نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني مقالا يسلط الضوء على استبسال جيل جديد من الشباب الفلسطيني في جنين في التصدي لاعتداءات جيش الاحتلال الإسرائيلي المستمرة، التي كان أحدثها اغتيال مصطفى الكستوني أحد قادة كتائب شهداء الأقصى الجناح المسلح لحركة التحرير الوطني (فتح)، صباح يوم الخميس الماضي، وإصابة موظفة بوزارة الصحة الفلسطينية خلال اقتحام قوات الاحتلال للمدينة.
يقول أحمد جميل عزم الأكاديمي الفلسطيني المختص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية -في مقاله بالموقع البريطاني- إنه شعر خلال زيارة قام بها مؤخرا لمدينة جنين بعد تعرضها لهجوم إسرائيلي واسع النطاق يوليو/تموز الماضي أن الرد الفلسطيني هذه المرة كان مختلفا عن المعتاد.
ورغم الدمار الكبير الذي لحق بشوارع ومباني مخيم جنين جراء اعتداء قوات الاحتلال، فإن إسرائيل على ما يبدو لم تحقق شيئا يذكر في ما يتعلق بمساعيها للقضاء على المقاومة المسلحة في المخيم، وفق المقال.
ويقول عزم إنه اكتشف أمرا مذهلا خلال زيارته لمخيم جنين، وهو أن النشء والشباب من أبناء معارفه وأصدقائه يحفظون التفاصيل المتعلقة بشهداء نابلس وجنين الشباب الذين استشهدوا في المواجهات الأخيرة مع الجيش الإسرائيلي والمستوطنين. ولاحظ أن الجيل الفلسطيني الجديد لديه أبطاله المعاصرون.
قواعد اشتباك جديدة
كان الكاتب يتطلع إلى مناقشة فكرة “قواعد الاشتباك الجديدة” لدى المقاومين في الصراع المستمر ضد الاحتلال مع من التقاهم من ناشطي المخيم وشبابه. فقد لاحظ أن عدد الذين ارتقوا خلال الاعتداء الأخير على جنين لم يكن كبيرا، إذ استشهد 12 فلسطينيا، عديد منهم شباب مراهقون، وبعضهم كان أعزل.
وعن موضوع قواعد الاشتباك الجديدة، ينقل عزم عن بعض مقاتلي المقاومة الشباب في المخيم قولهم إن الجيل الأكبر سنا، الذي شارك بعض رجاله في الانتفاضة الثانية، قدموا لهم درسا مهما يقول “لا تجعل نفسك هدفا سهلا. فنحن نحتاجكم أحياء”.
ويوضح بعض مقاومي المخيم -ممن تحدث معهم الكاتب- أنهم أصبحوا يتبنون إستراتيجية “إعادة الانتشار التكتيكي” التي تقوم على الالتزام بقواعد الحرب غير المتكافئة، والاعتماد على مجموعات صغيرة ومواجهات سريعة، بدلا من المعارك العسكرية الأوسع.
يوضح الأكاديمي الفلسطيني أن أحد الأسئلة التي كان يبحث لها عن جواب هو: لماذا يحمل الشباب السلاح في منطقة مكتظة بالسكان؟ وهو السؤال الذي أجاب عنه أحد شباب المخيم كانت حول عينيه آثار إصابات سابقة، إذ قال “لو كانت لدينا مكاسب سياسية، لكنا ألقينا البنادق. لكن ليست هناك عملية سياسية، والمستوطنون يهاجموننا من كل مكان، وعلينا أن نحمي أنفسنا”.
ويؤكد المقاومون الشباب حرصهم على عدم الدخول في مواجهة مع أي طرف كان باستثناء قوات الاحتلال الإسرائيلي. ويقولون إن هدفهم هو تجنب الانجرار إلى مواجهة مع السلطة الفلسطينية، لكن إذا لم تستطع السلطة الفلسطينية وقف الهجمات الإسرائيلية ضدهم، فإن عليهم القيام بذلك.
ويقول سكان جنين إن مخيمهم مكشوف للعدو، حيث يقع أسفل تل مرتفع يُمكِّن القناصة الإسرائيليين من استهدافهم بسهولة. لذلك، يحاول السكان تقليل المخاطر من خلال تعليق ما يشبه الستائر في شوارع بعض المناطق لإخفاء المارة عن أعين قناصة الاحتلال.
ويرى عزم أن الوضع الأمني الهش للمخيم وغياب رؤية لحركة تحرير وطنية واسعة عاملان يحتمان على سكانه بذل ما في وسعهم للدفاع عن أنفسهم ومقاومة الاحتلال، أو كما قال أحد سكان المخيم “حتى لا يموتوا في صمت”.
وختم الأكاديمي الفلسطيني بأن هذا الواقع جعل الوحدة السِّمة البارزة في المخيم سواء أكانت بين الفصائل السياسية أو بين الأجيال المختلفة. وقال “وأنا أغادر المخيم، اتضح لي أن مصطلح ‘الاستسلام’ لا يوجد في قاموس سكان جنين”.