هل هناك استعمار جيد؟! عماد الدين حسين

بعض الجهلاء والسذج في البلدان العربية والذين لا يقرؤون التاريخ، يرددون بحسن نية حيناً وبغباء في أحيان كثيرة، تمنياتهم بعودة الاستعمار للمنطقة، لأنه من وجهة نظرهم الضحلة، سيجعل حياتهم أفضل كثيراً مما هي عليه الآن في ظل الحكم الوطني.
إلى هؤلاء السذج أدعوهم إلى قراءة مغزى الانسحاب الأميركي المتعجل من أفعانستان هذه الأيام، أو من فيتنام عام ١٩٧٥ أو الانسحاب الإسرائيلي اضطراراً من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠، أو أن يقرؤوا تاريخ الاستعمار والاحتلال في أي مكان وزمان، ليدركوا خطأ وخطيئة تصوراتهم، وأنه لا يوجد احتلال أو استعمار جيد بل سيئ في كل الأحوال، والفارق فقط في نوع القفازات والقيود، وهل هي حريرية أم حديدية، لكنها تظل في النهاية قفازات وقيوداً.
الولايات المتحدة تنسحب بسرعة شديدة هذه الأيام من أفغانستان، بعد احتلال مستمر منذ العام ٢٠٠١.
عشرون عاماً من الاحتلال كانت حصيلتها أكثر من ثلاثة ملايين قتيل أفغاني، ما بين مدني وعسكري، مقابل ٢٤٠٠ قتيل أميركي وخسائر أكثر من تريليون دولار، ناهيك عن الخسائر النفسية والاجتماعية والاقتصادية والتي لا تقدر بثمن وسيدفع ثمنها الأفغان لعشرات السنين.
أميركا غزت أفغانستان في ٧ تشرين الأول ٢٠٠١ بعد أقل من شهر على تفجيرات ١١ أيلول في الولايات المتحدة، والهدف المعلن وقتها القضاء على تنظيم القاعدة. وحكومة “طالبان” التي تدعمه، ثم تطور الهدف إلى إقامة حكم ديمقراطي في أفغانستان، والنهوض بمستوى الحياة هناك.
والسؤال: ما هي النتيجة بعد عشرين عاماً من الاحتلال؟!
لا شيء، بل إن الأوضاع في أفغانستان صارت أسوأ من الحال الذي كانت عليه قبل عشرين عاماً تحت حكم “طالبان”.
هل معنى ذلك أنني أروّج لحكم “طالبان”؟!
الإجابة بالطبع هي: “لا” قاطعة؛ فهذا الحكم وتحالفه مع “القاعدة”، كان سبباً جوهرياً في الكثير من الكوارث التي أدت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وهو الذي مكن كل أعداء العرب والمسلمين من تنفيذ مخططاتهم.
لكن رأينا في “طالبان” و”القاعدة” شيء، والترويج للاحتلال الأميركي شيء آخر تماماً.
شيء من هذا القبيل أن بعض العرب يقول: إن أوضاع الفلسطينيين أفضل كثيراً تحت الاحتلال الإسرائيلي، مقارنة بحكم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أو حتى حركة حماس في غزة. ورغم العديد من الملاحظات على السلطة و”حماس” وانقسامهما، إلا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقارنهما بالاحتلال الإسرائيلي العنصري والفاشي والهمجي لفلسطين.
الاحتلال ــ أيّ احتلال ــ يدخل المنطقة فيقتل ويدمر ويعطل ويسلب ويسرق الموارد وثروات الشعوب، وما فعلته أميركا في أفغانستان، وقبل ذلك في فيتنام واضح وضوح الشمس.
السؤال الذي يفترض أن يسأله دعاة “الاستعمار الجيد” لأنفسهم هو: لماذا يؤيد غالبية الأفغان حركة طالبان، رغم كل تطرفها وظلاميتها ولا يؤيدون الحكومة المدعومة من الاحتلال الأميركي رغم أنها تتحدث كثيراً عن الحرية والديمقراطية والمدنية والحداثة؟!
الإجابة ببساطة أن النفس السوية ترفض الاستعمار وأعوانه مهما كانت الشعارات براقة، لأن الاحتلال يظل احتلالاً رغم كل كلماته المعسولة.
بل حتى من مفهوم أخلاقي يهرب الاحتلال الأميركي بسرعة، تاركاً خلفه معظم من تعاونوا معه أو ساعدوه، باستثناءات قليلة وهو الأمر الذي تكرر كثيراً مع الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني، أو الأميركي لفيتنام.
وعلينا أن نتذكر نتائج الاحتلال الأميركي للعراق عام ٢٠٠٣، وادعاءاته بأنه سيؤسس لدولة مدنية ديمقراطية، لكنه أعاد العراق عقوداً إلى الوراء، وقدمها هدية على طبق من ذهب للقوى المتطرفة والطائفية، وهو ما تحاول الحكومات الحالية إصلاحه.
مرة أخرى: هل يعنى رفض الاحتلال أننا ندافع عن صدام حسين الذي كان بسياساته سبباً في هذا الاحتلال، أو نظام “طالبان”، أو حركة حماس؟
الإجابة مرة أخرى هي: “لا”، ثم “لا”، ثم “لا”.
لكن لا يعنى رفضنا لهذه الأنظمة المتسلطة والمستبدة وغير الديمقراطية، أن نؤيد الاستعمار الذي استغل وجود هذه الأنظمة ليحقق أهدافه في سرقة ثروات هذه الأوطان.
الاحتلال هو الاحتلال، هو سيئ دائماً وينبغي مقاومته ودحره، وبعدها تكون الخطوة المهمة وهي معالجة الأوضاع والظروف التي أدت إلى وجوده، وإذا لم يحدث ذلك، فسوف يعود هذا الاستعمار بصورة أخرى بعد فترة من الزمن.