انفتاح البعض على نظام دمشق من أجل التوازن مع النفوذ الإيراني ودعوة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى عودة النظام إلى الجامعة العربية، والتغاضي الأمريكي عن مشروع الغاز المصري شكل هواجس حقيقية لدى المعارضة والدول الإقليمية من خطورة قبول نظام الأسد كما هو عليه من تصدير للأزمات وقتل وتشريد الملايين من السوريين.
وعلى الرغم من كل هذه الرسائل المريبة لعودة النظام عربيا وإقليميا، كانت العيون تتجه إلى موقف المملكة التي يرى فيها السوريون جميعهم من كل الأطراف الكلمة الفصل في قبول الأسد، وهي الركن العربي القادر على قيادة الدفة العربية في أية محاولة لتأهيل الأسد، إلا أن موقف المندوب السعودي عبدالله المعلمي في الأمم المتحدة وحديثه الواضح الذي قال فيه: «لا تصدقوا النظام السوري الذي يقول إنه انتصر ويقف زعيمهم فوق هرم من جماجم الأبرياء مدعياً النصر العظيم»، في إشارة إلى بشار الأسد، ليقضي على أية تكهنات حول التطبيع مع هكذا نظام.
ولكن ماذا عن الأسد، السؤال الذي لم تتبلور الإجابة عنه بشكل دولي ولا حتى إقليمي، هل يطوي العالم 10 سنوات من القتل والدمار وتصدير الأزمات؟!، وما الفائدة من إعادة تأهيل هذا النظام؟! وهل فعلا نظام الأسد حالة مؤقتة أم أن المساومات السياسية ستجعل منه حالة دائمة؟
هناك من يقول أن النظام بعد 10 سنوات من الحرب يتصرف وكأن شيئا لم يكن وهو يمارس كل صلاحياته ونفوذه ويسيطر أمنيا وسياسيا واقتصاديا على كل مفاصل الحياة في مناطقه خصوصا في دمشق، وهذا صحيح، إذ إن النظام طالما كان منفصلا عن الواقع ولو لم يكن منفصلا عن الواقع لما بقي بعقلية وبسلوك ما قبل الحرب، زد على ذلك أن هذا ليس مصدر قوة في الأنظمة الديكتاتورية، فالراحل صدام حسن خرج في وسط بغداد ومن حوله آلاف المؤيدين والمصفقين وبعد يومين سقطت العاصمة.
المسألة مع النظام السوري أعقد بكثير في الوقت الحالي، فهذا النظام الذي يمكن أن نسميه نظام «الأذى الإقليمي» يعيش على حالة البلطجة الأمنية وعلى تناقضات المصالح الإقليمية والدولية والقلق من الفراغ الأمني ولعل هذه الورقة الرابحة لدى النظام، في ظل ضعف تدبير المعارضة ووجود مناطق هشة من حيث الحوكمة والأمن وبالتالي يستعين بالمنظومة الأمنية لإظهار سيطرته وهدوء المناطق التي يسيطر عليها، لكن هذا ليس على أساس الدولة الآمنة ولكن على أساس الدولة البوليسية المهددة التي كانت قبل اندلاع الثورة.
إن عودة الهدوء إلى سورية لا تعني على الإطلاق أن الأسد هو الخيار الصحيح، وأن يكون وجوده أمرا واقعا، فالنظام يعرف أنه في قمة العجر وأن سورية فقدت وزنها الاستراتيجي والجيوسياسي على المستوى الإقليمي في ظل الوجود الروسي والإيراني في قلب منظومة الحكم.
إن بيئة الهدوء والاستقرار الإقليمي أكبر عدو لنظام الأسد الذي عاش منذ عام 1970 على الاضطرابات والصراعات الداخلية والإقليمية، ففي عام 1973 دخل في حرب مع إسرائيل منحته رصيدا شعبيا وعربيا، وفي عام 1976 جاءت الحرب الأهلية اللبنانية لتعيد دور الأسد الإقليمي كحارس لحدود إسرائيل وأخرج منظمة التحرير من لبنان، ومطلع الثمانينيات أنقذت حركة الإخوان المسلحة نظام حافظ الأسد من ثورة شعبية عندما اختارت خيار التسليح الذي انتصر فيه الأسد وأجهزته الأمنية، وبعد اتفاق الطائف عام 1989 انتهى دور النظام الوظيفي، لكن حرب صدام حسين على الكويت أعادت إحياءه فشارك التحالف الدولي ضد الجيش العراقي، ومع تعثر الجيش الأمريكي في العراق انتعش النظام السوري وأصبح بمأمن عن غزو الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، إلى أن مات حافظ الأسد في عام 2000 وورث بشار لعبة العيش في ظل الاضطرابات، حتى اجتاحت موجة «الربيع العربي» المنطقة، وهنا انتهى الأسد كليا كنظام سياسي دولي قادر على القيام بوظائفه الإقليمية والدولية، وأصبح «صفراً مكعباً» في ميزان الوظائف الإقليمية، لكنه في الوقت ذاته ما يزال قادرا على الأذى، ولعل التفاهمات الإقليمية وعودة العلاقات إلى الدول الإقليمية تجعل من هذا النظام منبوذا إلى حد كبير بعد أن صدر أزماته إلى كل المحيط، وحتى الدول التي تدافع عنه ليس من باب القناعة ولكنها من باب سد الذرائع وعدم خلق فجوة أمنية في الشرق الأوسط في دولة استراتيجية مثل سورية.
ويربط البعض بين وجود الأسد في السلطة ومدى حجم الخدمات التي يقدمها النظام لإسرائيل على المستوى الأمني، ولعل هذا السؤال من أكثر الأسئلة المتداولة في الأوساط السورية الذي يأتي على الصيغة التالية «هل بقاء الأسد في السلطة هو رغبة إسرائيلية بحتة»؟!
لقد اقترحت الباحثة الإسرائيلية كارمت فالنسي مديرة برامج البحوث حول سورية في معهد الأمن القومي الإسرائيلي، 3 نقاط حول مستقبل سورية وبقاء الأسد، وأكثر النقاط الحيوية في طرح فالنسي “أنه يجب على إسرائيل أن ترعى مبادرة سياسية أممية لإزاحة الأسد من سورية، وهذا لا يتحقق دون روسيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي، وأن تعمل تركيا ودول الخليج معاً؛ ليقودوا سورية باتجاه الإصلاح السياسي وتأسيس نظام أكثر تمثيلاً وأكثر عدلاً وفوق كل هذا فتح الحدود لإعادة إعمار سورية شريطة أن تتم إزاحة الأسد وإيران من المشهد.
هذه هي مقاربة إسرائيلية حول الأسد يجب أخذها بعين الاعتبار، ذلك أن تل أبيب بأي شكل من الأشكال معنية بشكل مباشر بما يجري في سورية باعتبارها دولة حرب مجاورة.
النتيجة؛ ليس من منطق التاريخ أن يتم تعويم الأسد، ربما إعادة تأهيله للحفاظ على ما تبقى من الدولة، لكن هذا لن يكون إلى زمن غير معلوم، فالنظام الذي تسبب في كل هذه المأساة لن تقبل به أقصى دول الأرض، فالعالم لم يعد يحتمل كلفة بقاء الأسد، لكن لا بد من عملية طويلة الأمد قد تحتاج إلى عامين بعدها لن يكون للنظام وأجهزته الأمنية بشكلها الحالي مكان في المنطقة.
يمكن القول إن هناك حاجة مؤقتة للنظام السوري في ظل هشاشة المنطقة أمنيا وعدم الرغبة في تحويل سورية إلى عراق آخر، لكن هذه الحاجة تنتفي في أية لحظة يتم فيها التوافق الإقليمي على تأسيس علاقات إقليمية جديدة تخدم الأمن والاستقرار، فهذا النظام أصبح جزءاً من زعزعة السلم ويتخذ من السوريين رهينة على أرضهم.