هآرتس – بقلم: ميرون ربابورت “كلمة “كونفيدرالية” لا تظهر في القواميس اللاتينية الكلاسيكية. فهي اختراع متأخر، كما يبدو في القرن الخامس عشر، لذا، لا يمكن أن نسميها “مفهوماً لاتينياً”، مثلما كتب البروفيسور شلومو افنري (“هآرتس”، 12/11). والديمقراطية، في المقابل، مفهوم قديم، لكن في سياق النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، ثمة قاسم مشترك للمفهومين. فهما لا يطبقان بين النهر والبحر. لا توجد هنا كونفيدرالية بين دولتين مستقلتين، بل دولة واحدة، هي إسرائيل، التي تشرف على كل المجال. لا توجد هنا ديمقراطية لأن نصف السكان بين النهر والبحر محرومون من الحقوق السياسية داخل الإطار السياسي الذي يسيطر على حياتهم. هذان المفهومان، القديم والجديد نسبياً، يعتبران في إطار المرغوب وغير الموجود.
مؤخراً، يدور على صفحات “هآرتس” نقاش مع وضد الكونفيدرالية. البروفيسور مني ماونتر والبروفيسور يوئيل زنغر، قالا إنه إذا كان هناك اتفاق فسيظهر مثل كونفيدرالية. عيدو دمبن وشاؤول اريئيلي وافنري قالوا إنه حلم خيالي. ولكن بصفتي أحد مؤسسي الحركة الإسرائيلية – الفلسطينية “أرض للجميع” التي تسمى أيضاً “دولتان – وطن واحد”، والتي تقترح حلاً للنزاع يمكن اعتباره كونفيدرالياً، أرغب في وضع هذا المفهوم جانباً. ليس لأن الكونفيدرالية فشل أو نجاح، بل هناك أمور تؤيد هذا وأمور تؤيد ذاك، وعدد من الدول التي يشير إليها افنري كفشل لم تكن كونفيدرالية يوماً ما، مثل الاتحاد السوفييتي سابقاً ويوغسلافيا أو قبرص. ولكن السؤال ليس بشأن المفهوم الذي سنستخدمه، بل في أي واقع نعيش، يهوداً وفلسطينيين، الآن وكيف يمكن إصلاحه ووضع الشعبين على مسار السلام والمصالحة.
عندما انطلقت المجموعة قبل تسع سنوات، لم نفكر بالكونفيدرالية، ولم نفكر بأن المستوطنات أوجدت وضعاً لا يمكن التراجع عنه. كل شيء قابل للرجوع عنه في الحياة باستثناء الموت. وإذا كان هناك إرادة سياسية، فمن الممكن إخلاء المستوطنات. والسؤال هو: هل إخلاء المستوطنات وحده هو الذي سيحل النزاع، هل حل يتجاهل مثلاً حق العودة للاجئين الفلسطينيين أو يتجاهل الهوية الوطنية للأقلية الفلسطينية في إسرائيل يمكن أن ينجح؟ الجواب سلبي.
انطلقنا من الإدراك بأنه يعيش شعبان في هذه البلاد الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط. ولا يستطيع أي منهما إخفاء الآخر. وهما يسميان هذه البلاد وطني. ولهما الحق في العيش في هذا الوطن بدون احتلال وتعال، والتمتع بالمساواة في الحقوق المدنية والقومية. وقد فهمنا في حينه، وتعزز لدينا هذا الفهم الآن، بأن حلول الفصل بشتى أنواعها قد فشلت صدفة، لأن هذه الحلول تجاهلت أن هذه البلاد وبدرجة كبيرة بلاد واحدة، مختلطة، سواء في الجغرافيا أو الديمغرافيا أو الاقتصاد، وفي المخيلة الجماعية للشعبين. وكبار مؤيدي الدولتين يتحدثون عن “شخيم” و”حفرون” وليس عن نابلس والخليل. وكبار مؤيدي محمود عباس يتحدثون عن يافا وحيفا كجزء من فلسطين. بناء على ذلك، يجب التخلي عن نموذج الفصل لصالح نموذج الشراكة. فهو أيضاً أقرب إلى الواقع وأكثر عدالة. الجدران المنخفضة ربما لا تصنع جيراناً جيدين، ولكن الأسوار العالية تخلق أعداء أبديين.
أؤمن بأن هذه الأسباب هي التي أدت إلى الحديث اليوم عن حل الكونفيدرالية مؤخراً. التقرير الذي كتبه الباحث الفلسطيني عمر عبد الرحمن لصالح معهد “بروكينغز”، والتقرير الذي قدمه معهد الأبحاث “سي.ان.إي.اس” للإدارة الأمريكية، والمقالات التي نشرت في “نيويورك تايمز”، والمناظرة في جلسة الافتتاحية لمؤتمر “جي ستريت”، كل ذلك ناقش بصورة إيجابية فكرة الكونفيدرالية في السنة الماضية، وهذا باختصار.
نموذج “أرض للجميع” يقترح دولتين، فلسطين وإسرائيل، في حدود حزيران 1967، بسيادة كاملة (أي بدون جيش إسرائيلي داخل فلسطين)، التي تكون بينها حرية عمل وسكن. مؤسسات مشتركة مهمة ستدير معاً ما تريد الدولتان المشاركة فيه، بدءاً بحقوق الإنسان وانتهاء بالاقتصاد وحماية البيئة. وستديران بشكل منفصل ما هو مطلوب إدارته بشكل منفصل. ستكون القدس مدينة واحدة، عاصمة للدولتين، بسيادة مشتركة.
أهو حل معقد؟ ربما. ولكن العشرين سنة الأخيرة أظهرت بأن لا حل سهلاً للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. ولو لم يكن الأمر كذلك، لطبقت مبادرة جنيف، وكان إيهود أولمرت وعباس قد وقعا على اتفاق. التجربة العالمية في العقود الأخيرة تظهر أن حلولاً “معقدة”، التي تقوم على شراكة في القوة والسلطة، حلول مستقرة وتؤدي إلى السلام والمصالحة، أو على الأقل تعمل على وقف العنف. الحل في البوسنة معقد بشكل مدهش، ولكنهم هناك لا يطلقون النار منذ عشرين سنة بعد حرب أهلية دموية. الحل في شمال إيرلندا لا يقل تعقيداً، لكن العنف اختفى هناك أيضاً. يصعب أن نفهم عمق المبنى المعقد للاتحاد الأوروبي، لكنه قضى على العنف في القارة الأوروبية التي كانت ساحة لحربين عالميتين.
أكثر من 28 سنة بعد اتفاقات أوسلو، تقريباً بعد عشرين سنة على إطلاق مبادرة جنيف وأكثر من 13 سنة بعد فشل مؤتمر أنابوليس، يبدو أن ما تم فقدانه في أوساط الشعبين هو الأمل في انتهاء هذا النزاع يوماً ما. ولإعادة الأمل والتوصل إلى نتائج فالطلوب اليوم نقاش جدي بين جميع الذين يؤمنون بالمساواة المدنية والقومية بين اليهود والفلسطينيين وإنهاء الاحتلال.