رغم فشل محاولات أفرادها يوم الجمعة في إدخال قرابينهم إلى ساحات المسجد الأقصى المبارك، لا تزال “جماعات الهيكل” اليهودية المتطرفة تسعى لتنفيذ ما وعدت به، حيث لا تزال تحثّ المستوطنين اليهود على اقتحام المسجد الأقصى وذبح ما يسمى بـ”قرابين عيد الفصح” خلال فترة العيد اليهودي، الذي يمتد حتى يوم السبت 23 أبريل/نيسان، لكن يبدو أن قلة من الإسرائيليين مستعدون للتضحية بأنفسهم من أجل هذا الفعل، كما تقول صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
قرابين الفصح في الأقصى.. “دعوات مستفزة ستشعل حرباً”
منذ بداية شهر رمضان المبارك دعت “جماعات الهيكل”، وعلى رأسها مجموعة “هوزريم لاهار” اليهودية المتطرفة، المستوطنين اليهود إلى ذبح قرابين عيد الفصح العبري في باحات المسجد الأقصى، وذلك كخطوة خطيرة في التعامل مع الحرم الإسلامي كـ”هيكل” مزعوم ينادي اليهود المتطرفون بإعادة بنائه. وعرضت هذه المجموعة مكافآت مالية للمستوطنين اليهود، لتشجيعهم على اقتحام حرم المسجد الأقصى وذبح قرابين ابتداء من مساء يوم الجمعة 15 أبريل/نيسان، حيث يمتد عيد الفصح العبري حتى 23 من الشهر نفسه.
واستنفر الإعلان الصادر عن إحدى أشد المجموعات الإسرائيلية تطرفاً، ومن أكثرها ترويجاً للنشاط اليهودي في الحرم القدسي، استهجاناً شديداً وردود فعل شرسة من الفلسطينيين على اختلاف اتجاهاتهم، من فصائل المقاومة إلى السلطة الفلسطينية المعروفة بمهادنتها لحكومة الاحتلال.
وتعِد الجماعة المتطرفة بتقديم مبلغ 400 شيكل (125 دولاراً) لأي شخص يُقبض عليه أثناء المحاولة، و800 شيكل (نحو 250 دولاراً) لأي شخص ينجح قليلاً في المحاولة، أما من ينجح في ذبح القربان في الأقصى فسيفوز بمبلغ مالي قيمته 10 آلاف شيكل، أي ما يعادل (3100) دولار أمريكي.
يقول الإعلان: “ماذا سيحصل إن لم تنجح؟ حتى لو أُلقي القبض عليك ستربح. في ضوء تهديدات حماس، ورفض الشرطة السماح لنا بالتضحية في موعد متفق عليه، شاركوا معنا في المحاولة واحصلوا على المكافأة المالية”.
لكن هذه الدعوات المستفزة -كما تصفها صحيفة Haaretz الإسرائيلية- في حكم المؤكد أنها ستُشعل حرباً، حيث حذرت حركة حماس الإسرائيليين من “اللعب بالنار”، قائلة إن ذلك “سيؤدي إلى تصعيد خطير للأمور لا يمكن السيطرة عليه”، وحثَّت المجتمع الدولي على التدخل فوراً لمنع هذا الخطر، ووصفت مخطط ذبح القرابين بأنه “اعتداء مباشر على عقيدة الشعب الفلسطيني ومشاعره، وتصعيد يتجاوز كل الخطوط الحُمر”.
وتقول الصحيفة، إن خطورة هذه الدعوات تأتي مع تزامن عيد الفصح العبري مع شهر رمضان عند المسلمين هذا العام، كما أن التوترات الأمنية في الضفة الغربية محتدمة بالفعل منذ أسابيع.
“قلة من الإسرائيليين مستعدون للتضحية بأنفسهم من أجل هذا الإعلان”
تقول هآرتس، إن قضية السيادة على الحرم القدسي برهنت مراراً على كونها أشد القضايا حساسية لدى الفلسطينيين، وأكثرها قدرةً على تفجير الصراع، ولذلك فإن قلة من الإسرائيليين هم المستعدون اليوم للتضحية بأنفسهم من أجل ذبح قرابين عيد الفصح في الحرم القدسي.
مشيرة إلى أنه خلال السنوات الماضية، كان في الغالب يركض عدد من المستوطنين حول أزقة البلدة القديمة في القدس، في محاولة للوصول إلى أقرب نقطة للحرم، حاملين قرابينهم، إلا أنهم كانوا يُمنعون من دخوله.
وبحسب الصحيفة العبرية، فإنه على النقيض مما يدَّعيه نشطاء “جبل الهيكل” من أن التعاطف معهم آخذ في التزايد، أو أن الحكومة الإسرائيلية بزعامة اليميني نفتالي بينيت موشكة على تغيير جذري في موقفها من دعواتهم، فإن القرائن على ذلك قليلة، بل وأقرب الأدلة على تراجع أثرهم هو الفعالية التي أقامتها مجموعة “هوزريم لهار”، يوم الثلاثاء 12 أبريل/نيسان، للتدريب على فعاليات الاحتفال بعيد الفصح، والتضحية بذبح ماعزٍ بالقرب من حائط المبكى، فعلى خلاف السنوات السابقة لم يشارك في الفعالية إلا بضع عشرات، وربما يُعزى ذلك إلى شيوع الخلافات الداخلية في التنظيم، وانقسام أفراده على أنفسهم، علاوة على ضعف الحافز الذي كانت تدفع إليه “نشوة” اقتحام الحرم واستفزاز المسلمين.
“محاولات تغيير الوضع القائم في الحرم المقدسي ستفجر الصراع”
بالإضافة إلى ذلك، تقول الصحيفة إن النفوذ السياسي لنشطاء “جبل الهيكل” قد تضاءل، وعواقب استفزاز الفلسطينيين في المسجد الأقصى كارثية. ويجدر بنا التذكير بالفترة التي ترأست فيها الوزيرة المتطرفة ميري ريغيف لجنة الداخلية في الكنيست من عام 2013 إلى عام 2015، فقد عقدت ريغيف خلال رئاستها جلسات استماع لمحاولة تغيير الوضع الراهن في المسجد الأقصى، أكثر من المحاولات التي عُقدت منذ عام 1967، وأصرت على رفض تحذيرات الأجهزة الأمنية بشأن مخاطر السعي لتغيير الوضع الراهن.
قالت ريغيف في عام 2014: “إذا كان لا بد من انتفاضة منا لحماية حق اليهود في زيارة جبل الهيكل، فلنشعل انتفاضة”. بعد أسبوع من قولها ذلك خطف مستوطنون متطرفون الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير وعذبوه وقتلوه، فاشتعلت إثر ذلك إحدى أشد موجات الاحتجاج الفلسطينية عنفاً منذ الانتفاضة الثانية، قبل عقد من الزمان، واستمرت الحوادث متقطعةً على مدى عامين، التي تخللها مقتل مستوطنين متطرفين، وكان السبب في كل ذلك محاولات تغيير الوضع القائم في الحرم، كما تقول هآرتس.
نالت قضية تغيير الوضع الراهن في الحرم اهتماماً كبيراً بين كثير من نواب الكنيست في الحكومة الإسرائيلية، التي كانت قائمة في عام 2014، وفي حكومات لاحقة، إلا أنه لا يبدو أن تلك القضية تمثل أولوية لأحد في الحكومة الحالية، ولا حتى لأكثر اليمينيين فيها تطرفاً، ما عدا إيتمار بن غفير، كما تزعم صحيفة هآرتس.
لاحظ نشطاء “جبل الهيكل” أن الزيارات اليهودية إلى الحرم لأسباب دينية ازدادت زيادة مطردة في السنوات الأخيرة، فقد بلغ عددها 33523 زيارة في عام 2021، بزيادة 10% عن عام 2019، إلا أن عدد الزوار من اليهود العاديين أقل بكثير، والزيادة تتعلق بزيارات متكررة من النشطاء أنفسهم. ورغم الزيادة الكبيرة في عدد الزوار إذا قيست بعددهم قبل عقد أو عقدين، فإن عددهم في مجموعه لا يزال هيناً إذا وازنته بأعداد المسلمين الذين يُقبلون على الصلاة في الحرم، أو عدد اليهود الذين يصلون عند حائط المبكى.
لكن في الوقت نفسه فقد “حسنت” الشرطة الإسرائيلية معاملتها للزائرين اليهود ورعايتهم في محاولة لاحتواء خططهم، لا سيما أنها أقرت ضمنياً بالسماح لأفراد الجماعات المتطرفة بالصلاة في الحرم في السنوات الأخيرة، وبالصلاة الجماعية في بعض الأحيان، حتى إن البوابة التي يدخل منها اليهود إلى الحرم الآن أصبح بها ركنٌ لشرب القهوة ومكان للجلوس، كما تصف ذلك الصحيفة الإسرائيلية.
وفي مشاهد تعيد للأذهان ما حصل خلال شهر رمضان الماضي، خلال عام 2021، شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجوماً عنيفاً وغير مسبوق على مئات المصلين المعتكفين داخل مصليات المسجد الأقصى، وقامت بعد صلاة فجر الجمعة، 15 أبريل/نيسان 2022، بتحطيم بوابات المصلى القبلي ونوافذه وإطلاق قنابل الصوت والغاز والرصاص المطاطي على المرابطين بداخله، قبل أن تنجح بدخوله وتدنيسه واعتقال الشبان الفلسطينيين، الذين اشتبكوا مع شرطة الاحتلال وحاولوا منعها من الدخول.
يأتي هذا الهجوم الذي أسفر عن مئات الإصابات والاعتقالات في صفوف المرابطين والمعتكفين، تزامناً مع دعوات المستوطنين المتطرفين لاقتحام المسجد الأقصى، وتقديم ما يسمى “قرابين الفصح”، ويقول خبراء ومحللون فلسطينيون إن الاحتلال يحاول إفراغ المسجد الأقصى من المرابطين بداخله من المعتكفين؛ تمهيداً لاقتحامات جماعات الهيكل، التي تهدد بنثر دماء قرابينها في باحات المسجد.
ورغم أحداث الجمعة، جدَّدت جماعات الهيكل السبت دعواتها لاقتحام الأقصى، ورحّبت “إدارة اتحاد منظمات المعبد” بما سمته “الحج الجماعي” للمسجد الأقصى من يوم الأحد حتى الخميس بمناسبة الفصح، وذكرت الإدارة في إعلانها أن ساعات الاقتحام الممتدة من السابعة حتى العاشرة والنصف صباحاً قد يتم تمديدها وتعديلها بحسب الأعداد المقتحمة، في دعوةٍ مباشرةٍ لتكثيف أعداد المقتحمين للأقصى.
ويتزامن ذلك مع محاولات مستمرة وعلى مدار الساعة لإدخال القرابين إلى المسجد الأقصى، بدأت منذ مساء الجمعة، وسط دعوات مكثفة للمتطرفين لتغيير الوضع القائم في الأقصى، وأداء كافة طقوس الفصح في باحاته.
ووفقاً للتعاليم التوراتية، فإن قرابين الفصح يجب أن تُذبح عشية عيد الفصح، وأن ينثر دمها عند قبة السلسلة، التي يزعم المتطرفون أنها بُنيت داخل ساحات المسجد الأقصى لإخفاء آثار “المذبح التوراتي”.
ويقول الباحث في شؤون القدس زياد إبحيص، لوكالة الصحافة الفلسطينية “وفا”، إن إحياء “جماعات الهيكل” طقوس “القربان”، تحدٍّ كبير لكل مسلمي العالم تحت حماية سلطات الاحتلال، ويشكل إحياءً لـ”الهيكل” المزعوم؛ إذ ترى هذه الجماعات أن “القربان هو الطقس اليهودي المركزي الذي اندثر باندثار الهيكل، وأن إحياء طقس القربان يشكلّ إحياءً معنوياً للهيكل بالتعامل مع الأقصى باعتباره قد بات هيكلاً حتى وإن كانت أبنيته ومعالمه لا تزال إسلامية”