يواصل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو جهوده الرامية إلى إحباط أي صفقة مع حركة حماس، وكلما بدا أنها تقترب، اتخذ خطوات لإبعادها، ووصل إلى حد تسريب تفاهمات جلسة سرية مع المؤسسة الأمنية حول “التنازلات” من قبل إسرائيل من أجل إعادة المحتجزين الاسرائيليين في قطاع غزة إلى الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش، حسب ما صرح أكثر من مصدر أمني ممن شاركوا في الجلسة التي عُقدت قبل 11 يوماً، هذا عدا عن إشارة عدة تقارير إسرائيلية الى تسريب نتنياهو، يوم أمس، معلومات بشأن اجتياح رفح وعدم وقف الحرب، في ظل الحديث عن أجواء إيجابية في المفاوضات الجارية بالقاهرة.
وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت، اليوم الأحد، أن اجتماعاً عُقد قبل 11 يوماً للطاقم الإسرائيلي الكبير الذي يُعنى بملف المحتجزين والمفقودين الإسرائيليين، والذي ضم عدة شخصيات إسرائيلية من بينها وزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس هيئة أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي، ورئيس جهاز الاستخبارات (الموساد) ديفيد برنيع، ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار، بالإضافة إلى اللواء نيتسان ألون.
وبحسب الصحيفة، فقد كان هذا “اجتماعاً حاسماً، إذ أدرك جميع الحاضرين أن إسرائيل وصلت إلى طريق مسدود. ففي واشنطن يقولون إنهم لن يدعموا العملية في رفح، ولن يقدّموا الأسلحة، وربما سيمنعون استخدام الذخيرة الأميركية، ولن يكون هناك دعم (لإسرائيل) في مجلس الأمن أيضاً”، تضيف أن “خطابات نتنياهو والوزير إيتمار بن غفير الحربية تتجاهل هذه الحقيقة مراراً وتكراراً. وبالإضافة إلى ذلك، من الواضح أنه من المستحيل التوصل إلى تسوية في الشمال من دون التوصّل إلى هدنة ما في غزة، وأن النافذة السعودية (للتطبيع) قد تنغلق بسرعة، كما أن الجيش الإسرائيلي لا يدير حرباً في قطاع غزة في الوقت الراهن. وفي الوقت نفسه، يقبع المختطفون في الأسر”.
وكان واضحاً لجميع المشاركين في الجلسة أن “الأولوية يجب أن تكون لإعادة المختطفين الآن. وإذا لزم الأمر ومن أجل التوصل إلى اتفاق، يجب السماح للسكان الفلسطينيين بالعودة إلى شمال القطاع، من دون أي قيود. وتدريجيًا، وفقًا لتقدم الصفقة، إخلاء محور نتساريم (الذي يقسم القطاع إلى قسمين). وتقرر في كل الأحوال أن إسرائيل لن توافق على إعادة أقل من عدد معيّن من المختطفين”.
ووصلت الأمور إلى مجلس إدارة الحرب (كابينت الحرب) على هذا النحو، لكن نتنياهو كان مذهولاً من الجبهة الموحدة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وفق ما ذكره الكاتب الصحافي في نفس الصحيفة ناحوم برنياع يوم الجمعة. وبحسب الصحافي في “يديعوت أحرونوت” نداف أيال اليوم، فإن نتنياهو رأى في موقف المؤسسة الأمنية كميناً، يهدد الائتلاف الحاكم الذي يتزعمه، حتى من دون الإعلان عن وقف الحرب.
وذكر إيال أن الجلسة المذكورة، التي كانت “سرية للغاية”، حددت موقف إسرائيل الافتتاحي في المفاوضات بشأن عدد المحتجزين الإسرائيليين الذين تطالب بهم، وكذلك الحد الأدنى من مطالبها. وفي مساء نفس اليوم، عُقدت جلسة للمجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت)، وبدا واضحاً أن شخصاً ما كان قد أطلع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على التفاصيل السرية في المفاوضات مع حركة حماس.
وبكلمات أخرى، يقول الكاتب إن “كابينت الحرب” عقد جلسة مناقشات سرية للغاية حول التفاصيل “الحساسة” في الصفقة، وإن هذه التفاصيل انتقلت إلى سموتريتش، وسط ترجيح عدد من المسؤولين الأمنيين أن نتنياهو هو سرّبها له. وطرح سموتريتش التفاصيل خلال جلسة “الكابينت” الأوسع، الذي هو عضو فيه، لكنه ليس عضواً في “كابينت الحرب”، وسُرّب جزء منها إلى النشرات الإخبارية، التي ظهر فيها رقم يتحدث عن الحد الأدنى الذي تطالب به إسرائيل (لم يشر الكاتب إلى الرقم)، وفي محاولة لتدارك الأمور، قام مصدر أمني بإبلاغ وسائل الإعلام بأن العدد المناسب للصفقة هو 33 محتجزاً.
ولفت الكاتب إلى أن هدف هذه التسريبات كان إفشال التوصل إلى أي صفقة مع حركة حماس من خلال تغطية سيئة لها في وسائل الإعلام العبرية، والأخطر من ذلك، برأي الكاتب، تمرير معلومات إلى حركة حماس أن بإمكانها الإصرار على إطلاق سراح عدد أقل من المحتجزين، وفي أعقاب تلك العاصفة التي حدثت، انفجر كل شيء على المستوى الإسرائيلي الداخلي، بسبب الخلافات حول الصفقة، وكان القرار بوقف كل شيء.
وحاول نتنياهو في الأيام الأخيرة “القيام بخطوة عدوانية أخرى في اللحظات الأكثر حساسية للصفقة”، ولو حصل ذلك، لكانت الصفقة قد نُسفت بالكامل، ولكن جرى صده”. واعتبر الكاتب ناحوم برنيع، في مقال نشره في صحيفة يديعوت أحرونوت اليوم، أنه على الرغم من أن جلسات “كابينت الحرب”، التي ستعقد اليوم، قد تبدو حاسمة، ولكن التجربة علمتنا عدم توقع الكثير. وأشار إلى أن نتنياهو لطالما طلب في أعقاب الجلسات إجراء مشاورات أخرى واتصالات إضافية. كما اعتبر أن نتنياهو اختار المسار السياسي على المسار الاستراتيجي، وأنه سرّب معلومات لوسائل الإعلام أمس تحت اسم مجهول، من أجل إحباط صفقة مع حركة حماس، وأن الرسائل كانت موجهة إلى الوسطاء، وإلى حركة حماس، وكذلك إلى أقطاب اليمين المتطرف في حكومته، ففي حال اقتنعت كل هذه الأطراف بأنه لن تكون هناك صفقة مع حركة حماس، فسيخفف ذلك عنه الضغط من أجل اتخاذ قرار حاسم بشأن قبول الصفقة أو رفضها.
وفي توجه مشابه، رأى المحلل العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هارئيل، اليوم، أن الاتصالات بشأن صفقة مع حركة حماس وصلت إلى مرحلة مصيرية وأن الرسائل التي بثها نتنياهو يوم أمس تحت اسم مصدر سياسي كبير، وأشار من خلالها إلى أن الجيش الإسرائيلي سيدخل إلى رفح وبالتأكيد لن يوقف الحرب، تؤدي إلى عرقلة التقدّم في المفاوضات، كما نجحت في إثارة ردود أفعال من قبل طرفي الخريطة السياسية الإسرائيلية. وتابع بأنه في حال ردت حركة حماس بالإيجاب على مقترح الصفقة، فإن الضغط سيصبح على نتنياهو، وفي حال رفضها، فإن الاحتجاجات سوف تتوسع.