هآرتس: باتفاق على إبعاد كلمة “فلسطينيين”.. العرب في “قمة اللاشيء”: “نعم للدولتين”!

هآرتس- بقلم: ألون بنكاس   هناك أربع زوايا مختلفة لتقدير لقاء القمة في “سديه بوكر”، الذي حظي باسم “قمة النقب”. الزاوية الأولى أنها “قمة على لا شيء”، كما قال جيري ساينفيلد. نعم، كانت نقاشات، بعضها تناول مواضيع مهمة، لكنه عملياً كان مؤتمراً على لا شيء، مع تصريحات جميلة ولكن بدون أهداف، سواء سياسية من أجل تحقيقها أو اتفاقات جوهرية. مؤتمر إقليمي لا تشارك فيه السعودية ويتجاهل القضية الفلسطينية بشكل كامل واستعراضي، إنما يعرف بـ “مؤتمر على لا شيء”.

الزاوية الثانية، أن المؤتمر الذي عقد في إسرائيل وشارك فيه وزير الخارجية الأمريكي ووزراء خارجية مصر والمغرب والإمارات والبحرين هو حدث مهم، حتى لو كان بدون مضمون فعلي أو بدون نتائج سياسية مهمة وبعيدة المدى. تقول فكرة الاستخفاف بالمؤتمر لأنه “على لا شيء” هي كفر بالأساس السياسي لإسرائيل في الـ 74 سنة الأخيرة. حتى لو تعلق الأمر بالتقاط الصور التذكارية فقط، إلا أن لهذا أهمية وفيه رسالة لكل المنطقة، بأن هناك تعاونا في طور الإمكان حتى لو كان مؤقتاً أو محدوداً. وثمة منطقة ومصالح وتهديد، مثل الإرهاب وإيران وعدم الاستقرار، وهذه لا تقتصر أو تعتمد بالأساس على الفلسطينيين.

الزاوية الثالثة هي أن ما جرى عملياً مؤتمر لدول – دول مريضة وتخشى من ترك الولايات المتحدة للمنطقة وهي تحت الضغط، كل دولة حسب مصالحها التي يمكن أن تتضرر جراء الانفصال الأمريكي الاستراتيجي عن الشرق الأوسط. الولايات المتحدة في عملية ابتعاد عن الشرق الأوسط نتيجة اندماج عدد من التوجهات والأسباب، مثل انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي؛ واستقلالها من ناحية الطاقة وتقليص الاعتماد على نفط المنطقة إلى درجة الصفر؛ والتعب من المغامرات العسكرية باهظة الثمن والدموية في لبنان وأفغانستان والعراق؛ و”عمليات السلام” الجزئية؛ وانتقال بؤرة الاهتمام والأفضلية الجيوسياسية للولايات المتحدة نحو شرق آسيا ونحو العداء الواسع الآخذ في التطور لها مع الصين.

لكن عندما جاءت أزمة الحرب في أوكرانيا، وفرح الشرق الأوسط وقال هذا هو ما يثبت بأن الأمريكيين أخطأوا مرة أخرى، وأن الولايات المتحدة لا تستطيع الانسحاب من المنطقة. ما زالت روسيا موجودة، ويرتبط غرب أوروبا وآسيا بالطاقة الروسية، والتعويض لتزويد النفط والغاز قد يأتي من الشرق الأوسط؛ أما الصين فتهدد باختراق اقتصادات الخليج إلى جانب الاستثمار في البنى التحتية، وإن الاتفاق النووي مع إيران وبرنامج صواريخها، خصوصاً سلوكها التآمري من خلال استخدام “من لديهم امتيازات إرهابية”، يلزم واشنطن بإعادة النظر.

جاء بلينكن ليوضح بأنه استنتاج متسرع وغير دقيق. الولايات المتحدة لم “تغادر”، بل قلصت حضورها وتدخلها، وهي لا تنوي أبداً العودة عشر سنوات إلى الوراء. من المرجح أن يتم التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران وتجديده، وما زالت الصين هي المهمة الأساسية العليا لأمريكا. يجب عليكم التعايش مع ذلك والتعود عليه، أشار بلينكن. وإذا اعتقدتم أن توسيع العلاقات مع الصين سيخدمكم، فعليكم أن تأخذوا في الحسبان تداعيات للمدى البعيد. عندما تنظر الولايات المتحدة إلى المؤتمر فما الذي تراه مشتركاً بين إسرائيل ومصر والمغرب والبحرين والإمارات؟ لم تقف أي منها إلى جانب الرئيس جو بايدن والناتو والغرب في أزمة أوكرانيا؛ وكل واحدة منها كان لها تفسيرات وتبريرات متعرجة. عندما تنظر أمريكا بشكل أقرب، فهي ترى أن إسرائيل “أدركت” الحساسية الكبيرة إزاء روسيا، ومشاعر فلاديمير بوتين الصاخبة، وأعلنت عن نفسها وسيطاً. إسرائيل، التي يتشاجر رئيس الحكومة فيها ووزير الدفاع على من سيسافر أولاً إلى الهند؛ والتي رفضت إدانة روسيا وامتنعت في البداية عن تأييد مشروع قرار سوقته الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ضد روسيا.

وتعتبر أن الإمارات، التي جمدت صفقة طائرات “اف 35″، تقيم قصة غرام اقتصادية مع الصين، وتدعو إليها رأس المال المسروق من منظمات الفساد الروسية، وتستضيف أحد كبار الديمقراطيين والليبراليين في العصر الحديث بشار الأسد، وتساوم على زيادة إنتاج النفط، وتتجنب التصويت في مجلس الأمن على إدانة روسيا. لذلك، من المنطقي أن ترحب الولايات المتحدة بفرصة أن المؤتمر جاء لنقل عدد من الرسائل في موضوع روسيا والصين والاتفاق النووي.

رغم ذلك، ما زال المؤتمر متوجاً بكونه “مؤتمراً تاريخياً”. عندما يقول ممثلو الدول المشاركة ذلك، فماذا يقصدون بالضبط، باستثناء الحقيقة البيو جغرافية المهمة، وهي أنه مؤتمر شاركوا فيه، لذا يعتبر تاريخياً؟ هل يقصدون مثلاً مؤتمر فيينا الذي عقد في 1815 بعد انتهاء حرب نابليون، وشكل النظام الأوروبي لعشرات السنين القادمة.

هل يقصدون مؤتمر يالطا الذي عقد في شباط 1945، وشارك فيه فرنكلين روزفلت وونستون تشرتشل وجوزيف ستالين، الذي رسم تقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق احتلال. أم يقصدون مؤتمر بوتسدام الذي عقد في تموز – آب 1945 وشكل النظام الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية. أم يقصدون مؤتمر فيينا في 1961 الذي فشل في التوصل إلى تفاهمات بين الرئيس الأمريكي جون كنيدي ورئيس الاتحاد السوفييتي نيكيتا خورتشوف، الذي تم بعده تقسيم ألمانيا إلى دولتين. إذا كان مؤتمر النقب “تاريخياً” فكيف سنعرف يالطا وبوتسدام؟ بمفاهيم الشرق الأوسط، هل يمكن وصف مؤتمر “سديه بوكر” بالتاريخي، بالتأكيد هو أمر ممكن، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فكيف سنعرف مؤتمر كامب ديفيد في 1979 الذي أدى إلى توقيع اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر؟

هذا يعيدنا إلى الفلسطينيين. فبدون انتقاص أهمية اللقاء نفسه، وبدون أن نقع في مصيدة “كل شيء حول الفلسطينيين”، التي شوشت ودوخت منطقة كاملة لعقود، كيف يمكن تسمية مؤتمر “تاريخي” أو مهم دون أن يطرح فيه الموضوع الفلسطيني؟ وإذا كان كل شيء حول إيران، فلماذا لم يتم تعريف المؤتمر بهذا الشكل من البداية؟ يتبين أن ليس جميع المشاركين نسوا الفلسطينيين، ففي إسرائيل من يعتقد بأن “اتفاقات إبراهيم” بديل يلغي الفلسطينيين، وحاجة إسرائيل إلى إيجاد خطة لحل بعيد المدى؟ “اتفاقات السلام الإقليمية لا تعتبر بديلاً عن الاتفاق مع الفلسطينيين”، قال بلينكن. فعلى ماذا تحدثوا إذاً؟ “تحدثنا عن أهمية حل الدولتين”، أشار وزير الخارجية المصري سامح شكري. “… حيث شرقي القدس عاصمة الفلسطينيين”، أكد وزير خارجية المغرب ناصر بو ريطة، وأوضح: “نؤيد حل الدولتين ونعتقد أن هذا ممكن”. جيد. لقد قالوا. والأقوال مسموحة. هل هناك نية فعلية؟ “يجب العمل على إيجاد حل للدولة الفلسطينية لصالح أمن الطرفين”، أضاف. “القاسم المشترك بين وزراء الخارجية ووزير الإمارات عبد الله بن زايد، هو أنه -خلافاً لإسرائيل- يمكنهم الحديث، لكن لا يجب العيش مع 5.5 مليون فلسطيني في “المناطق” [الضفة الغربية]. الشاذ هو ملك الأردن، الملك عبد الله، الذي زار رام الله أمس ولم يرسل وزير خارجيته إلى “سديه بوكر”. لم تتحدث إسرائيل عن الفلسطينيين؛ لأنه لا يوجد لها سياسة خارجية بعيدة المدى باستثناء الصور التذكارية المثيرة أو مؤتمر جميل، ولها اتفاقات ائتلافية وخطوط أساس. وهناك كما هو معروف تم الاتفاق على ألّا يتم ذكر كلمة “فلسطينيين”.