قالت صحيفة “هآرتس” العبرية، الجمعة، إن ما يقلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بشكل أساسي في الفترة الحالية هو خطر تكرار تجربة ظهور مجموعات مسلحة جديدة في الضفة الغربية لا تتبع للفصائل الموجودة، على غرار مجموعة “عرين الأسود” التي تنشط في نابلس ونفذت هجمات إطلاق نار أدت لمقتل جندي وإصابة آخرين وحاولت تنفيذ عمليات داخل الخط الأخضر.
وأشارت الصحيفة في تقرير لها، إلى أن هذه المخاوف كانت موجودة قبل إعلان تسليم 4 من نشطاء “عرين الأسود” أنفسهم لأجهزة الأمن الفلسطينية، ولكنها ازدادت بعد هذه الخطوة المفاجئة والتي أتت بعد العملية العسكرية ضد نشطاء المجموعة منذ أيام في نابلس واستمر التخطيط لها نحو أسبوعين، وسبقه اغتيال ناشط بارز بدراجة نارية، وهو ما يشير للضغوط الإسرائيلية التي أدت بهم إلى اتخاذ مثل هذا القرار.
وتساءل عاموس هرئيل المراسل والمحلل العسكري لصحيفة “هآرتس”، في تقريره بالصحيفة، فيما إذا كان تسليم بعض النشطاء أنفسهم يعبر عن تغيير جوهري في الوضع بمدينة نابلس؟، ليجيب: “من الواضح أن إسرائيل اعترفت بالتنظيم باعتباره تهديدًا حقيقيًا، بالنظر إلى الشعبية التي اكتسبها في الضفة الغربية وتورطه في عدة هجمات، ومن الواضح أيضًا أن إسرائيل تمارس ضغوطًا شديدة عليه من خلال عملياتها الأخيرة”.
ويرى هرئيل أنه فيما إذا كانت “عرين الأسود” فكرة أكثر من كونها منظمة، فهذا يعني أنه لن يكون هناك مانع أمام انضمام ناشطين جدد إليها أو تشكيل خلايا أخرى، وهو الأمر الذي يقلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، لافتًا إلى أنه تم بالفعل تسجيل محاولة تأسيس مجموعات مماثلة في طولكرم وبيت لحم.
ويقول: “في الشهرين الماضيين، أصبح نشطاء البلدة القديمة في نابلس نوعًا من نجوم موسيقى الروك المحليين .. يتابعهم عشرات الآلاف من الفلسطينيين بالضفة الغربية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والتي يوثقون من خلال مقاطع فيديو يتم تحميلها على تيك توك، العمليات التي ينفذونها، مدعومًا ببيانات مفصلة يتم نشرها عبر تيلغرام”.
ويشير إلى أنه في جنين، كشف عن مجموعة مسلحة جديدة حاولت الانفصال عن “كتيبة جنين”، وامتدت من هناك إلى نابلس ما أثار قلق الشاباك أكثر بسبب قرب المدينة من المستوطنات، وهو الأمر الذي استغله من قبل “عرين الأسود” ونفذوا نحو 20 هجومًا بالرصاص على الطرقات ونقاط التفتيش وقاموا مؤخرًا بوضع عبوات ناسفة عند بعض المستوطنات، وبدأوا يجهزون المتفجرات وتعرضوا للعديد من حوادث العمل الداخلية ما أدى لإصابة بعضهم بجروح.
ويشير إلى انتشار الأسلحة بكثافة في جنين ونابلس، وهو ما دفع إسرائيل بالتحرك المنهجي ضد تهريبها من وسجلت نتائج إيجابية في ذلك، لكن في المقابل هناك الكثير من الأسلحة المنتشرة على نطاق واسع بالضفة وبين فلسطينيي الداخل، مشيرًا إلى أن عدد الهجمات التي وقعت يشبه الموجة الحالية بالموجة التي وقعت عام 2015 مع اختلاف أن الأخيرة كانت بتنفيذ عمليات “طعن”، والحالية فقط من خلال إطلاق النار ما أدى لمقتل 17 إسرائيليًا بينهم 5 جنود، وذلك منذ بدابة العام.
ويقول هرئيل: “هذا تطور جديد في النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، لكنه يحتوي أيضًا على تحدٍ للسلطة وحتى ضد حماس، رغم أن جميع الفصائل القائمة تحاول الإبحار في “عرين الأسود” وضمها لها، وهذا دفع السلطة قبل أسابيع لاعتقال الناشط في حماس مصعب اشتية بعد أن تبين أنه يعمل على وضع التنظيم تحت جناح منظمته”، مشيرًا إلى أن حماس حاولت تمويل المجموعة التي تنشط في نابلس بالأسلحة والمتفجرات، إلا أنها فضلت الحفاظ على استقلاليتها.
ويرى هرئيل أن الحصار على نابلس أصبح أقل اهتمامًا بالنسبة لنشطاء “عرين الأسود”، وبما أن هذه الظاهرة أصبحت شائعة، فإنه من المبكر الحديث عن سحقها على الرغم من العمليات الإسرائيلية الناجحة مؤخرًا، وتسليم بعض نشطائها الأساسيين نفسهم للسلطة الفلسطينية.
ويقول: “الواقع في الضفة الغربية لا يزال غير مستقر وسيطرة السلطة في الشمال فضفاضة، وفي ظل هذه الظروف، لا يزال على المرء أن يستعد لاحتمال وقوع هجمات إضافية، سواء كانت انتقامية أو في محاولة لإملاء الأجندة الإسرائيلية قبل الانتخابات”.
وأشار للعمليات المكثفة كل ليلة للجيش الإسرائيلي في مدن الضفة لتنفيذ اعتقالات بهدف إحباط هجمات يخطط لها، مشيرًا إلى أن هناك محاولات لإعادة الاستقرار عشية الانتخابات، لكن هذه العمليات تجري في ظل إدراك قاتم أن الوضع في الضفة الغربية يمكن أن يزداد سوءًا، خاصة في ظل عدم الاستقرار الداخلي في رام الله بشأن خلافة الرئيس محمود عباس. كما يقول.
ولفت إلى أن المؤسسة الأمنية ترفض بشدة الدعوات التي تخرج من اليمين لشن عملية “السور الواقي 2″، باعتبار أنه لا يوجد مجال للمقارنة بين تلك الفترة والمخاطر الحالية، لافتًا إلى أنه من المرجح أن تستمر العمليات في نابلس مع نشاط موازٍ من السلطة الفلسطينية، ومن المحتمل أن نشهد قريبًا جهودًا مماثلة في جنين أيضًا.
ويختم هرئيل: “من الممكن أن يواجه الفلسطينيون والإسرائيليون واقعًا مستمرًا من القتال شبه المستمر، قد يكون أقل حدة من أيام الانتفاضات، ولكنه أكثر حدة مما اعتدنا عليه في العقد ونصف العقد الماضي، ولم يتضح بعد ما هو دور حماس في هذه اللعبة .. منذ بداية آب / أغسطس، وخلال ثلاثة أيام من القتال بين إسرائيل والجهاد الإسلامي، التزمت الحركة التي تسيطر على القطاع الصمت، وربما يتعلق الأمر بدخول العمال، وكذلك بالجهود المصرية لتنظيم بدء التنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط قبالة سواحل قطاع غزة”.
صحيفة “القدس