يعد النقد الفني من أهم العوامل المؤثرة على نجاح العمل، من عدمه وعلى حجم. قبول الجماهير للسيناريو من عدمه أيضا، فالمقالات النقدية للأعمال السينمائية وسرد ملخص أحداث المخطط / السيناريو/ من أهم أسباب تصديق، أو إحجام الناس عن العمل السينمائي المتقن؛ فيلمنا الحالي متنوع بسبب كثرة الممثلين،خيرا من يمثلكم، ويمثل بكم.
والنتيجة العامة، بعدما جرى أنتاج وإخراج، هذا فيلم ، يمكن القول إنه قد نجح في تحقيق المطلوب، أي إجهاض حلم الدولة، والقدس. واللاجئين( تكمن أهمية خطة الانفصال “عن غزة” في أنها تجمد عملية السلام. وأنت عندما تجمد هذه العملية تحول دون قيام دولة فلسطينية، وتحول دون مناقشة قضية كل اللاجئين والحدود والقدس. وعمليا ، فان كل هذه الرزمة المسماة دولة فلسطين ، بكل ما تتضمنه ، أزيحت كلها الى أجل غير مسمى من جدول اعمالنا. وكل ذلك بمباركة رئاسة الولايات المتحدة ، واقرار من الكونجرس بمجلسيه). دوف فايسغلاس ، الناطق باسم شارون” هآرتس”.
فيلم الانقسام.. كأنه لعبة روليت روسي، يخرج منها الخاسر ميتا بجميع الأحوال؛ ومن النظرة الأولى على سيناريو. هذا الفيلم، يمكن أن نرى بالعين المجردة، وبدون بذل أي مجهود، السيناريو الصهيوني. الواضح والمصالح الحزبية و المكايدة /الغير/سياسية؛ بل ويمكن أن نلمح فيه أيضا نزعة الانتقام الشخصي.
وإذا أضفنا تعامل هؤلاء الممثلين . العدمي ، و اللا مسؤول مع أزمة وقضية كبرى من جهة، ثم بعد ذلك المادي البراجماتي من جهة أخرى، فإننا نصبح أمام خطر حقيقي يحلق نحو الحلم الفلسطيني. ليقضي عليه. لكن في الحقيقة، المسألة أوسع وأبعد وأعمق من ذلك بكثير. فالحدوتة ليست مشوقة على غرار أفلام التشويق والإثارة، وليس فيها ذلك الغموض الفني- الدرامي الملتهب الذي يشعل الأحاسيس والوجدان. إننا أمام أحداث نحن أنفسنا أبطالها بدرجات ما، ونتصرف في الكثير من المواقف مثل أبطالها. ما يعني أننا بصدد التعامل مع عدة مستويات وليس مع مستوى واحد هو المخطط الذي يهم- طبعا- الكثير من المشاهدين. لفيلم من العيار الثقيل.
فيلم الانقسام. بلغة المسرح، ما هو إلا “حبكة صهيونية” بامتياز. ولكن هذا للوهلة الثانية أو الثالثة أيضا، وليس كل شيء، لأننا بصدد مستويات أخرى، بينها فشل / شبه / انظمة سياسية في إدارة أزمات عميقة وخطيرة، وأمام عدم اعتراف أنظمة سياسية أخرى بالفارق الملموس بين رغباتها وبين قدراتها، وأمام مزايدات سياسية رديئة المستوى والإدارة، وأمام سيطرة ونفوذ كيانات ودول تتحكم في أكبر وأهم مراكز الحكم والسلطة فى المنطقة، وأمام مخطط صهيوني غير مسبوق؛ لهدم وتدمير اساس وثوابت قضية شريفة عادلة، و بين المفاهيم والقيم والثوابت العامة، مقابل. أطفال الشارع السياسي، و شبه/ مسؤول. تمت قولبته وتنميطه وإطلاقه، يتجول بين دول الاقليم، التي باتت إحدى أهم الوسائل والأدوات الرئيسية لإثارة الفوضى و”اللخبطة” و”الاستقطاب” وتضليل الرأي العام والتلاعب به، واستخدام اورق القضية لصالح الغير، وتشكيل رأيه ثم إعادة تشكيله عدة مرات أخرى متناقضة. كما هو الحال في اشباه الدول.
فيلم الانقسام ليس بالضبط كوميديا، وليس بالضبط كوميديا سوداء، لكنه قد يكون أقرب إلى خليط من الهجاء والسخرية، شيء أقرب إلى مخطط مدروس، ولكن بعناصر مدهشة وحقيقية وواقعية ومؤلمة والمثيرة للغضب والنكد والضحك والهيستيريا. بلغة المسرح.. و هنا يتجلى أحد أوجه الصراع بين أطراف فاسدة ومعطوبة ومتسلطة وعدمية. وليس ذلك فقط، بل وأطراف عديمة الضمير تجيد الكذب والخداع والتضليل، ولا تختلف كثيرا عن هؤلاء الاعداء في الجانب الاخر، ولا يهمهم الناس ولا القضية ولا يحزنون، وآخر ما يهمهم هو الوطن والمجتمع. وفي حقيقة الأمر، فهذه الأطراف الفاسدة وضعت لنفسها الخطة اللي ستختفي بمقتضاها وتغادر في حال انتهاء دورها المرسوم.
نعم .. سوف تختفى أصوات كثيرة وشخصيات كثيرة من على المسرح / الشاشة/ كانت تصرخ بالوحدة الوطنية والشجاعة فى إنقاذ الوطن ، ولا نسمع لها همسا ولا يهتز لها جفن لما يحدث فى الوطن ويحدث له ، من أزمات وتدهور ومعاناة شعب لا يجد من يتحدث عنه و ينصره على المستوي العربي! ثم إذا حدث ولاحت بوادر رياح تغيير من أى جانب هبت ، ستجد هؤلاء يركبون الموجة كالعادة وسينادون بحقوق لهم ولحوارييهم ، وسيعلنون فى بجاحة أنهم هم شعلة الوحدة الوطنية والتغيير .. ثم ينضمون إلى القافلة الفائزة الرائجة أيا كانت ، من أجل مصالحهم وتطلعاتهم .. إنهم ملوك النفاق والانتهازية والتجارة مع الشيطان دون حياء أو خجل؛ وضد إرادة الغالبية الكاسحة من الناس؛ فقط .. من أجل حماية فئات وشرائح قليلة مارقة تستحوذ على كافة القرارات والثروات ولا تسمح لغير المنتمين إليها بمجرد الحلم بالوحدة والحرية والاستقلال والأمل. الأمر مجرد نقد فنى لفيلم مُبْتَذَل.