هآرتس: أربعة تهديدات خطيرة على “اسرائيل”

تناولت صحيفة هآرتس العبرية في مقال لها، الأربعاء، التحديات الكبرى التي تواجه دولة الاحتلال على المدى القريب والآجل حيث اعتبرت أن التغيرات الديمغرافية ستعقد وضع الاحتلال كما أن إخفاق السيطرة سيتم الشعور به خارج البلدات العربية، معرجة على انهيار نموذج التجنيد في الجيش تدريجيا، إضافة إلى نتائج الهجمات السيبرانية المتزايدة.

وذكرت الصحيفة العبرية أن التغطية الإعلامية اليومية في إسرائيل، في السنة الماضية، تشير إلى أن التهديدات تكمن في إيران وحزب الله وبدرجة متواترة أكثر المقاومة الفلسطينية. 
 

ولفتت “هآرتس” إلى أن الاحتلال يجب أن يتطلع أكثر لما وراء ذلك، منوهة إلى العقبات الأربع التي يواجهها دون أي ذكر لإيران.

عرب أكثر من اليهود

وقالت الصحيفة العبرية إن هيئتين أمنيتين أجرتا في السنتين الأخيرتين فحصا غير رسمي لمسألة حساسة وهي الديمغرافيا الإسرائيلية – الفلسطينية.

وأضافت أن الاختبارين اللذين استندا إلى جمع وتحليل بيانات من جهات مختلفة تعمل في الإحصاء توصلا إلى استنتاج متشابه يتمثل في حدوث نقطة الانقلاب في سنة 2020، حيث أنه، للمرة الأولى منذ عشرات السنين، هناك عدد من العرب أقل من اليهود بين البحر والنهر.

 

وتابعت أن تنوعا من المجموعات العرقية ذات مكانة قانونية مختلفة، بين البحر والنهر يعد معا أكثر بقليل من 14 مليون نسمة، وعند جمعها معا من جانب اليهود ومن الجانب الآخر فلسطينيي الداخل، والفلسطينيين الذين يحملون بطاقات الهوية الإسرائيلية في شرقي القدس المحتلة والضفة وقطاع غزة فإن الرقم هو تقريبا متساو مع أفضلية عددية بسيطة للجانب العربي. 

وعلقت هآرتس على النتيجة بأن هذه نقطة انقلاب هامة لأنه طوال الوقت هذه التوجهات يمكن أن تستمر والفجوة يتوقع كما يبدو أن تزيد قليلا بسبب الفروق في الولادات بين القطاعات المختلفة (رغم تقليص آخر متوقع في الولادة في أوساط العرب).

وأوضحت أن الإدراك لهذه الحقيقة سيزيد على المدى الآجل، في المجتمع الدولي، حيث أن الاحتلال سيجد صعوبة أكبر في تعزيز احتلال أبدي في مناطق واسعة في الضفة.

والادعاء بأن الأمر يتعلق بوضع مؤقت ينبع فقط من ظروف أمنية غير قابلة في هذه الأثناء للحل، يتم النظر إليه بتشكك متزايد في الغرب، بحسب الصحيفة.

وفي الوقت ذاته، أشارت الاستطلاعات التي أجريت في السنوات الأخيرة في أوساط الفلسطينيين إلى تأييد متزايد لفكرة الدولة الواحدة، فالمزيد منهم، وبالأساس أبناء الجيل الشاب، يتخلون عن تأييد فكرة الدولتين لصالح الافتراض بأنه في نهاية المطاف سيتم حل الأمور من تلقاء نفسها لصالحهم.

كما ستخلق الأفضلية الديمغرافية في النهاية ضغطا دوليا غير محتمل على إسرائيل، الأمر الذي سيجبرها على التنازل والاتحاد مع الأكثرية العربية.

وعلى مدى سنوات، رأى رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو أن إحباط إقامة دولة فلسطينية هو أحد أهدافه الأساسية، فنتنياهو اتبع كل تكتيكات التأجيل التي يمكن أن تخطر بالبال.

وتحت ضغط كبير من الرئيس براك أوباما اعترف نتنياهو بحل الدولتين (في خطاب بار ايلان في 2009)، وحتى أنه وافق على تجميد مؤقت للبناء في المستوطنات، وفعليا مرت السنين وبدأت الهزة في العالم العربي وفقد أوباما الثقة والاهتمام باحتمالية حل “النزاع” بين إسرائيل والفلسطينيين.

بينما عاد نتنياهو الذي لم يؤمن بذلك من البداية إلى التعبير عن مواقفه الأصلية، كما حظي منذ العام 2017 بدعم كبير من الرئيس السابق دونالد ترامب.

وعلى مدى سنين اليمين في إسرائيل ادعى بأنه يمكن الفصل بين النزاع مع الفلسطينيين (مع الحفاظ على الوضع القائم) وبين علاقات إسرائيل مع العالم، حتى مع العالم العربي.

وفي المقابل، ادعى اليسار بأنه بدون الانسحاب من المناطق فإن وضع إسرائيل الدولي سيزداد خطورة ولن يكون بالإمكان شق طرق دبلوماسية جديدة نحو دول صديقة في المنطقة.
 

وكما يبدو فالتحالف مع ترامب ساعد نتنياهو في إبطال هذه المعادلة، أما اتفاقات أبراهام إضافة لخطوات أخرى فأنتجت تطبيعا وتحسينا في العلاقات مع أربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.

هذه السياسة استمرت مع الحكومة الحالية، تحت إدارة جديدة، فهذه حكومة توحد الوسط واليمين واليسار (حتى حزب عربي مسلم) تحت هدف واحد وهو إبعاد نتنياهو عن سدة الحكم.

ولفتت الصحيفة إلى أن رواسب الانتفاضة الثانية، التجربة الأكثر تكوينا بالنسبة للرأي العام في العقود الأخيرة، حيث أبقت العمليات الفدائية رعب الموت، مهما تم إبعاده، لكنه رسخ في أوساط الإسرائيليين شكوكا عميقة تجاه الفلسطينيين وخوفا من الانسحاب.

وإذا كانت الساحة الفلسطينية هادئة نسبيا فلن يكون هناك أي ضغط سياسي في إسرائيل للتقدم من أجل حل سياسي.. ورغم ذلك فإذا حدث تصعيد فمن المحظور التنازل لأن كل مفاوضات في هذه الظروف تعني خضوعا مهينا.

عندما تنسحب الدولة

وقالت الصحيفة إن التوتر وجه مؤخرا الاهتمام إلى المناطق، فمنفذو العمليات في بئر السبع والخضيرة كانوا من فلسطينيي الداخل.

وهذه العمليات التي جرت بعدها أخرى في الضفة تعكس جزءا من مشكلة أكبر بكثير، وهي الانسحاب المتواصل للدولة من كل نشاط، من الأعمال الشرطية ومرورا بجباية الضرائب وحتى العمل اليومي للوزارات الحكومية في البلدات العربية.
 

وخصلت الصحيفة بالقول “نحن بحاجة فقط إلى تخيل العاصفة التي يمكن أن تثور وكيف كان الكيان سيرد لو تضرر التموين أو حركة القطارات نتيجة إطلاق الصواريخ من غزة أو من هجوم إلكتروني من إيران”.

انتقائية

ونوهت الصحيفة إلى أن جيش الاحتلال يبذل في السنوات الأخيرة جهودا دعائية وتسويقية كبيرة مخصصة للإثبات بأن زيادة ميزانية الدفاع تترجم لتحسين واضح في قدراته في مجالات مثل استخدام النيران وجمع المعلومات والمهاجمة بالسايبر.

وأطلقت الخطة متعددة السنوات “تنوفا”، التي قادها رئيس الأركان أفيف كوخافي، حقا عمليات طموحة، بعيدة المدى، من شأنها أن تعطي الجيش أفضلية واضحة في حالة حدوث حرب مع حزب الله أو حماس.

ولكن الخطة لا تحل مشكلتين من المشاكل الأساسية التي يعاني منها الجيش، وهي الانهيار التدريجي في نموذج التجنيد القائم، والحرج المفاهيمي بخصوص استخدام القوات البرية في مواجهة مستقبلية، التي ستحدث في معظمها في مناطق مأهولة مكتظة. 

ورأى كاتب المقال أن أزمة الطاقة البشرية هي التهديد الأساسي للجيش الإسرائيلي، إذا لم يكن لأمن إسرائيل بشكل عام.

والمشكلة هي سياسية بدرجة أقل، ففي الغالب هي لا تنبع مباشرة من الإحباط إزاء النسبة الكبيرة للأصوليين الذين لا يتجندون (15 في المئة من الملزمين بالتجنيد) أو التحفظات من القيام بنشاطات شرطية في المناطق. هي ترتبط أكثر بالتغييرات في المجتمع الإسرائيلي وبطبيعة المتجندين.

جيش الاحتلال يعرف كيف يظهر لنا بالضبط كيف حدثت زيادة في الدافعية للخدمة القتالية في السنوات الأخيرة. لكن يبدو أن هذا الاستنتاج يعود أساسا إلى التغيرات في طريقة وموعد طرح الأسئلة على المجندين.

فعليا، سجل ارتفاع كبير في عدد الحاصلين على الإعفاء النفسي من الخدمة، حتى 12 في المئة من الشباب في الدورات الأخيرة، وهذه الظاهرة يمكن أن تزداد خطورة على خلفية التداعيات النفسية الصعبة لوباء الكورونا على الشباب.
 

وهذا يرتبط بظواهر أخرى. “دافعية انتقائية”، حيث الشباب على استعداد لبذل جهود فقط في وظائف محددة لها قيمة كبيرة أو أفضليات أخرى.

كما أن هروب عدد غير قليل من وحدات قتالية أثناء فترة الخدمة، ظاهرة يحذر الجيش من الاعتراف بها، إضافة إلى الانخفاض المتواصل في نوعية القيادة في الوحدات التي تعتبر أقل شهرة.

واختتم الكاتب مقاله بالقول إن الصفوف في مدرسة التدريب مليئة، لكن السؤال الذي يجب أن يطرح هو من الذي يملؤها.

هناك أزمة مخفية عن العين، حيث أن عددا لا بأس به من المقاتلين النوعيين يمتنعون عن التطوع لتولي مناصب قيادية، وآخرون يترددون في الذهاب إلى مسار قيادي طويل، بروح الجيل الذي يقلل من الالتزامات طويلة المدى.