هآرتس: “خطة أفيتار”.. بين ائتلاف إسرائيلي هش وجيش “مبيّض” للبؤر الاستيطانية في الضفة

هآرتس – بقلم: عاموس هرئيل           “تميز الأسبوع الثالث لفترة ولاية حكومة بينيت – لبيد، بزيارتين سياسيتين: ناجحة في الخارج، وحل تصالحي قسري في البيت. قطف وزير الخارجية، يئير لبيد، ثمار اتفاق التطبيع الذي زرعته حكومة نتنياهو عندما دشن سفارة إسرائيل في الإمارات. وقام رئيس الدولة التارك رؤوبين ريفلين، بزيارة وداع ودية إلى الولايات المتحدة. وفي هذه المناسبة، اتفق على إرسال دعوة فريدة للبيت الأبيض لرئيس الحكومة، نفتالي بينيت. وحتى لو كان هناك أي شك لأحد في ذلك، إلا أن الشمس ستستمر في الشروق. استقبلت حكومة التغيير الإسرائيلية بأذرع مفتوحة في المجتمع الدولي.

الأمور في الداخل معقدة أكثر. الاتفاق المخيب للآمال، الذي تم التوصل إليه في هذا الأسبوع مع مستوطني البؤرة الاستيطانية غير القانونية “أفيتار” لا يعتبر ذريعة كافية لحل الائتلاف، الذي عملت مكوناته بجهد من أجل تشكيله. لذلك، تم إبعاد نتنياهو عن الحكم (وبالنسبة لإخلاء البؤرة الاستيطانية في شارع بلفور التي خطط لإخلائها في 11 تموز، سيضطر إلى الانتظار ورؤية ما سيحدث). يمكن تفهم رغبة بينيت – لبيد ورؤساء القوائم الائتلافية الأخرى في توفير الهدوء المصطنع على الإقليم إلى حين تمرير الميزانية خلال بضعة أشهر.

مع ذلك، تدل أحداث الأسبوع على اضطرار جناح اليسار – الوسط في الحكومة على التنازل والتصالح. ونجح المستوطنون في استغلال بينيت، ومن خلاله استغلال شركائه في اليسار. ويمكنهم أن يسجلوا لأنفسهم انتصاراً. ومثلما شرحوا، فإن الهدف هو إقامة مستوطنة جديدة بصورة تظاهرية. الاتفاق لا يلغي ذلك: صحيح أن السكان غادروا، لكن المباني الحجرية ستبقى على حالها. سيقيم الجيش الإسرائيلي موقعاً ثابتاً في البؤرة الاستيطانية، وسيتضح مستقبلها بعد استكمال فحص مكانة الأرض القانونية.

أول أمس، نشر أن وزير الدفاع بني غانتس، وجد نفسه وحيداً في المعركة. أصدقاؤه في الحكومة- أحزاب “يوجد مستقبل” و”العمل” و”ميرتس”- لم يتدخلوا في هذه القضية. وضغطت الوزيرة اييلت شكيد والوزير زئيف الكن، بدعم من بينيت، وتمت الموافقة على الاتفاق. أثار هذا التشخيص رؤساء أحزاب اليسار الأخرى. فحسب رأيهم، خلق لديهم غانتس انطباعاً بأنه يعالج البؤرة وسيعمل على إخلائها، ولم يطلب مساعدته على الإطلاق. والآن يريد إلقاء المسؤولية عليهم. سلوك وزير الدفاع، كما يعتقدون، ما زال مغروساً في رواسب الماضي، بسبب شعوره بالمرارة بسبب سحب مكانة رئيس الحكومة البديل منه في الحكومة الجديدة لصالح يئير لبيد، الذي يمكن أن يصل إلى المنصب رقم واحد في إطار الاتفاق مع بينيت.

وهو ليس الأمر الوحيد الذي يختلف فيه غانتس مع أصدقائه؛ فمحاولته لتشكيل لجنة تحقيق رسمية في قضية الغواصات تم صدها الآن. وزيران من وزراء العمل، ورئيسة الحزب ميراف ميخائيلي ونحمان شاي، اللذان عملا في السابق في “صوت الجيش”، طالبا بمناقش نيته إغلاق المحطة العسكرية معه. هما يعارضان إغلاق المحطة ويقولان بأن يكفي إجراء بعض التغييرات المطلوبة، وتعيين قائد جديد في الشهر القادم وتقليص سيطرة أبواق الحكومة السابقة، من أجل إعادتها إلى المسار.

نجح غانتس وبحق في صد نية بينيت التعهد للمستوطنين بإقامة مدرسة دينية في البؤرة الاستيطاني في آب المقبل للحفاظ على الطابع المدني في المكان. في نهاية المطاف، تم الاتفاق على إقامة المدرسة الدينية بعد استكمال الفحص القانوني. ولكن الجيش لم يتأثر من الاتفاق النهائي. على مدى السنين، رفض الجيش الإسرائيلي طلبات المستوطنين التي بحسبها سيتم استبدال بؤرة استيطانية تم إخلاؤها بحضور قوة عسكرية. هذا الحل الوسط لم تتم المصادقة عليه في السابق لأنه سيلزم الجيش بوضع قوة في مكان لا توجد فيه أي ضرورة عسكرية ويحوله إلى حارس للبؤر الاستيطانية غير القانونية. فوافق غانتس على ذلك وخلق سابقة خطيرة؛ لأن القوة قد تبقى في المكان لأشهر كثيرة إلى حين استكمال الفحص.

يبدو أن الخطوة الصحيحة المطلوبة، سواء من غانتس أو من رئيس الأركان أفيف كوخافي، هي التصميم على الإخلاء الفوري لـ”أفيتار” من الأرض التي أقيمت عليها في أيار. هذا الاتفاق حوّل الجيش الإسرائيلي إلى المبيض الرسمي للبؤر الاستيطانية، ويطمس الفرق بين الاعتبارات الأمنية والاعتبارات الاستيطانية. النوايا الحسنة مثل منع الإخلاء العنيف والحفاظ على استقرار الحكومة، أدت إلى استخدام مرفوض للجيش الإسرائيلي، مع خلق سابقة أكثر إشكالية.

         

حوار آخر

زيارة بينيت لواشنطن، كما يبدو في هذا الشهر، قد تكون قبل العودة المتوقعة للولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران. من الآن يبدو أن كوخافي، وفي أعقابه ريفلين، نجحا أثناء زيارة واشنطن في استئناف حوار أكثر موضوعية مع إدارة بايدن، الذي تم فيه طرح تحفظاتهما على الاتفاق الآخذ في التبلور.

ولكن تبين أن القرار النهائي حول الاتفاق الجديد في ملعب إيران، وأن النظام في طهران أقل حماسة للعودة إلى الاتفاق مما كان يظهر في البداية. قبل بضعة أسابيع، افترضت إسرائيل أن الأمريكيين يتجهون نحو الاتفاق، كما وجه بايدن مبعوثيه، وأن الإيرانيين سيوقعون لأنهم بهذا سيتحررون من العبء الكبير الذي فرضته عليهم العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترامب. الآن إيران تتباطأ، سواء بسبب استنتاجها بأن الاتفاق بات أقل إلحاحاً بالنسبة لها أو لأنها قدرت أن بإمكانها ابتزاز المزيد من التنازلات. كما أنها رفضت في الشهر الماضي تمديد مفعول الاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، الذي نظم زيارة المراقبين للمنشآت النووية.

في المحادثات النووية نفسها، بعد ست جولات في فيينا، لم يتم تسجيل أي تقدم ملموس. وحسب أقوال الأمريكيين، ما زالت الفجوة بين الطرفين كبيرة جداً. وحذر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، من اقتراب الولايات المتحدة من ترك المحادثات على خلفية تصميم إيران على مواصلة التقدم في تخصيب اليورانيوم. الإيرانيون يطالبون برفع جميع العقوبات التي فرضها ترامب، والأمريكيون يردون بالسلب حتى الآن.

في هذه الأثناء وبصورة استثنائية، صادق بايدن في بداية الأسبوع على هجوم جوي ضد مليشيات شيعية مؤيدة لإيران، على جانبي الحدود بين سوريا والعراق. وقد كانت مستهدفة في هذا الهجوم بنى تحتية لطائرات مسيرة استخدمها الإيرانيون بشكل دقيق ومؤلم ضد قواعد أمريكية في العراق. هناك صلة بين الأمرين. محرر “نيويورك تايمز”، ديفيد سنغر، كتب بأن لدى إيران الآن ترسانة من القدرات الجديدة التي لم تكن موجودة لديها عند التوقيع على الاتفاق الأصلي في 2015، مثل طائرات مسيرة دقيقة وصواريخ بالستية بمدى طويل ووسائل سايبر هجومية. وحسب قوله، أصبح من الواضح الآن أنه إضافة إلى اتفاق نووي جديد، فإن مطلوب اتفاق إضافي يعالج أيضاً موضوع زيادة القوة العسكرية لإيران، وكذلك مساعدة التنظيمات الإرهابية والعصابات في المنطقة.

       حول البلاغة والقيود

في الساحة الفلسطينية تم تسجيل أسبوع آخر من الهدوء الاستثنائي في القطاع، مقابل التوتر المتزايد في الضفة الغربية، لأسباب جزء منها غير مرتبط مباشرة بإسرائيل. في الأسبوع الأول للحكومة الجديدة تم إطلاق بالونات حارقة كثيرة على الغلاف، وادعت المعارضة حدوث هذا لأن حماس شخصت ضعف متخذي القرارات في القدس. هاجم سلاح الجو أهدافاً لحماس في القطاع، ومنذ ذلك الحين تم الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار، باستثناء بعض حرائق حدثت أمس. وحسب تقارير في وسائل الإعلام العربية، فقد تم في القاهرة استئناف المفاوضات غير المباشرة بين وفود إسرائيل وحماس بوساطة رئيس المخابرات المصرية، عباس كامل. كان الوفدان بجانب بعضهما، لكن كالعادة، لم يلتقيا بشكل مباشر. حسب طلب إسرائيل، تتركز المفاوضات الآن في مشكلة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين في القطاع. وإسرائيل تربط التقدم الحقيقي في إعادة تأهيل البنى التحتية في القطاع بتقدم حماس في إعادة جثامين الجنود الإسرائيليين والمدنيين المحتجزين على قيد الحياة في القطاع.

يبدو أن أحد أسباب الهدوء هو إدخال مصر إلى القطاع وبشكل ثابت -من خلال غض طرف إسرائيل- إرساليات كبيرة من البضائع في معبر صلاح الدين قرب رفح. تتستر حماس بذلك على القيود التي ما تزال إسرائيل تفرضها على الحركة في المعابر من أراضيها منذ انتهاء عملية “حارس الأسوار” في أيار. وإسرائيل تتجاهل إدخال البضائع معرفتها بإمكانية إدخال وسائل ومواد قد تستخدمها حماس في إعادة بناء قوتها العسكرية في القطاع. وكالعادة، ثمة فجوة بين الخطاب الواضح في أيام القتال، والقيود اليومية التي تمليها الرغبة في تجنب انفجار فوري آخر.

حتى الآن لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد على إدخال الأموال القطرية إلى القطاع، باستثناء التمويل المباشر من قطر لشراء الوقود. وفي ظل غياب حل يدمج الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية، فإن إسرائيل تقول إنها لن تسمح بمواصلة تحويل الأموال النقدية عبر حقائب إلى غزة. وفي ظل غياب اتفاق يضمن تحويلاً منظماً للأموال، فستكون المسافة قصيرة لتصعيد جديد، ربما في نهاية الصيف الحالي.

  ثمة مظاهرات واحتجاج ما زالت تجري بعيداً نسبياً عن الأنظار في الضفة الغربية عقب موت ناشط حقوق الإنسان نزار بنات في سجن السلطة الفلسطينية في الخليل، الأسبوع الماضي. لدى جهاز الأمن انطباع بأن السلطة نجحت حتى الآن من خلال استخدام قوة لا بأس بها في كبح الاحتجاج. ولكن القلق يتعلق بالمدى الأبعد: سلطة الرئيس محمود عباس هي سلطة أقل استقراراً مما كانت في السابق. وأصبح الصراع على الوراثة بين الخاضعين له يجري بشكل علني؛ وفوق كل ذلك، فغن تعاطف الجمهور في الضفة مع حماس يزداد على خلفية ما اعتُبر نجاحاً لحماس في الوقوف أمام إسرائيل في جولة القتال الأخيرة بغزة. وبعد أن يتم إخلاء بؤرة “أفيتار” ينوي الفلسطينيون مواصلة المواجهات العنيفة مع قوات الجيش الإسرائيلي التي ستبقى في المكان. يبدو أن الضفة بحاجة إلى مزيد من الاهتمام الإسرائيلي في الأشهر القريبة القادمة. وهذا مختلف جداً عن الظروف في السنوات الأخيرة، التي خلقت على الأغلب الشعور بأن السلطة الفلسطينية تسيطر على الوضع، لذلك لم يقتض الأمر نشاطاً عسكرياً استثنائياً من جانب إسرائيل.