“وإستعينوا بالصبر”..دماء الشهداء تُنبت نصراً…

منذ بداية العدوان ونحن نكتب ونقول أن خطة “نتنياهو” هي فرض السيطرة الأمنية على قطاع غزة، إما عبر إحتلال مباشر وحكم عسكري، وإما بشكل غير مباشر، وهنا تعددت الطروحات لما بعد الحرب ومنها:

 الصحوات العشائرية وفشلت

السلطة المتجددة ” القصد سلطة عميلة لامريكا وتخدم الامن الإسرائيلي”، وفشلت لأن “نتنياهو” لا يريدها، ولأن المقاومة قوية ولا يمكن لهكذا سلطة العيش في غزة

قوات حفظ سلام عربية بقيادة أمريكا وبحكم شكلي للسلطة، وفشلت لأن العرب وجدوا فيها فخ لأن بصبحوا بديل للإحتلال، وأيضا يريد “نتنياهو” أن تكون بالتنسيق او تحت إشراف الأمن الإسرائيلي

السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي في رام الله، وحاولوا من خلال إرسال قوة ولكنها فشلت أمام قوة المقاومة إضافة إلى أن “نتنياهو” لا يريدها

واضح ان نتنياهو يريد إطالة العدوان حتى يعفي نفسه من طرح خطة لما بعد الحرب لانه حسم أمره، ف “الشريط الامني، واحتلال معبر رفح، وطريق ما يسمى نتساريم، ولاحقا السيطرة على محور فلادفيا (صلاح الدين)”، يؤكد على انه ذاهب إلى إحتلال قطاع غزة وفرض حكم عسكري، أما قصة لا “حماتستان” ولا إستبدالها ب “فتحستان”، فهي ليست سوى تبريرات لما يخطط له “نتنياهو” مع حلفاءه من جماعة “سموتريتش” و “بن غفير”، خطة حسم الصراع عبر التهجير والتطهير والإبادة وفرض السيادة الإسرائيلية في الضفة والقطاع

أين تكمن مشاكل خطة “نتنياهو”

أولا- المقاومة وقدرتها على مقاومته في كل قطاع غزة، وتحويل طموحاته نحو حرب إستنزاف في الجبهات الأخرى وبالذات “جبهة الشمال”، إلى جانب مقاومة شرسة لا تلين وتلحق بجيشه خسائر فادحة في مجمل قطاع غزة

ثانيا- السلطة الفلسطينية، وقد طرحت نفسها بديل، لكنها إكتشفت أمرين، الأول، ان نتنياهو لا يريدها، والثاني أن الأمريكي يتلاعب فيها ولا وجود لشيء إسمه دولة فلسطينية وثبت ذلك من الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، لذلك بدأت تتحدث عن التفاهم الفلسطيني الفلسطيني، وانها لن تأتي على ظهر دبابة إسرائيلية، خاصة أنها ايضا مستهدفة من قبل حكومة نتنياهو

ثالثا- لا دعم إقليمي وبالذات ممن يسمون انفسهم المعتدلين العرب، حيث خسرهم نتنياهو بسبب من تفضيله “سموتريتش” و “بن غفير” عليهم، فهم غير مستعدين لأن يكونوا قوة إحتلال

رابعا- لا دعم دولي ولا حتى دعم أمريكي كامل، لكن بما يتعلق بالأمريكي فهو مستعد لاحقا لكي يعمل وفق الواقع الذي فرضه “نتنياهو”، بحيث يأتي بخطط اساسها حفظ الأمن الإسرائيلي، بما يعني ذلك تحقيق الأهداف التي يريدها “نتنياهو”

خلاصة توقعاتنا للقادم

المنطقة بعد فشل الامريكي في خلط اوراقها عبر ما يسمى التطبيع بسبب رفض “نتنياهو” لأي خطوة تتعلق بالقضية الفلسطينية، اي رؤيا الدولة الفلسطينية، أصبحت مقسومة وبوضوح نحو محورين:

المحور الاول…المقاومة وبكل جبهاتها من اليمن وحتى رأس حربتها في غزة مرورا بالعراق وسوريا وسيف ذو الفقار المُشرٓع في الجنوب اللبناني، والضفة القادمة حتما، وتقف جمهورية إيران الإسلامية على رأس هذا المحور “محور المقاومة”

المحور الثاني…الكيان الصهيوني وداعميه من الأمريكان، وبعض دول اوروبا، وهذا المحور يعتريه خلافات وتحديات كثيرة بسبب من حماقة وعنجهية الكيان

أما البقية الباقية من العرب المتحالفة مع أمريكا والتي تدور في فلكها، فهي الآن في موقف لا تحسد عليه، كون الكيان الصهيوني الذي طبعت معه وتريد التطبيع معه لا يُعيرها اي إهتمام ولا يأخذ بعين الإعتبار أيا من مصالحها، ويتعامل معها بأنها تحصيل حاصل لا مناص لها غيره هو وامريكا

أما العالم فهو يتغير وينقلب شيئا فشيء على الكيان الصهيوني ويرفض التعاطي مع السياسة الأمريكية غير القادرة على تطويع حليفها الأهم في غرب آسيا، أو كما قال “جوزيف بوريل” منسق الشؤون الخارجية في الإتحاد الاوروبي: “أمريكا مرهقة في سياستها في الشرق الاوسط”، وهو يُهذب كلامه ويريد القول أن “أمريكا غير قادرة على فعل شيء ولا تستطيع الضغط على الكيان الصهيوني”

إذا نحن موجودين في ما يسبق زمن الإنتصار الحتمي، حيث الكيان يعيش:

1- إنقسامات وخلافات داخلية بين مجمل مكونات هذا الكيان، اصبحت واضحة أكثر مما كانت عليه في فترة ما اسموه “الإصلاح القضائي”، ويلاحظ ذلك بين وزراء مجلس الحرب، وبين المستوى السياسي والعسكري، والتباعد بين السلطة الحاكمة وذوي الأسرى والمتعاطفين معهم، وبين الحريدية الأرثوذكسية وبقية الدولة، وبين نخب الدولة العميقة من عسكريين وسياسيين سابقين وكتاب ومحللين وحكومة “نتنياهو”

2- ما يتعرض له جيش الكيان من إرهاق وخسائر وعلى كل الجبهات، سيصل حتما إلى نقطة حرجة يعلن فيها عدم قدرته على الإستمرار في حرب تستنزف كل طاقاته ومقاومة توقع فيه خسائر تُثخنه وتُتُعبه وستُوصله لمرحلة الإنهيار

3- عزلة إقليمية قادمة لا محالة، حتى من قبل الدول التي أقامت مع الكيان إتفاقيات سلام أو تطبيع، فطبيعة حكومة الكيان وما مارسته من حرب إبادة في غزة، وعدم التعاطي مع الرؤيا السياسية الأمريكية، تؤكد التعارض بين المصالح وعدم القدرة على ان تصبح في باب التكامل، لأن الشرط السياسي المتمثل بالقضية الفلسطينية أصبح عائق لا يمكن تجاهله خاصة بعد حرب الإبادة في غزة.

4- الصدام الحتمي بين السلطة الفلسطينية وحكومة الكيان، اصبح أقرب مما يتصور البعض، فالحتمية ضمن مفهوم الصراع بين الإحتلال ومن هم تحت الإحتلال هي السائدة رغم محاولة إخفاؤها ومحاولة عيش وهم الإخفاء، الآن نستطيع القول أن أصل الأشياء تعود إلى طبيعتها بشكل ولون مختلف عما سبقه

5- الكيان بدأ يُصبح دولة منبوذة في العالم، وهنا نستطيع القول أن ذلك اصبح يلاحظ على صعيد الرأي العام العالمي والغربي وبشكل غالب، وأيضا لدى العديد من الحكومات، والأمور سوف تتدحرج لأن يتحول هذا الكيان أمام العالم ككل ما عدا أمريكا وبريطانيا “ممكن ألمانيا” لدولة “جنوب افريقيا العنصرية البائدة”، اي أن العزلة الدولية قادمة الى جانب العزلة الإقليمية

6- إستمرار المقاومة في غزة وتوسعها للضفة وحرب الإستنزاف على الجبهات الإخرى، سوف تضع هذا الكيان في حجمه الحقيقي وتوصله لمرحلة الإنهيار الحتمي

طبيعة الصراع المحتدم ومنذ أكثر من سبعة شهور حسم الأمور بشكل لا يمكن لأمريكا ومن هم في فلكها إعادة عقارب الساعة للخلف، لأن التاريخ مهما تخلله من ظلم فلا بد من ظهور فترات يظهر فيه الحق على الباطل، فترة رغم الدم الذي ينزف ويسيل فيها في كل لحظة ستنبت فيها شجرة حياة الشعوب المقهورة والمظلومة، ونحن في اللحظة التاريخية من عودة المارد الفلسطيني ليحيى ويعيش ويتكاثر ويتطور ويسود على ارضه ويقيم دولته وعاصمتها قدسنا وقدس كل المسلمين والمسيحيين، وكل ما نحتاجه هو الإستعانة بالصبر، لأن رب العز والجلالة جعل الإستعانة بالصبر سابقة على الإستعانة بالصلاة، قال تعالى: “وإستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين”

وما بعد الصبر سينبت دم الشهداء نصراً، لأنهم شهداء على طريق القدس، هكذا هم، وهم كذلك.

وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ