هآرتس – بقلم: سلمان مصالحة “يصعب اتهامي بأي تعاطف مع المتعصبين الإسلاميين أو أمثالهم من شتى ألوان طيف الموحدين. العكس هو الصحيح؛ إذ لم أقصّر في انتقادهم، سواء بالعبرية أو العربية. أشير إلى ذلك عقب الحرب التي أعلنها، ليس لأسباب اجتماعية مبررة، أعضاء القائمة المشتركة وأتباعها ضد رئيس “راعم”، عضو الكنيست منصور عباس من الحركة الإسلامية (بالمناسبة، أنا وهو من القرية نفسها، ولكننا لم نلتق يوماً ما).
صب أتباع القائمة المشتركة جام غضبهم على الأقوال التي أسمعها عباس في “مؤتمر إسرائيل لرجال الأعمال”، خاصة على التصريح بأن “دولة إسرائيل ولدت كدولة يهودية وستبقى كذلك”.
يصعب الاعتراض على الجزء الأول من الجملة، فثمة حقيقة تاريخية؛ هكذا ولدت دولة إسرائيل بقرار التقسيم الذي اتخذته الجمعية العمومية للأمم المتحدة. أما الجزء الثاني فيتعلق بالأغلبية العرقية والدينية، لأنها هي التي تحدد طابع الدولة، أي دولة مهما كانت، وليس قانون القومية هذا أو ذاك. إذا أصبح في إسرائيل أغلبية إسلامية فلن تكون يهودية، ولن تساعدها المحكمة حتى لو كانت محكمة اضطهاد عليا.
أقوال منصور عباس حول العلاقات بين العرب واليهود في دولة إسرائيل تتعلق بوضع انتهى فيه الصراع، وتواصل أغلبية عربية وجودها في إسرائيل. أما بخصوص النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، فإنه بعد الاطلاع على أقوال أعضاء كنيست عرب، يتبين أن أقوال عباس تتساوق مع روح الأقوال التي صدرت من أفواههم منذ الأيام السعيدة لـ”ماكي” (الحزب الشيوعي الإسرائيلي) عند إقامة دولة إسرائيل وحتى أيام “حداش” و”بلد” والشركاء في “القائمة المشتركة”، التي لا يتوقفون فيها هذه الأيام عن سخريتهم من عباس وأصدقائه.
من الجدير أن نعود ونذكر كل من يحاولون تضليل الرأي العام العربي، وهاكم الأقوال التي قالها زعيم ماكي، عضو الكنيست توفيق طوبي، في مؤتمر احتفالي بباريس لإحياء الذكرى السنوية الأولى لاستقلال إسرائيل: “في احتفالنا بإقامة دولة إسرائيل، نحتفل بانتصار مبدأ حق تقرير المصير للشعب اليهودي في أرض إسرائيل” (“صوت الشعب”، 19/5/1949). ليس هذا فقط؛ ففي تشرين الثاني 1949 أكد عضو الكنيست طوبي لمستمعيه من فوق منصة الكنيست بأن أصدقاءه مستعدون لمحاربة كل أعداء إسرائيل: “سنحارب من أجل استقلال وسيادة دولة إسرائيل… لقد أثبتنا ذلك في الماضي، وسنثبت في المستقبل مرة أخرى بأننا سنحارب بكل قوتنا وإخلاصنا من أجل استقلال وأمن وسيادة دولة إسرائيل” (“صوت الشعب”، 22/11/1949).
يجب الإشارة إلى أن موقف الشيوعيين حتى اندلاع حرب الأيام الستة، كان: “لقد كنا وما زلنا نؤيد حق الشعب اليهودي في الدفاع عن وطنه”. لم تخرج هذه الأقوال من فم سياسي أوروبي أو أمريكي أو أتباع الصهيونية من أرض أجنبية أخرى، ولا من فم أحد مخاتير العرب لحزب “مباي” أو عضو في حركة “حيروت”، بل هي أقوال الزعيم والكاتب العربي إميل حبيبي (“الاتحاد”، 21/1/1966).
يبدو أن الحرب التي أعلنها المتفاخرون بيساريتهم العربية ضد منصور عباس، تنبع من احتلاله المكانة التي كانوا يمكن أن يحتلوها. “يجب الدفع بمصالحنا وبالمصلحة الليبرالية – الديمقراطية، وعلينا ألا نتباكى”، أعلن رئيس “بلد”، عزمي بشارة، عندما كان عضواً في الكنيست. “يجب عدم البكاء على أننا منقسمون بين هوياتنا أو أننا نسقط بين الكراسي، بل العكس؛ يجب عدم التنازل وعدم المراوغة. وعلينا المطالبة بالمساواة المدنية الكاملة، وأن نكون كعرب جزءاً ناشطاً في الديمقراطية الإسرائيلية” (“هآرتس”، 25/11/2002).
إذا كان الأمر هكذا، فيتبين أن منصور عباس، الذي يحاول من ينتقدونه تشبيهه بالقزم، يقف على أكتاف عمالقة شقوا الطريق أمامه منذ قيام الدولة ليكون “جزءاً ناشطاً في الديمقراطية الإسرائيلية”، أليس كذلك؟