع الذي يتوسع في نموذجه إذ يعاني من ظاهرة التملص وتزايد نسبة الشباب التي لا تريد التجند، ويكمن التحدي الثاني في الدعوات المتزايدة الى استخدام القوة الخارجة عن القواعد ضد الفلسطينيين.
وفي هذا الخصوص أظهرت نتائج إستطلاع للرأي نفذه ائتلاف الحركات الشبابية في إسرائيل في مطلع شهر نوفمبر الجاريبمناسبة الذكرى السنوية لاغتيال رئيس الوزراء الأسبق يتسحاق رابين، أن ثلت الشباب في إسرائيل لا يريدون التجند للجيش، ويرى ثلت آخر ان إسرائيل لن تكون موجودة بعد 25 سنة.
ما تقدم يكشف ان المجتمع اليهودي الإسرائيلي قد اكتشف ان مشروع صناعة إسرائيل قد وصل لنهايته بالفشل، وبدل اقراره بهذه الحقيقة فهو يواصل انكارها ويواصل خداع النفس من خلال اللجوء لقيادة حمقاء تعتقد أن توظيف مزيد من القوة ضد الفلسطينيين سيحسم صناعة الوجود، الأمر الذي أدخلها في نفق مظلم وفقاً لقول كل من توماس فريدمان وناحوم برنياع.
هل لديك سؤال؟
تابعنا على السوشيال ميديا او اتصل بنا وسوف نرد على تساؤلاتك في اقرب وقت ممكن.