لا تكاد تنتهي أزمة بين الأردن وإسرائيل حتى يبدأ الحديث عن أخرى، علاقات مضطربة بين عمان وتل أبيب، لم تتمكن اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين عام 1994 من وضع حد لها.
في الفترة بين عامي 2017 و2019، شهدت العلاقات الأردنية الإسرائيلية أحداثاً كانت الأكثر سخونة، وسط تفاعلات دولية كان أبرزها مقتل مواطنين أردنيين برصاص حارس أمن السفارة الإسرائيلية بعمّان، إثر تعرضه للطعن بـ”مفك براغي”، ما أسفر عن إصابته بجروح طفيفة.
وفي الثلث الأخير من عام 2019، أوقفت إسرائيل المواطنين الأردنيين هبة اللبدي، وعبد الرحمن مرعي دون سبب، بعد عبورهما “جسر الملك حسين” (يربط الأردن بالضفة الغربية).
وعلى إثر ذلك استدعت الخارجية الأردنية في 30 أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، سفير إسرائيل السابق لدى المملكة أمير فايسبورد للمطالبة بإطلاق سراح المواطنين، إلا أن تل أبيب لم تلتفت لذلك، ما دفع المملكة لاستدعاء سفيرها من إسرائيل غسان المجالي، للتشاور.
وفي اليوم ذاته، أعلن الأردن القبض على متسلل إسرائيلي دخل المملكة بطريقة غير مشروعة، وقامت بتحويله لمحكمة أمن الدولة، لتكون الحالة الأولى من نوعها التي يحاكم فيها إسرائيلي أمام تلك المحكمة.
وفي السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني رضخت إسرائيل لمطالب الأردن بعد أن أصبحت اتفاقية السلام بينهما على المحك، وأفرجت عن الأردنيين اللبدي ومرعي، لتعيد عمان بعد ذلك سفيرها إلى تل أبيب.
** إيلان رامون
مطلع عام 2019، قدم الأردن اعتراضًا دوليًا على إقامة مطار إسرائيلي بالقرب من حدوده على البحر الأحمر شمالي إيلات، يحمل اسم “إيلان رامون”؛ مرجعةً السبب في ذلك إلى أن “موقع المطار لا يتوافق مع المعايير الدولية”.
وكانت سلطة الموانئ والمطارات الإسرائيلية قد أعلنت بداية أغسطس/آب الجاري، أنها ستسمح بتسيير رحلات خاصة لنقل ركاب فلسطينيين من مطار رامون اعتبارا من الـ22 من ذات الشهر، لكنها عادت وأعلنت، تأجيل برنامج الرحلات لأسباب غير معروفة.
والإثنين الماضي، تم تسيير رحلة تضم 24 فلسطينيا من هذا المطار، إلى قبرص الرومية، بتنظيم من شركة طيران إسرائيلية.
وقال منسق عمليات الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية غسان عليان في منشور ترويجي للمطار على صفحته بفيسبوك، الثلاثاء، إن هدف المطار هو
“تسهيل الخدمة المقدمة للفلسطينيين”.
وكشف وزير النقل الأردني وجيه عويس، الأربعاء، عن توقف الرحلات الجوية الدولية من مطار تمناع (رامون) الإسرائيلي بسبب اعتراض المملكة عليه، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الأردنية الرسمية “بترا”.
ويواجه الفلسطينيون من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة معاناة كبيرة في عملية سفرهم للخارج، نظرا لعدم وجود مطار فلسطيني، وبسبب القيود الإسرائيلية الكبيرة.
وحاليا، يضطر الفلسطينيون من سكان الضفة الغربية الراغبون بالسفر إلى الخارج، إلى استخدام مطار الملك علياء الدولي، في العاصمة الأردنية عمّان، بعد أن يجتازوا المعبر الواصل بين الضفة والأردن.
ويحمل المعبر 3 أسماء، الأول فلسطيني وهو “الكرامة” والثاني أردني وهو “جسر الملك حسين” فيما تطلق عليه إسرائيل اسم “اللنبي”.
الإعلان الإسرائيلي لاقى ردود فعلٍ واسعةٍ لدى الجانب الأردني، وإن لم تكن رسميةً، إلا أن المتحدثين فيها كانوا يعبرون من خلالها عن وجهة نظر بلادهم في القرار الإسرائيلي، مع ترجيح توافق فلسطين مع تل أبيب عليه.
وعلى الرغم من ذلك، إلا أن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، طالب الأربعاء الماضي، إسرائيل بفتح مطار القدس الدولي لتسهيل حياة الفلسطينيين، مؤكداً أنه
“لا مطار رامون ولا أي مطار غيره سيكون بديلا عن عمقنا الأردني”.
جاء ذلك في تصريحات صحفية مع نظيره الأردني بشر الخصاونة، عقب تدشين مشروع ربط كهربائي مع المملكة.
وأشار اشتية إلى أن “إعاقة حركة التجارة والتنقل (للفلسطينيين إلى الأردن) تتم من الطَّرف الآخر (الإسرائيلي)، وبحجج كثيرة”.
ومطار القدس الدولي أنشيء عام 1920 في بلدة قلنديا تحت إدارة الانتداب البريطاني ثم في أوائل الخمسينات وضع تحت الإدارة الأردنية بعد انضمام الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية.
وسيطرت إسرائيل على المطار في حرب 1967، وغيرت اسمه إلى مطار “عطاروت”، وتوقف العمل به عام 2000.
وبالعودة إلى مطار رامون، الذي اعترض الأردن بالأساس على تشغيله، وأثره السياسي والاقتصادي على المملكة، فإنّ أبعاد القرار المتعلق بسفر الفلسطينيين، يرى مراقبون ومحللون أنه سيخلق “مواجهة جديدة” بين عمّان وتل أبيب، إن لم تصل حتى العداء.
وما يعزز تلك الفرضية، ما نقلته وكالة الأنباء الأردنية الرسمية، الأربعاء، عن وزير النقل وجيه عويس، توقف الرحلات الجوية الدولية من المطار بسبب اعتراض المملكة عليه.
** حملة غير مبررة
الخبير في القانون الدولي أنيس قاسم، بين أن “اعتراض الأردن عام 2019 على المطار لم يكن خطيّاً أو موجّهاً لإسرائيل”.
وأضاف: “نجد أن موقف الأردن من تسيير رحلات المطار تركز على الفلسطينيين فقط؛ كونه لا يقوى على مواجهة إسرائيل بهذا الخصوص”.
واستدرك قاسم: “الحملة على سفر الفلسطينيين غير مبررة؛ لأنه من الواضح أن تكلفة السفر عبر الأردن ثلاثة أضعاف تكلفة مطار ريمون، وهي مصلحة اقتصادية فردية بحتة للفلسطينيين، وليس فيها أي مغزى سياسي”.
وأشار إلى أنه “لدى الأردن خيار بسيط جداً، وهو تسهيل إجراءات العبور للفلسطينيين عبر المعبر الحدودي، وتخفيض التكاليف، بما ينعكس على ازدياد على حركة المسافرين”.
وأكّد قاسم: “ليس من مصلحة الفلسطينيين دعم الاقتصاد الإسرائيلي، وبعضهم بطبيعة الحال كأفراد يبحثون عن مصالحهم الشخصية بتوفير تكاليف السفر”.
وحول اعتراض الأردن على تشغيل المطار قال قاسم: ” كل ما سمعناه هو أنه قريب من مطار الملك حسين بالعقبة (جنوب)، وهناك معايير دولية لضمان سلامة الإقلاع والهبوط،”.
** مصالح إسرائيل
رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية (خاصّة) خالد شنيكات، اعتبر في حديث للأناضول، أن مطار رامون ” له بعدان الأول اقتصادي وهذا يؤثر على الأردن لأنه قد يشكل بديلاً للفلسطينيين الذين يودون السفر خارج إسرائيل، حيث سهولة الإجراءات وتكلفة أقل، مقارنة بالمجيئ عبر معبر الأردن”.
أما البعد الثاني، فهو فني بحسب شنيكات، ويتمثل في “وجود المطار في أرض قريبة من مطار الملك الحسين بالعقبة، يؤثر على حركة الملاحة الجوية، وقد يشكل حتى خطورة، لأن هناك مواصفات ومعايير تعتمدها المنظمة الدولية للطيران المدني في تأسيس المطارات”.
وأردف شنيكات: “أن البعد الثاني هو سياسي، فسفر الفلسطينيين عبر مطار رامون يعني ضمناً القبول بالاحتلال والتكيف معه”.
وزاد: “المطالبات الفلسطينية بإقامة دولة مستقلة وتقرير المصير وكل الأمور المتعلقة في ذلك تواجه تحدّ، حيث تجعل الفلسطينيين أكثر ارتباطاً بالاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي ربط مصالحهم المباشرة”.
ولفت شنيكات، إلى أنه “على مستوى علاقة الأردن وإسرائيل بعد هذه الخطوة، فإن تل أبيب تعمل بما يتلاءم مع مصالحها الخاصة، بحكم أنها القوة الأكبر بالمنطقة”، في إشارة إلى أن أي خطوة من المملكة حالياً لن تؤثر على المطار وآلية عمله.
** تصادم الطائرات أمرٌ وارد
المحلل العسكري مأمون أبو نوّار، أوضح “أن قرب مطار رامون من مطار الملك الحسين في العقبة بمسافة لا تتعدى 800 ياردة، وسوره الذي يرتفع 26 متراً على طول المطار، وجزء منه داخل الأراضي الأردنية؛ لحمايته من الصواريخ الباليستية، يمسّ بشكل مباشر بالسيادة الأردنية، وهي رمز الدولة ولا تجزأ”.
وأضاف أبو نوّار: “هذا العمل وتسيير رحلات المطار في رامون يفرض على الأردن أمراً واقعاً للتنسيق مع الجانب الإسرائيلي في مسألة الإقلاع والهبوط، بالنسبة للطائرات القادمة إلى المملكة والمتوجهة إلى مطار العقبة”.
وبين أن لدى الأردن “الكثير من الأوراق السياسية ذات البعد الفني، وهي مخاطبة جميع المؤسسات والمنظمات الدولية والحملات الإعلامية لمدى خطورة إقامة هذا المطار، ومخالفته للاتفاقيات المعمول بها عالمياً”.
وفي توضيحه لمستوى الخطورة قال أبو نوار وهو لواء طيار مقاتل، وخبير في أمان وسلامة الطيران “إن مسألة تصادم الطائرات القادمة إلى المطارين (العقبة ورامون) أمر وارد، خاصة في الأحوال الجوية السيئة”.
واختتم أبو نوار حديثه قائلا: “الموقف الأردني خجول، وكان يجب اتباع إجراءات صارمة، والاكتفاء بتصغير حجم الموضوع والحديث المستهلك لن يحول دون ذلك، ولن يحل المشكلة، خاصة مع التركيز على مسألة سفر المواطنين الفلسطينيين، وتجاهل التعدي الإسرائيلي المباشر على سيادتنا”.