كتيت د. امینة سلیماني:
د. امینة سلیماني
فاطمة سلمان پور
الحرب المعرفية هي عملية داخلية وبدون مواجهة جسدية، فهي تستهدف العقل والقوة المعرفية للمجتمع من أجل تحقيق التفوق من خلال إدارة التصورات والتغيير والتأثير على اتجاهات ومعتقدات وآراء وأهداف وقيم المجتمع . في الواقع، واستنادا إلى تعاليم القرآن الكريم، تركّز الحرب المعرفية على ثلاث نقاط رئيسية:
ج: الأسس الوجودية والبصيرة والإيديولوجيا وفلسفة الحياة
ب: هياكل النظام الفكري والسلوكي وأسلوب الحياة
ج: كفاءة ووظائف النظم الفكرية والسلوكية.
هذه الحرب عبارة عن مزيج من عمليات أمنیة معلوماتیة مثل الغطاء والخداع والاستقراء والعمليات النفسية بالأدوات الرقمية والوسائط وتكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات والعلوم المعرفية؛ أنه في فترة قصيرة وبأسلحة الإقناع والخداع المعرفي والتلاعب بالمعرفة والوعي والإنكار وصرف الانتباه عن القضايا الأساسية وتأجيل أولويات المجتمع وإحباط وتشويه السمعة وتخييب الآمال وتکفیر التقديس وتدمير التوقعات سيتمّ تدمير شرعية وعادات المجتمع المستهدف، وسيؤدي إلى تحول اجتماعي وفي النهاية انهيار رأس المال الاجتماعي والثقافي والديني والاقتصادي لصالح العدو.
ونظراً للتخفي والاختراق السريع لما يسمى بالحرب الناعمة، لابد من الانتباه إلى تيارات النفوذ والنفاق في العالم في الحرب الناعمة والمعرفية، واتخاذ النهج المناسب تجاه مواقفها.
وفقا لهذا التمهيد، ينبغي القول أن أحدى المكونات المهمة التي لا يمكن إنكارها في هندسة “الحرب المعرفیة الهجينة ” هي مجال “الحرب المعرفية والإدراكية”. وكما ذكرنا سابقاً فإن الحرب المعرفية تستهدف القوى المعرفية والإدراكية لأفراد مجتمع ما وتحاول الانخراط في العمليات النفسية أكثر من أي شيء آخر في معركة تحبس الأنفاس مع الخصم وتفرض روايتها على الفئة المستهدفة في الواقع، النقطة الأساسية في الحرب المعرفية هي الإدراك وكيفية فهم تلك الأحداث أكثر أهمية من الأحداث على أرض الواقع. لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو، كيف يحدث هذا التلقی للأحداث؟ ردا على ذلك، ينبغي القول أن تلقي الأحداث هو في الواقع “مبني”. بمعنى آخر، المنصة الرئيسية في الحرب المعرفية هي المنصة الإعلامية و مواقع التواصل الاجتماعی التي تخلق الانطباع الذي يرغب فيه كاتبو السيناريوهات ومصممو المعارك، وتعمل على تغییر الادراکي و المعرفي علی أفراد المجتمع المستهدف.
وهنا ينبغي النظر عن كثب وعمق إلى مشهد الحرب في غزة والتفكير في ما هو السيناريو الذي كانت ستواجهه إسرائيل بالتوازي مع الحرب العسكرية وهل كانت قادرة على الانتصار؟
تشير كل مؤشرات حرب غزة إلى أن الكيان الصهيوني حاول بدء حرب معرفية ضد حماس منذ اليوم الأول للحرب، إلى جانب قصف المدنيين والمدارس والمساجد والمستشفيات والبنى التحتية، و ضمن ارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية، في الوقت نفسه، قدم أيضًا روايات متعارضة، ذكرت في القرآن بالتحريف والضلال والإغواء. على سبيل المثال، بالنسبة لبداية الإبادة الجماعية في غزة، ضخت رواية تدل علی أن لإسرائيل الحق في “الدفاع المشروع” وأن الفصائل الفلسطينية هی التی شنّت الحرب في عملية 7 أكتوبر (طوفان الأقصى) متجاهلة 75 عاما من الحرب والجرائم والقتل التی ارتکبها الکیان الصهیونی الغاصب علی الشعب الفلسطینی، أو عندما ارتكب كيان الاحتلال الجريمة الكبرى المتمثلة في قصف مستشفى المعمداني، حاول الاعلام الصهیونی على الفور وضع هذه الرواية المزعومة في وسائل الإعلام بأن فصائل المقاومة و من ضمنها حرکة حماس هی المسؤولة عن مهاجمة المستشفى! لكن مع کل هذه الهجمات المعرفیة الهادفة ، انكشفت الحقيقة ؛ بان الفيديو المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي الذی یتهم فيه فصائل المقاومة الفلسطينية يعود لعام 2022! لذلك، بعد عملیات طوفان الأقصى، انهزم الکیان الصهيوني ليس فقط في الحرب الامنیة والميدانية، بل أيضاً في الحرب المعرفية والإدراكية، ولم يتمكن من توجیه الرأي العالمي العام لصالحه، ووصل إلى حد حيث حذر حتى رئيسا وزراء إسبانيا وبلجيكا نتنياهو وقالا إن عيون العالم مفتوحة على غزة وعليه أن يوقف الحرب والقتل و من سوء حظ الصهاينة أنهم ظنوا من خلال الاعلام العبری – الغربی و الحرب المعرفیة -الادراکیة ان یغطوا علی جرائمهم فی ابادة الشعب الفلسطینی فی غزه ، لكن باءت خططهم بالفشل، وحجم جرائمهم لا يمكن تطهيره بالسيناريو الصهیونی، ولم تقف المقاومة مكتوفة الأيدي، وفي بعض الحالات استطاعت إظهار الوجه الوحشي الصهیونی فی محاولات اعلامیة لها، مثل صورة المؤتمر صحفي ظهر فيه أطباء وممرضو مستشفى المعمداني بين جثث الشهداء، و ایضا استشهاد صحفیین المقاومة و اظهار سردیة فصائل المقاومة الفلسطینیة الحقیقیة من خلال نشر مقاطع تبادل الاسری أفشلت خطط الاعلام الغربی- العربی و ادی تغلب السردیة الفلسطینیة الی هزیمة الکیان الصهیونی فی الحرب المعرفیة و الادراکیة علی حرکة حماس.
ويجب أن نفهم تماماً أن الحرب الإعلامية والمعرفية هي مقدمة لبداية كل الحروب فی العصر الحالی. ولذلك فإن الإلمام بمجال الحرب المعرفية والعناصر المستخدمة فيه أمر مهم. إن وسائل الإعلام العالمیة ، بما لديها من فضائيات ومرافقة الرأي العام لها، لم تسمح لفلسطين بالدفاع عن نفسها خلال الفترات الماضية، لكن في حالة الهجوم على مستشفى غزة، فإن الحضور القوي لبعض الدول و وسائلها الإعلامیة، مثل الجزائر، استطاعت فلسطین أن تدافع عن نفسها. فأجاد الاعلام الجزائری الدفاع عن فلسطين و مظلومیتها.
و الموضوع الذي يمكن تسليط الضوء عليه بشكل منفصل في هذا الصدد هو دور وسائل التواصل الاجتماعي أمام وسائل الإعلام الرئيسية. إن ما تسبب في تأثر الخطاب السائد في وسائل الإعلام الرئيسية في الدول الغربية هی وسائل التواصل الاجتماعي و باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بدأ المواطنون في التشكيك برواية وسائل الإعلام الرئيسية في بلدانهم، وقد تسبب هذا الحدث في التآزر وزيادة فضول الجمهور وفي النهاية كسر الرواية الصهیونیة السائدة.
وأخيراً لا بد من القول إن المجتمعات الإسلامية يجب أن تأخذ موضوع الحرب المعرفية على محمل الجد، وأن تتحلی بتقنیات الردّ عليها، حتی تتمکن من الاستحواذ علی الرای العام لصالح ایدئولوجیاتها.
لذلك لا بد من تعزيز المنصات ووسائل الإعلام في منطقة غرب آسیا للرد علی عملیات الحرب المعرفیة و الادراکیة التی یشنها العدو علی مجتمعاتنا الاسلامیة .