هآرتس – بقلم: عاموس هرئيل “رغم التسوية التي تم التوصل إليها، الخميس، حول تحويل الأموال القطرية إلى قطاع غزة، قررت حماس أمس العودة إلى تسخين الجبهة أمام إسرائيل. فقد سمحت بإجراء مظاهرات عنيفة قرب الجدار، هذه المرة بذريعة الذكرى السنوية الـ 52 على إحراق المسجد الأقصى. أصيب في هذه الحادثة قناص من وحدة المستعربين التابعة لحرس الحدود وعشرات الفلسطينيين، من بينهم اثنان في حالة خطيرة. يتوقع أن تؤدي الإصابات الكثيرة إلى احتكاكات أخرى على الجدار، حيث هاجم سلاح الجو أمس أربعة أهداف تابعة لحماس لتخزين وإنتاج السلاح.
التسوية التي جرت بين قطر والأمم المتحدة حول استئناف المساعدة المالية القطرية لقطاع غزة تحل ثلثي مشكلة المساعدة التي جمدتها إسرائيل بعد عملية “حارس الأسوار” في أيار الماضي. أرادت إسرائيل وضع حد لاختراع الحقائب الأموال التي أحضرها القطريون معهم إلى القطاع منذ 2018. وحسب التسوية الجديدة، سيتم نقل عشرة ملايين دولار شهرياً بواسطة البنوك وإشراف الأمم المتحدة لمئة ألف عائلة محتاجة في القطاع. وثمة مبلغ مشابه سيحول شهرياً لتمويل الوقود لمحطات الطاقة في غزة.
الثلث الذي لم يتم حله، وهو مبلغ عشرة ملايين دولار، يتعلق بتمويل رواتب عشرات آلاف من موظفي حماس. هنا تطالب إسرائيل برقابة متشددة أكثر، كما يبدو بواسطة الحل الذي تم التوصل إليه، وبقيت إسرائيل مخلصة للطلبات التي طرحتها في نهاية العملية، بداية من قبل حكومة نتنياهو وبعد ذلك من قبل وريثتها حكومة بينيت. ولكن عملياً، يبدو أن إسرائيل تصمم على مواضيع شكلية أكثر من التوصل إلى إنجازات في مسائل جوهرية. قطر ليست لاعبة محايدة أو ذات نوايا حسنة، لأن لها أجندتها الخاصة، وعلى الأغلب تستخدم المساعدات المالية التي تحولها من أجل تحسين وضع حماس بدرجة لا تقل عن مساعدتها للسكان أنفسهم.
قيادة إسرائيل تدرك ذلك، لكنها تضطر إلى التنازل على أمل منع اشتعال جديد. إلى جانب قطر والأمم المتحدة، تبذل مصر أيضاً جهوداً كبيرة في سعيها لتسوية، وتستخدم ضغطاً كبيراً على الطرفين من أجل التنازل. مع ذلك، يبدو أن التسوية القطرية حققت في أفضل الحالات تأجيلاً الاشتعال القادم لمدة بضعة أشهر. ورغم رضى الجيش الظاهر من العملية الأخيرة، إلا أنه لم يتغير الكثير في الظروف الأساسية في القطاع.
إحدى العقبات التي تقف أمام تقدم آخر تتعلق باحتجاز المدنيين الإسرائيليين وجنود الجيش في أيدي حماس. وأوضحت إسرائيل أن إعادة إعمار وتطوير القطاع مرتبطة بالتقدم في مسألة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين وحلها. وطالما يغيب مثل هذا الاتفاق، فسيبقى التقدم في مشاريع في مجال إعادة الإعمار محدوداً. الفجوة التي بين الطرفين كبيرة جداً في هذه الأثناء، فحماس تتوقع إطلاق سراح بضع مئات من السجناء الأمنيين، وهو إنجاز لا تنوي إسرائيل إعطاءه لها.
ضبط النفس النسبي الذي اتبعته إسرائيل مؤخراً في القطاع يتعلق بالعلاقات الوثيقة مع مصر. فبعد عدة لقاءات على مستويات رفيعة، أزالت إسرائيل يوم الخميس تحذيرها الخطير حول السفر إلى شبه جزيرة سيناء، بصورة يمكنها التسهيل على زيارة السياح الإسرائيليين هناك. إضافة إلى ذلك، تحتاج القاهرة إلى مساعدة إسرائيل في علاقتها مع واشنطن. إن إمكانية قيام الإدارة الأمريكية بتقليص 300 مليون دولار من المساعدة السنوية لمصر، البالغة 1.3 مليار دولار، بسبب خرق حقوق الإنسان هناك، ما زالت تقف على الأجندة. من ناحية أخرى، إسرائيل غير راضية عن إزالة مصر رقابتها على نقل البضائع إلى القطاع من خلال معبر رفح، بصورة قد تسمح لحماس بتهريب وسائل قتالية ومواد بناء إلى القطاع التي تحتاجها لتحسين قدرتها العملياتية بعد المواجهة الأخيرة.
ما الذي ستفعله إيران؟
يبدو في هذه الأثناء، أن إسرائيل وإيران عادتا إلى تبادل اللكمات في الساحة الشمالية. في بداية الشهر الحالي، هاجمت طائرات مسيرة إيرانية في الخليج الفارسي سفينة “ميرسر ستريت” التي تمتلكها شركة إسرائيلية جزئياً، وقتل في الهجوم اثنان من طاقم السفينة: مواطن بريطاني وآخر روماني. كان هناك توقع برد إسرائيلي في المجال البحري، لكن الرد (الذي لا تتحمل إسرائيل المسؤولية الرسمية عنه) جاء أخيراً من الجو في سوريا.
مساء الخميس، تم قصف معسكرات للجيش السوري في دمشق وحمص، مستهدفاً السلاح الإيراني المرتبط بحرس الثورة والمليشيات الشيعية التي تشغلها إيران هناك. أما الادعاءات التي عاد الجيش الروسي ونشرها أمس، التي تفيد باعتراض أغلبية صواريخ إسرائيل من قبل أنظمة الدفاع الجوي الروسية التي يستخدمها الجيش السوري، فلا يبدو أنها موثوقة.
إسرائيل هي التي بدأت المعركة البحرية ضد إيران قبل سنتين تقريباً. ويبدو اليوم أنها تفضل إدارة معركة بين حربين في مناطق أخرى، وتقليص الأحداث البحرية. تستمر الهجمات المتبادلة دون صلة بالمفاوضات حول المشروع النووي. ثمة انطباع لدى جهاز الأمن بأن الإدارة الأمريكية تسعى لاستئناف المفاوضات مع إيران حول اتفاق نووي جديد، في اللحظة التي تعطي فيها إيران إشارة على أنها مستعدة لذلك.
درجة تأثير إسرائيل في المفاوضات تبدو محدودة جداً، حتى عشية زيارة رئيس الحكومة نفتالي بينيت، للرئيس الأمريكي جو بايدن، الخميس المقبل في واشنطن. بالإجمال، تتعلق النتيجة بإيران أساساً: هل ستقرر التوقيع على اتفاق جديد ضمن الشروط التي سيقترحها الأمريكيون؟
لم تتدخل إسرائيل حتى الآن في محاولة لتشويش حركة الناقلات الإيرانية، التي تم إرسال أولها في نهاية الأسبوع الماضي عبر قناة السويس والبحر المتوسط إلى لبنان بهدف مساعدة توفير النفط للبنان. الوضع في لبنان يزداد خطورة. والجمعة، تم وقف تزويد الكهرباء كلياً عن أجزاء واسعة في لبنان، ولا تريد إسرائيل الظهور كمن يزيد الضائقة على السكان هناك. وتولد لدى الجيش الإسرائيلي انطباع بأن حزب الله، رغم إطلاقه الأخير لصواريخ من جنوب لبنان على هضبة الجولان قبل أسبوعين، يريد الآن تجنب احتكاك عسكري آخر.
تعيين موثق
إذا لم يحدث المزيد من تأخير اللحظة الأخيرة، فيتوقع أن يعلن رئيس الحكومة بينيت، في هذا الأسبوع، في موعد قريب من سفره إلى واشنطن، عن تعيين رئيس جديد للشاباك. سبق لبينيت أن عين مستشاراً للأمن القومي، الدكتور أيال حولتا، قريباً من موعد تسلمه لمنصبه. ولكنها المرة الأولى التي يطلب فيها منه تعيين أحد رؤساء أجهزة الأمن. فترة الخمس سنوات التي تولى فيها رئيس الشاباك الحالي، نداف أرغمان، كان يمكن أن تنتهي في أيار الماضي، لكن تم تمديدها لبضعة أشهر على خلفية الانتخابات وتغيير الحكومة.
رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، خطط لتعيين المستشار السابق للأمن القومي، مئير بن شباط، رئيساً للشاباك، الذي تسلم سابقاً وظائف رفيعة في الشاباك ويعتبر مقرباً منه. بالنسبة بينيت، فإن تعيين بن شباط خارج الأجندة. سيكون الحسم في هذه القضية بين مرشحين هما: النائب الحالي لرئيس الشاباك، الذي يسمى (بسبب قيود الرقابة) ر.، ونائبه السابق الذي سيسمى هنا ي. ويتقاسم النائب الحالي مع الشاباك خلفية مشابهة، في قسم العمليات بالجهاز. ترعرع النائب السابق في القناة الأكثر تقليدية لرؤساء الأجهزة كمركز للساحة الفلسطينية. وله أيضاً مهارة تكنولوجية وشغل مناصب في هذا المجال.
تشاور بينيت مؤخراً مع عدد من الشخصيات الرفيعة السابقة في المستوى السياسي والأمني قبل أن يتخذ قراره. وحسب مصادر مطلعة، فسيحسم الأمر بصورة موثقة. يعتبر المتنافسان مرشحين مناسبين للمنصب، وهناك إجماع كبير حول مؤهلات كل منهما. لذلك، لا يتوقع حدوث ضعضعة في الشاباك حول التعيين.