قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن إدارة بايدن بدأت بالتخطيط لليوم التالي بعد الحرب واختيار “أحسن الخيارات السيئة”. وفي تقرير أعده مايكل بيرنباوم وويليام بوث وحازم بعلوشة قالوا: “يقول الإسرائيليون إنهم لا يريدون الوظيفة، وتقاوم الدول العربية وربما تطوعت السلطة الوطنية الفلسطينية بزعامة محمود عباس، لكن الشعب الفلسطيني لا يريده”.
وقالت الصحيفة إن واشنطن تواجه معضلة كبيرة بعد الحرب: كيف ستبنى غزة وكيف ستصبح في النهاية جزءا من الدولة الفلسطينية علاوة عمن سيديرها بعد توقف صوت البنادق.
وهي تواجه خيارات غير جذابة، ففي رحلة إلى إسرائيل والضفة الغربية حاول وزير الخارجية، أنطوني بلينكن البحث وتوسيع النقاشات ولم يحصل على أجوبة سهلة. وتدفع إدارة بايدن لـ “إنعاش” السلطة الوطنية لتدير غزة، وهذه لا تحظى بشعبية من الحكومة الإسرائيلية وحتى بين الكثير من الفلسطينيين. وتعترف الإدارة الأمريكية بحجم المشكلة ولكنها ترى أن السلطة هي الجهة المهيأة لإدارة القطاع بين مجموعة من الخيارات السيئة ومنها العودة لاحتلال إسرائيلي مباشر. وأخبر بلينكن الصحافيين في تل أبيب “ليس لدينا أي وهم بأن هذا سيكون سهلا، وستكون هناك خلافات في الطريق”، ولكنه قال إن “الخيارات هجمات إرهابية ومزيد من العنف ومزيد من معاناة الأبرياء، وهذا غير مقبول”.
فبعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر أقسمت إسرائيل على تدمير حماس، ليس كقوة عسكرية فقط ولكن كإدارة حكومية أيضا، ولكن الحركة تغلغلت بعد 15 عاما في كل قطاع من غزة، ليس فقط في وزارات الحكومة ولكن في الجمعيات الخيرية والمحاكم والمساجد وفرق الدعم والسجون والبلديات وجماعات الشباب. وكحكومة أمر واقع منذ طرد السلطة عام 2007 أصبحت حماس تشرف على الاقتصاد والصحة والمياه والكهرباء، التجارة والبنى التحتية، وليس فقط الكتائب العسكرية مثل القسام والتي تواجه القوات الإسرائيلية حاليا في الشوارع، إلى جانب قوى الأمن وشرطة المرور.
وتحظى الجماعة حاليا بدعم شعبي، في وقت ركزت فيه إدارتا دونالد ترامب وجو بايدن على عقد اتفاقيات تطبيع مع الدول العربية على حساب الفلسطينيين الذين همشوا، ولكنهم أصبحوا، والفضل يعود لحماس، مركز الاهتمام.
وحتى الهدنة التي استمرت لمدة أسبوع تم تصميمها لتعزيز شعبية حماس، حيث استقبلت العائلات الفلسطينية الزوجات والأخوات والأطفال الذين حرروا بموجب صفقة “تبادل الرهائن” الذين احتجزوا في هجمات تشرين الأول/أكتوبر. ويلوم المسؤولون الأمريكيون حماس على المعاناة الإنسانية في غزة وأنها كانت ستوفر عليهم الانتقام الإسرائيلي لو لم تقم بالهجوم، لكنهم يعترفون أن القوة المفرطة التي استخدمتها إسرائيل زادت من غضب الفلسطينيين وأوقفت الطريق نحو سلام دائم.
وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن الفشل بحماية المدنيين “يدفعهم إلى حضن العدو”. وتقول إسرائيل إنها لا تريد العودة لاحتلال غزة، ولكنها قد تعزز من المنطقة العازلة لغزة وتحافظ على ممر أمني أثناء المرحلة الانتقالية، مما سيلغي عناصر من الاستقلالية ويغضب السكان. وتعارض إدارة بايدن أي قيود على الطريقة التي يستخدم فيها الغزيون أرضهم وهي راغبة بتسليم القوات الإسرائيلية المسؤولية إلى قوة دولية، بقيادة عربية على الأرجح لتأمين المنطقة. ولكن أي خطط لما بعد الحرب ستكون معقدة وسط استمرار المواجهات.
ويقول بريان كاتوليس، نائب مدير السياسة بمعهد الشرق الأوسط “الطريقة التي تنفذ فيها الحرب ستحدد عددا من الخيارات” و”كل قنبلة أسقطت وكل يوم تقف فيه حماس سيزيد من ثمن إعادة الإعمار”، ويقول الخبراء إن السؤال معقد عمن سيقوم بمراقبة النظام والقانون بعد الحرب. ويقول المسؤولون الأمريكيون الذين التقوا مسؤولين إسرائيليين الأسبوع الماضي إن هؤلاء يعترفون بضرورة التخطيط، لكن ليس لديهم خطة متماسكة ويتوقعون من الآخرين اتخاذ القرار نيابة عنهم.
ويقول المفاوض السابق دينس روس إنه بعد انتهاء الحرب يحب أن تكون مرحلة انتقالية تسمح “بنزع الأسلحة مع آلية تمنع إعادة تسلح أحد”، مضيفا أن السلطة الوطنية يجب أن تتغير لو أرادت إدارة غزة “ليس الأمر أنهم لا يستطيعون العودة على الدبابات الإسرائيلية” و”الحقيقة هي أنهم لا يستطيعون إدارة أنفسهم في الوقت الحالي”.
ولا تريد إسرائيل قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة لأنها لا تثق بإمكانية تقبلها لمظاهر قلقهم أمام الدول العربية فلديها شكوك عميقة بشأن إرسال قوات أمنها، وتخشى من صورتها كقوة تفرض حضورها على الفلسطينيين. وقال الزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى غيث العمري “أخبرني مسؤول عربي: تخيل اللقطات لجنودنا وهم يطلقون النار على الفلسطينيين أو أن يطلق عليهم الفلسطينيون النار”. وأضاف أن تركيز إدارة بايدن على تقوية السلطة الوطنية ودولة فلسطينية بعد ذلك هي الطريقة لإقناع الدول العربية للمشاركة في النقاش المعقد حول العملية الانتقالية والمشاركة في النهاية. وقال إن إطار حل الدولتين وإطار الانتقال مهم لدفع الدول العربية للتواصل مع الولايات المتحدة و”لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تدفعهم للزعم: نعمل هذا دعما للفلسطينيين”.
ويقول كاتوليس إن السلطة الوطنية “هي أفضل خيار من بين الخيارات السيئة جدا”، فمصداقيتها داخل الضفة الغربية تأثرت ليس لأن قوات أمنها لا تحمي الفلسطينيين بل وينظر إليها أيضا كامتداد للاحتلال العسكري الإسرائيلي.
ويقول شوقي عيسى، ناشط حقوق الإنسان من بيت لحم والوزير السابق في السلطة “ينظر للسلطة على أنها فاسدة وبدون دعم بين السكان الفلسطينيين”. وترى إدارة بايدن أن أحسن أيام السلطة هي ما بين 2007- 2013 عندما كان سلام فياض رئيسا للوزراء حيث حسن من الخدمات الأساسية. ولا تدعو إدارة بايدن علنا لخروج عباس أو تبحث في خيارات من سيحل محله، لكنها ترى أن الفلسطينيين وداعميهم هم من يجب عليهم القيام بالحوارات. ولكنهم يريدون إصلاحات لم تتحقق منذ 2006، وبعد لقائه عباس في رام الله، أكد بلينكن على الإصلاحات التي ستخدم الفلسطينيين. وقال إن على السلطة مكافحة الفساد والتواصل مع المجتمع المدني وتحسين الخدمات ومواجهة الناخبين في النهاية، مع أن الانتخابات لا تبدو أولوية للإدارة حاليا.
ولا يدعم الغزيون أيا من الخيارات، مع أن التفكير في السياسة صعب وسط القصف الإسرائيلي. ويقول صفوان جمال، 28 عاما، بعد أن شرد من مخيم النصيرات “تركيزنا الحالي هو على وقف الحرب”، و”ربما كانت حماس متهورة لكن السلطة الوطنية ينخرها الفساد وغير صالحة للحكم”.