هآرتس- بقلم: عاموس هرئيل ما زالت “موجة الإرهاب” في الذروة، حتى لو سجلت الآن فترة استراحة من العمليات في مراكز المدن منذ العملية التي جرت في تل أبيب الخميس الماضي. يواصل الجيش الإسرائيلي نشاطاً موسعاً في منطقة جنين، يكتنفه احتكاك مع فلسطينيين مسلحين. في الوقت نفسه، تحدث كل يوم محاولات لتنفيذ عمليات في أرجاء الضفة. قد يستمر التوتر الأمني حتى عيد الفصح في الأسبوع القادم، وثمة محفزات محتملة لاشتعال أكبر، ومواجهات في القدس أو قرار للجهاد الإسلامي بإطلاق الصواريخ من القطاع على الأراضي الإسرائيلية رداً على القتلى الفلسطينيين في مواجهات داخل الضفة.
مجموعة أحداث الأيام الأخيرة تدل على وتيرة متزايدة للأحداث، ففي مغارة الماكفيلا [الحرم الإبراهيمي] بالخليل، أطلق رجال شرطة النار على فلسطينية وقتلوها بعد أن طعنت شرطياً وأصابته إصابة طفيفة؛ وفي قرية حوسان غربي بيت لحم، قتل الجنود الإسرائيليون أمّاً فلسطينية، التي حسب قولهم “اقتربت منهم بصورة مشبوهة”؛ وقرب عسقلان أطلق قائد لواء في الجيش النار على شخص اختطف السلاح من جندية وتبين فيما بعد أنه يهودي هرب من مستشفى للأمراض النفسية؛ وفي جنوب بيت لحم تم قتل فلسطيني كان ألقى زجاجة حارقة؛ وفي جنين أطلق الجنود النار على سيارة كان فيها اثنان من أخوة المخرب الذي نفذ عملية تل أبيب، وهرب الأخَوان ولكن راكب الدراجة الفلسطيني الذي أطلق النار على القوات الإسرائيلية أُطلق عليه النار وقُتل؛ أما في نابلس فقام فلسطينيون بأعمال شغب، حيث أحرقوا وتسببوا بأضرار بقبر يوسيف، وحاول إسرائيليان التسلل إلى القبر، فأطلقت عليهما النار وأصيبا إصابة طفيفة من قبل الفلسطينيين. هذا هو الحصاد الدموي الذي بلغ خمسة قتلى خلال 48 ساعة تقريباً.
ما زال المشاركون في معظم هذه الأحداث أفراداً، يعملون بشكل عام أيضاً بتأثير ظروف شخصية صعبة أو خلايا محلية صغيرة. ولكن التنظيمات الفلسطينية الآن تنتظر وراء الزاوية. من الواضح لأجهزة الأمن الإسرائيلية أن العمليات المتواترة في منطقة جنين، التي خرج منها المخربون في ثلاث عمليات من العمليات الخمس المركزية، ستجذب إلى المدينة، خصوصاً لمخيم اللاجئين، مقاومة مسلحة من جانب نشطاء المنظمات. الجهاد الإسلامي هو التنظيم العسكري الأقوى في المنطقة، لكن هناك منافسة، إلى تجانب التعاون، مع حماس ومع الذراع العسكرية لفتح.
وفق تقديرات الوضع التي تجريها القيادة الأمنية العليا قيل إن العمليات في جنين في الفترة القريبة القادمة تقتضي تعاملاً لطيفاً. مخيم اللاجئين رمز للمقاومة الفلسطينية، ولقيادات التنظيمات مصلحة في التصادم فيه مع الجيش الإسرائيلي بصورة تذكر بالعملية التي وقعت في عملية “السور الواقي” قبل عشرين سنة بالضبط. للسلطة الفلسطينية مشكلة سيطرة متواصلة في شمال الضفة، لا سيما في مخيم جنين للاجئين وفي منطقة نابلس. منذ سنوات والأجهزة الأمنية الفلسطينية تواجه صعوبة في العمل هناك خوفاً من مواجهة مع نشطاء مسلحين. قبل بضعة أشهر، تم التنسيق مع الأجهزة لعملية في جنين بدعم من إسرائيل، لكن نجاحها كان جزئياً. في شباط، وللمرة الأولى منذ نصف سنة، عادت قوات الجيش الإسرائيلي إلى عمليات الاعتقال في المخيم. حجم العمليات ووتيرتها أكبر الآن، ويحدث هذا لأن هناك أهدافاً بقيت أمام الجيش، تطرح أسماء المزيد من النشطاء على اعتبار أنهم يعملون في تخطيط العمليات، ولأن إسرائيل وجدت لنفسها ساحة يمكن أن تتصادم فيها مع الفلسطينيين. في بداية موجة العمليات، تولدت خيبة أمل في جهاز الأمن عقب غياب أهداف للضرب؛ كون المخربين الأخيرين من منطقة جنين خلق لإسرائيل و”الشاباك” عنواناً للرد.
المشكلة التي هي في طور الإمكان تتعلق بتداعيات عدد القتلى الفلسطينيين، الذي لا يعرفه الجمهور الإسرائيلي. موت النشطاء المسلحين في جنين يعزز روح المقاومة ويوسع دائرة الثأر، هذا هو السبب الذي من أجله طلب وزير الدفاع بني غانتس، التركيز على إحباط تنفيذ العمليات وليس الانجرار إلى عمليات استعراضية تصعّب الأجواء دون حاجة لذلك. تركّز العمليات في جنين قد يؤدي في نهاية المطاف إلى عملية أوسع وأطول في المدينة ومحيطها. وكان جهاز الأمن يفضل حدوث ذلك بعد انتهاء شهر رمضان، لكن استمرار المواجهات سيسرع بدايتها.
في الوقت نفسه، تنظر إسرائيل إلى ساحتين بقلق: الأولى هي القدس التي تعيش هدوءاً نسبياً في هذه الأثناء، بفضل التعامل الحذر والمسؤول حتى الآن من قبل شرطة اللواء. الثانية هي قطاع غزة، فقد اعتاد الجهاد الإسلامي الرد على قتل نشطائه في جنين ونابلس بإطلاق الصواريخ من القطاع على إسرائيل. لكن حماس تستخدم في هذه الأثناء ضغطاً كبيراً على الجهاد في غزة لتجنب انضمامه للمعركة. رئيس حماس في غزة، يحيى السنوار، يتحدث بين حين وآخر مع الأمين العام للجهاد زياد نخالة الموجود في بيروت. وكلما ازداد عدد القتلى في الضفة، فمن المرجح أن تجد حماس صعوبة في مواجهة سياسة الاحتواء، وقد تطلق العنان للجهاد أو حتى لنشطائها وتسمح لهم بإطلاق الصواريخ.
رغم العمليات، لم يغير الجيش و”الشاباك” توصياتهم للمستوى السياسي بعدم منع دخول العمال الفلسطينيين إلى داخل الخط الأخضر (حتى لو كان من المرجح فرض إغلاق في فترة عيد الفصح). الادعاء الرئيسي أن الجمهور الفلسطيني الواسع لم ينجر حتى الآن إلى موجة العمليات، وأن منع دخول العمال إلى إسرائيل سيدفع الكثير من الأشخاص إلى العنف. في المقابل، بعد سنوات من التأجيل والتملص، بدأ جهاز الأمن بمعالجة ترميم جدار الفصل في خط التماس. صادق “الكابنت”، الأحد الماضي، على خطة لإصلاح الجدار في المنطقة بين سالم في جنين، وبت حيفر، بتكلفة 360 مليون شيكل.
الهدف إقامة جدار يعتمد في جزء منه على جدار إسمنتي مرتفع بطول 40 كم. وليس صدفة أن يكون هذا هو المقطع الأول في الضفة الذي بدأ العمل فيه في صيف 2002 بعد عملية “السور الواقي”. الإهمال الإسرائيلي والتخريب المتعمد من قبل عمال فلسطينيين أرادوا الدخول إلى إسرائيل بدون تصاريح، منعا الجدار أن يؤدي الغرض منه. لم يتقرر بعد ما إذا كان سيتم إغلاق الفتحات الواسعة التي لم تغلق في يوم ما جنوبي الضفة وصحراء يهودا. مشروع الجدار يظهر الآن مثل مشروع أبدي، ولن يتم الإعلان عن نقطة نهايته.