هل ما زالت منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؟

قد يبدو هذا سؤالاً استفزازياً ومستغرباً وأنا الذي كنت وما زلت أدافع عن المنظمة وعمودها الفقري حركة فتح.

ما يبرر هذا السؤال هو حالة الغموض والالتباس من جميع الأطراف الفلسطينية وحتى العربية والدولية من منظمة التحرير الفلسطينية كعنوان وحيد للشعب الفلسطيني الآن، وهناك فرق بين الشعارات وما نتمناه أو الإحالة الى الماضي من جانب والواقع من جانب آخر.

صحيح، إن كل الأطراف الفلسطينية تتحدث عن أهمية منظمة التحرير وضرورة رد الاعتبار لها وأحيانا تعلن اعترافها بمنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني حتى في حوارات المصالحة من القاهرة الى بكين قالوا ذلك، ولكن على مستوى الواقع والممارسة لا نجد تطبيقا لهذ الالتزام النظري.

غالبية الفصائل التي تدعي الحرص على المنظمة هي في حقيقة الأمر لا تريد استنهاض وتفعيل المنظمة كمشروع وطني تحرري وتباكيها على المنظمة يخفي أهدافا أخرى، إنهم يريدون الوصول لقيادة المنظمة لاكتساب شرعية تمثيل الشعب، وبهيمنتهم على رمزية المنظمة يستطيعون الهيمنة على النظام السياسي وعلى السلطة وعلى مقدرات الشعب وتكييف المنظمة وظيفيا وبنيويا بما يخدم توجهاتهم وأيديولوجيتهم ومصالحهم، وإن لم يتحقق لهم ذلك فسيسعون لتخريبها وتشويهها.

 وللتذكير فإن حركة حماس عندما تأسست عام 1987 لم تعترف بالمنظمة و بشرعيتها وطرحت نفسها بديلا عنها ثم نازعتها على تمثيل الشعب كل ذلك قبل أن يكون هناك سلطة وتنسيق أمني، حتى حركة فتح ومنذ تأسيس السلطة أصبحت مراهنتها على السلطة والدولة، واستحقاقات الدولة غير استحقاقات المنظمة كحركة تحرر وطني، لذا تم تهميش المنظمة وتفريغ دوائرها ومؤسساتها حتى باتت هياكل ومسميات دون مضمون.

لو كانت الأحزاب والفصائل صادقة في اعترافها بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا فلماذا لا نلمس أي خطوات عملية لانضواء الجميع في المنظمة؟ حتى في لقاء المصالحة الأخير في بكين في 23 من يوليو لم يتم مناقشة موضوع المنظمة وتم تأجيله كما قال حسام بدران عضو المكتب السياسي لحركة حماس؟ لو كانوا صادقين فلماذا استفردت حركة حماس بقرار الحرب وما زالت متفردة بإدارة الحرب والمفاوضات حول وقفها؟ ولو كانت صادقة لكنا رأينا ممثلين عن كل الفصائل في السلك الدبلوماسي وفي أي تحركات سياسية تقودها المنظمة؟  لو كان الجميع يعترفون أن المنظمة الممثل الشرعي والوحيد لتوقف التراشق الإعلامي والاتهامات المتبادلة بين فتح وحماس؟

منظمة التحرير التي يتباكون عليها ويؤكدون حرصهم على تفعيلها وتطويرها لن تكون، حتى لو انضوت فيها كل الأحزاب والفصائل، نفسها منظمة الميثاق الوطني الأول ولا منظمة الستينيات والسبعينيات، لأن فصائل وقيادات اليوم ليسوا كسابقيهم كما أن الزمن ليس ذاك الزمن.   

لم تكن المنظمة تستمد قوتها فقط من التفاف الشعب حولها وتمثيلها لكل الفصائل المسلحة وغير المسلحة بل أيضا من حالة شعبية عربية متعاطفة ومؤيدة للنضال الوطني الفلسطيني، وحتى حالة رسمية عربية كانت في غالبيتها تحترم القيادة الفلسطينية وبعضها كان يخشى المنظمة وقيادتها نظرا لما لهم من تأييد عند الرأي العام العربي وحتى الدولي وشبكة تحالفات المنظمة مع الأحزاب والقوى التقدمية والتحررية عبر العالم.  

في السبعينيات والثمانينيات عندما كانت منظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب دون منازع وكانت تقوم بدورها كحركة تحرر وطني، كانت الشعوب العربية تلتف حول المنظمة وكان المثقفون والمفكرون العرب يبدعون كل في مجاله لمناصرة شعب فلسطين وكانت مراكز الأبحاث والجامعات تخصص حيزا لا بأس به للقضية الفلسطينية من كتابات وندوات ورسائل جامعية ماجستير ودكتوراه، كما كانت مراكز أبحاث ودراسات فلسطينية تستقطب ليس فقط المثقفين والمفكرين الفلسطينيين بل وعربا وأجانب أيضا، وكانت منظمة التحرير تفتخر بهؤلاء الذين يدافعون عن الثقافة والهوية والرواية الفلسطينية في كل العالم والقيادة تحترمهم وتقدم لهم كل التسهيلات لمواصلة ابداعهم حتى وإن كانوا يخالفونها الرأي.

أما اليوم فأين مركز التخطيط ومركز الأبحاث وما تسمى الصحافة الوطنية؟ وأين وكالة وفا الخ؟ أين المثقفون والمفكرون الفلسطينيون والعرب الذين يدافعون عن المشروع التحرري الفلسطيني الذي يفترض أن عنوانه المنظمة؟

 انفض غالبية المثقفين والمفكرين من حول المنظمة والسلطة بعضهم تم إبعادهم وآخرون ابتعدوا من تلقاء ذاتهم عندما وجدوا أن المطلوب منهم أن يكونوا توابع أو صبيان عند قادة ومسؤولين يعتقدون أنهم يفهمون في كل شيء ولا يحتاجون لمثقفين ومفكرين ومراكز أبحاث إلا كديكور وأبواق تمجدهم و تسبِّح بحمدهم، ونادراً ما تجد مثقفين ومفكرين عرب يدافعون عن منظمة التحرير والسلطة والمشروع الوطني.

ومع الحرب على غزة من المُفترض أن تكون المنظمة عنوان المرحلة واليها تشخص الأبصار لإنقاذ غزة وأهلها من الموت والخراب والدمار ولإنقاذ القضية الوطنية مما يُخطط لها من تصفية وليس انتظار ما ستنتهي إليه الحرب أو كيف سينهيها نتنياهو منفردا أو بالتنسيق مع حركة حماس ومحور المقاومة ضمن صفقة لن تقتصر على غزة بل ستشمل كل القضية الوطنية؟

[email protected]