ننشر نص كلمة البابا تواضروس في صلاة تجنيز الأنبا كاراس


12:03 ص


السبت 16 أكتوبر 2021

كتب- مينا غالي:

ألقى البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، كلمة خلال صلوات تجنيز الأنبا كاراس الأسقف العام لإيبارشية المحلة الكبرى الذي رحل متأثرا بإصابته بفيروس كورونا.

وقال البابا: “طوبى لِمَنْ اخترته وقبلته ليسكن في ديارك يا رب.. طوبى لِمَنْ اخترته وقبلته ليسكن في ديارك يا رب.. ومَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إِنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلًا ثُمَّ يَضْمَحِلُّ”.

وأضاف: “على رجاء القيامة وبقلوب وإن امتلأت بالألم وبالحزن وبالدموع ولكن لنا رجاء ولا نحزن كالباقين نودّع مثلث الرحمات الأنبا كاراس الأسقف العام بالمحلة الكبرى وكل توابعها، نودّعه خادمًا أمينًا وراهبًا تقيًّا وأسقفًا جليلاً، وعندما نقف يا إخوتي الأحباء أمام الموت فهو الحقيقة الصادقة الوحيدة في حياتنا نحن البشر، نعيش على الأرض ونمارس حياتنا وأعمالنا وخدماتنا ونمارس أعمارنا كلها، ولكننا نتقابل مع الحقيقة الصادقة والوحيدة وهي حقيقة الموت، وهو الذي ينقل الإنسان إلى الشاطئ الآخر من الحياة، ونقف أمامه لأنه نهاية كل البشر”.

وتابع البابا: “ونرى أن الله يختار ويقبل إليه النفوس بعد أن تكون قد أكملت مشوار حياتها على الأرض، ونرى أن الموت وهو الحقيقة التي تظهر أمامنا في كل مرة نودّع أحد أحبائنا إنما هي رسالة لكل منّا لنستعد فاليوم آتٍ، ورغم أن مشاغل الحياة وهمومها وكل ما فيها أحيانًا يصرف الإنسان عن هذه الحقيقة، ويتناسى في دوامة الحياة أنه مدعو أن يكون في السماء، وسيأتي يوم يترك هذه الأرض وكل ما فيها، وإذا تذكّر الإنسان منّا هذه الحقيقة، فإنه يتنازل عن كل ما يسبب ألمًا وتعبًا وصراعًا وحروبًا في حياته، لأنه يأتي يوم يترك كل شيء وينطلق، وقد أخفى الله عنّا نهاية كل إنسان ومتى يترك هذه الحياة لكي ما يعطينا دافعًا قويًّا للاستعداد كل يوم، فقد تنتهي الحياة اليوم أو غدًا أو بعد غد، ويكون الإنسان دائمًا متطلعًا إلى السماء لئلا تأخذه مباهج الحياة، ويكون متطلعًا للسماء لأنه ما المنفعة يا إخوتي إن ربح الإنسان العالم كله وخسر نفسه، ما المنفعة، يربح العالم كله ويخسر نفسه في السماء، وهذه الأمور في كل مرة نودّع حبيبًا عِشنا معه وعاش معنا وتلاقينا في أمور كثيرة نودّعه وها هو يسبقنا على السماء”.

وواصل: “الأنبا كاراس في حياته وخدمته ورهبنته ودوره في الكنيسة كأسقف عام للمحلة – الحقيقة كان إنسانًا نبيلاً وخادمًا أمينًا في خدمته، لقد كانت خدمته حبًّا واتضاعًا، حبًّا واتضاعًا، أحب الجميع سواء في المحلة الكبرى التي خدمها في السنوات الثمانية الأخيرة كأسقف عام، أو فيما قبل عندما خدم في إيبارشية نقادة وقوص مع نيافة الأنبا بيمن، كانت خدمته حبًّا، أحب الكبير والصغير وأحب البعيد والقريب وأحب كل إنسان، وكان حبه يمتاز بالبساطة وبوداعة، وأيضًا خدمته امتلأت اتضاعًا، وهذا الاتضاع هو الذي نجده في القلوب التي تأثرت كثيرًا لانتقاله وبحضوركم في هذا اليوم، الأنبا كاراس في خدمته في إيبارشية المحلة الكبرى منذ ثماني سنوات ومنذ أن أُقيم أسقفًا في نوفمبر عام 2013 خدم واِمتاز أولاً بالرعاية، أحب الرعاية جدًّا، وخدم كل الاحتياجات في قطاعات الشعب، وتعلّم الرعاية الكاملة عندما كان وكيلاً لمطرانية وإيبارشية نقادة وقوص مع نيافة الأنبا بيمن منذ أن صار الأنبا بيمن نفسه أسقفًا لنقادة وقوص فكان هو وكيلاً معه للإيبارشية منذ اليوم الأول، وخلال 22 سنة خدم معه بهذه الأمانة وبهذا الحب وبهذا الاتضاع في الرعاية، وتعلّم الرعاية بصورة جيدة وطيبة أهّلته أن يكون راعيًا في إيبارشية المحلة، رعايته كانت تمتاز بالبساطة ولكن كان يهتم بكل إنسان، ولكن الأهم من هذا وذاك أنه كان دائمًا صانع سلام، يصنع سلامًا في كل عمل واجهته مشكلات كثيرة وعقبات كثيرة وبعض الأشخاص كانوا من الذين ينتقدوه ولكنه كان يواجه كل هذا بحب وباتضاع وبصنع السلام، رعايته في المحلة الكبرى خلال الثماني سنوات كانت رعاية مباركة ومثمرة وهادئة وصانعة للسلام، وهذه الأمور كلها كنّا نلمسها في كل مرة نقابله”.

وقال البابا: “أيضًا الأنبا كاراس كان يتميز كثيرًا بمحبته للقراءة والدراسة والتأمل والوعظ، وكان وعظهُ ذو نكهة خاصة، كان وعظًا بسيطًا ولكن كثيرًا ما تكلّم عن السماء وعن الاستعداد للسماء وعن التوبة وعن الحياة النقية وعن الإيمان المستقيم وعن خدمة الآخر، فكان حلو اللسان، وكانت كلماته وعظاته وتعاليمه تصل إلى الجميع، وكانت مؤثرة ومعبرة، وكانت عظات يفهمها الرجل البسيط ويفهمها الإنسان الدارس، وكلها تقوم على الكتاب المقدس وتعاليم الآباء المقدسة، فكان بالحقيقة إنسانًا كأنه كنيسة متحركة فيما يقدمه من تعاليم وفيما يقدمه من رعاية، ليس فقط الرعاية والتعليم، كان فيها يقدمها بالأسلوب الهادئ، فلم نسمع عنه أبدًا أنه صنع مشكلة من خلال تعاليم أو من خلال رعاية، أبدًا، وكان الحب يبدو دائمًا واقترابه من الذين يُعلّمهم إن كانوا صغارًا أو كبارًا وإن كانوا في المحلة أو خارج المحلة في نهضات وفي عظات وافتقادات كثيرة – كان في كل هذه يمتاز بالروح البسيطة جدًّا والروح المحبة للسلام، وأنا أؤكد عليكم هذه الكلمة لأنها كانت صفة وسمة واضحة فيه، محبته لصنع السلام”.

وأضاف: “غير الرعاية وغير التعليم أنه اِمتاز أيضًا أنه يحب المشورة، كثيرًا ما كان يأتي ويقابلني ويطلب المشورة في بعض الموضوعات الرعوية أو العلاقات مع الآخرين، والجميل أنه كان يأتي ويطلب المشورة في بعض المشكلات التي كانت تواجهه ولكن كان يأتي أيضًا ببعض الاقتراحات للحلول، وكثيرًا ما كنّا نتكلم في موضوع ما مثلاً ونذكر أحد الحلول ولكن هذا الحل قد يتعب البعض، فلا نختار هذا الحل الآن ونؤجله، فكان يضع السلام سلام الكنيسة وسلام الإيبارشية وسلام الرعية وسلام المجتمع كرقم واحد، وهذه صفة في غاية الأهمية لِمَنْ يخدم في حقل الرب”.

وتابع: “كانت خدمته أيضًا مع نيافة الأنبا بيمن في إيبارشية نقادة وقوص كانت خدمة ناجحة عبر الـ22 سنة، وعندما سيم أسقفًا للمحلة كان دائم التردد على خدمته السابقة ولا يمر شهر إلا ويزور الإيبارشية ويجد ترحيبًا كبيرًا من نيافة الأنبا بيمن ويخدم ويسترجع خدمته السابقة فلم ينقطع خلال كل هذه السنوات على خدمته في إيبارشية نقادة وقوص”.

واختتم قائلًا: “باسم المجمع المقدس باسم الآباء المطارنة والآباء الأساقفة والآباء الحضور معنا اليوم وباسم الآباء الكهنة والشمامسة والأراخنة نقدم كل التعزيات لإيبارشية المحلة ولكل مجمع كهنتها وخدامها وخادماتها وشعبها، ونطلب أن نصلي من قلوبنا ونطلب أن يُصلي أيضًا نيافة الأنبا كاراس من أجلنا ويتشفع من أجلنا، نقدم العزاء لهذه الإيبارشية المحبة للمسيح، ونقدم العزاء لأسرته ولديره في دير المحرق وفي دير الأنبا صموئيل وأيضًا لرعيته التي خدمها، نقدم العزاء أيضًا لنيافة الأنبا بيمن، ونقدم العزاء لنفوسنا جميعًا، ونرفع قلوبنا يا إخوتي الأحباء نحو السماء ونصلي أن يعطينا الله أن نكمّل جميعنا أيام حياتنا بسلام، وأن نخدمه أمامه الخدمة الهادئة والخدمة التي تُمجده في عُلاه والخدمة التي تصنع سلامًا ويعطينا أيامًا صالحة ويتمم أيام حياتنا كلها بسلام”.​