تُصرّ عائلة الفتى أمجد أبو سلطان (14عاما)، الذي قتله الجيش الإسرائيلي منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على أن ابنها ذهب ضحية مخطط مقصود لإعدامه بدم بارد، نفذه ضابط مخابرات إسرائيلي.
وقُتل أبو سلطان قرب الجدار الفاصل الإسرائيلي المقام على أراضي بلدة بيت جالا غربي مدينة بيت لحم (جنوب)، بذريعة إلقاء قنابل حارقة على الجدار.
لكن والده أسامة أبو سلطان، يتهم ضابطا في جهاز المخابرات الإسرائيلية (المعروف باسم الشاباك)، بالمسؤولية الكاملة عن قتله عبر استدراجه من خلال محادثات معه، تمت عبر تطبيق فيسبوك.
ويقول والده، في حديث لوكالة الأناضول إن ضابطا إسرائيليا “استفز، واستدرج، وقتل” نجله.
واحتجز الجيش جثمان الفتى، لأكثر من شهر، ثم سلمه يوم 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ودُفن يوم الجمعة الماضي.
ويفنّد أبو سلطان الرواية الإسرائيلية، والتي تدعي أنه قتل حينما كان يقذف زجاجات حارقة على شارع تمر منه سيارات المستوطنين، مستندا لمحادثات بين الضابط الإسرائيلي المسؤول عن منطقة بيت لحم في جهاز “الشاباك” والذي يطلق على نفسه اسم “وسام أبو أيوب”، ونجله، عثر عليها بعد مقتله.
ويوضح أن الضابط نشر على حسابه في “فيس بوك” عقب مقتل أمجد، تغريدة قال فيها “الشهيد أمجد أبو سلطان كان يهدد وكان يطب (يهاجم) في أمن الدولة…احفظوا أولادكم بعيدين عن الشر”، وهو ما يؤكد رواية العائلة.
ونشر الضابط على حسابه، صورة يبدو أنها مُجمعة من محادثات جرت بينه وبين الفتى الفلسطيني.
ويمتلك ضباط المخابرات الإسرائيليون، المسؤولون عن المدن الفلسطينية المحتلة، حسابات على موقع فيسبوك، باللغة العربية، تحت أسماء مستعارة، ويخاطبون من خلالها السكان الفلسطينيين.
وفي تحقيق نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية يوم الجمعة الماضي، أكد ناطق باسم الشاباك أن الحساب المذكور يعود بالفعل لأحد ضباط الجهاز.
ولاحقا، وبعد أسبوعين من مقتل أبو سلطان، وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول، نشر الضابط المذكور تدوينة، أعلن فيها انتقاله لعمل آخر.
**البداية
بحسب والد الفتى “أمجد”، فقد بدأت عملية استدراج ضابط المخابرات لابنه، منذ 13 أغسطس/ آب الماضي، بعد أن اعتقل الجيش الإسرائيلي مجموعة من الفلسطينيين بينهم الفتى أدهم أبو سرور (صديق أمجد).
وعند الساعة الرابعة من مساء ذات اليوم، تواصل الضابط الإسرائيلي مع أبو سلطان عبر محادثات فيس بوك، بحسب الوالد.
وجاء في المحادثة التي عرضها أبو سلطان من الهاتف المحمول الخاص بابنه، أمام فريق الأناضول “اعتقلنا أدهم، لأنه بساوي (يفعل) كثير، وأنت (أمجد) لا تُهمني”.
ورد أمجد بإرسال شارة “أعجبني”.
يقول أبو سلطان إن الضابط الإسرائيلي بقي يستفز نجله، الأمر الذي دفعه للذهاب لشارع الأنفاق وضرب عبوات حارقة على الجدار.
ويتساءل الوالد: “كيف لضابط أن يراسل طفلا ؟!، هذا تلاعب واستفزاز، بطفل في هذا العمر”.
**تعمد بالقتل
يقول أبو سلطان، إن شهود عيان من المنطقة القريبة من مكان استشهاد نجله، أفادوا أن “قوات من الجيش عملت على تمشيط الموقع الذي استشهد فيه أمجد في صباح يوم الحادث (14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي)، وبصوره غير عادية، نصب كمينا من قبل ثلاثة مجموعات من القوات الخاصة في الموقع”.
يتابع: “كان الجيش ينتظر أمجد، يبدو أن الضابط قرر اغتياله في ذلك اليوم”.
وقال: “أمجد وصل الموقع برفقة صديق له، مشيا على الأقدام ليلا، قطع جبلا على ضوء هاتفه، تركه الجيش حتى وصل الموقع، وعندما أشعل العبوة أطلق عليه الرصاص من مسافة لا تزيد عن ثلاثة أمتار، وأصيب بأربعة رصاصات”.
واتهم أبو سلطان الضابط المُعرف عن نفسه بـ”وسام أبو أيوب” بارتكاب جريمة قتل نجله الفتى.
وقال: “كان بالإمكان اعتقال أمجد، أو تحييده، لكن يبدو أن هناك قرار بإعدامه”.
وفي صور يعرضها الوالد لموقع الجريمة تظهر موقع استشهاد في منطقة منخفضة عن جدار الفصل الإسرائيلي، ويبعد نحو 30 مترا عن الشارع الذي تمر عبره المركبات الإسرائيلية”.
ويشير إلى أن الفتيان يقذفون الزجاجات الحارقة، على الجدر المرتفع نحو 8 أمتار، كـ”رسائل احتجاجية” فقط، ولا يشكلون أي خطرا على الإسرائيليين.
وقال: “أمجد ذهب تحت تأثير الاستفزاز الذي تعرض له، وذهب على ما يبدو تحديا للضابط، المكان الذي استشهد فيه يخبرنا بالحقيقة، حيث أنه موقع لا يمكن لطفل بعمر 14 عاما ولا حتى لرجل بالغ أن يتسبب بأي ضرر للمركبات الإسرائيلية”.
ويعتزم الوالد المضي قدما في “فضح إسرائيل، ومساءلة ومحاكمة الضباط والجنود”.
وقال “سوف أتوجه للمحاكم الإسرائيلية والدولية وفي أي مكان يمكن أن نحاسب القتلة”.
**جريمة مكتملة الأركان
من جهته، أكد المحامي فريد الأطرش، مدير مكتب الهيئة المستقلة لحقوق الانسان في بيت لحم (ديوان المظالم-رسمية)، صحة اتهام والد الفتى أبو سلطان.
وقال الأطرش لوكالة الأناضول: “إن قتل أبو سلطان جريمة مكتملة الأركان”.
وأضاف: “ما حدث جريمة، وانتهاك لحقوق الأطفال، وحقوق المواطن الفلسطيني، واعتداء صارخ، وتقع في إطار القتل خارج القانون، والقتل العمد، بعد استدراج لكمين”.
وبيّن الأطرش، أن “التشريح الطبي أظهر أن الفتى أبو سلطان قتل برصاص أصابه من الخلف، مما يعزز فرضية وجود كمين في الموقع”.
وقال: “الجريمة مكتملة الأركان، وقد كان بالإمكان اعتقاله، لكن يبدو أن هناك قرارا إسرائيليا بقتله”.
وأوضح أن الهيئة المستقلة بالتعاون مع العائلة والجهات الفلسطينية المختصة، تعد ملفات لمحاسبة المتسببين بمقتل أبو سلطان.
ودعا إلى إجراء “تحقيق جنائي وحقوقي بالجريمة، من أجل وقف سياسة اليد (الإسرائيلية) الخفيفة على الزناد، ورفع الصوت لوقف التجاوزات الإسرائيلية بحقوق الإنسان”.
الأطرش زار الموقع الذي استشهد في أبو سلطان، برفقة فريق وكالة الأناضول، وقال “المكان يُظهر أنه لم يكن يُشكّل أي خطر، لا على قوات الجيش ولا المركبات الإسرائيلية”.
ولفت إلى أن عملية قتل أبو سلطان، هي رسالة تفيد “بأن من يقترب من الموقع سوف يقتل”.
**تعمد بالقتل
ويؤيد وديع شاهين (صديق الشهيد أبو سلطان)، اتهام والده والمحامي الأطرش، لإسرائيل بتعمد استدراج “أمجد” بغرض قتله.
وقال شاهين (14 عاما) لوكالة للأناضول: “قتله الجيش الإسرائيلي بشكل متعمد، استُدرِج، وقُتل، قام الضابط الإسرائيلي باستدراجه، وعندما وصل بالقرب من جدار شارع الأنفاق قُتل”.
وأضاف: “أمجد كان طفلا نشيطا، كثير الحركة، يحب الحياة، ويحب أصدقائه”.
وعادة ما يشارك أبو سلطان بحسب “شاهين” في المناسبات الوطنية في كافة مناطق محافظة بيت لحم، وكثير من المواطنين يعرفونه.
ووفق توثيق وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية “وفا”، فقد قتل الجيش الإسرائيلي 17 فلسطينيا تقل أعمارهم عن 18 عاما خلال 2021، في حين تؤكد تقارير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة استشهاد 67 طفلا في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو/أيار الماضي.