واشنطن بوست: الأرض تتصدع من تحت أقدام نتنياهو.. والأزمة في “إسرائيل” كشفت وهم واشنطن

قالت صحيفة “واشنطن بوست”، في افتتاحيتها، إن “الأرض تتصدّع من تحت أقدام نتنياهو”، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تلقى تحذيرات، وعلى مدى الأشهر الماضية، من تداعيات تعديلاته القضائية.

فقد حثّ، وبقوة، بشأن ضرورة التفاوض على صفقة تتعلق بالتعديلات التي تجرّد المحكمة العليا من سلطتها، والتي ليست إلا محاولة للاستحواذ على السلطة من قبل ائتلاف اليمين المتطرف.

 وفي يوم الإثنين، أقرّ الكنيست الجزء الأول من الحزمة، ويبدو أن نتنياهو اقترب من الجرف، وماذا بعد؟

وعلقت الصحيفة بأن نتنياهو وحلفاءه أثاروا أزمة سياسية ذات أبعاد هائلة، وربما كانت الأكثر تأثيراً في تاريخ إسرائيل.

فقد اندلعت التظاهرات ضد التعديل القضائي، وملأت الشوارع، لعدة أشهر، وجلب التصويت مقاومة ليس من التقدميين والعلمانيين اليهود، ولكن من قطاعات داخل المؤسسة الحاكمة. وتخطط نقابات مهنية كبرى للإضراب أو الإغلاق، وكان قادة الموساد وشين بيت السابقون من بين الذين شاركوا في تظاهرات الشوارع ضد التصويت. وقال نداف أرغمان إنه جاء للمشاركة في “نهاية حكم” نتنياهو: “لدى نتنياهو ائتلاف، لكن ليس لديه شعب، لقد فقد الشعب”. وجاء في رسالة وقّع عليها أكثر من 1.100 احتياطي في سلاح الجو: “سيضر التشريع الذي يسمح للحكومة بأن تتصرف بطريقة غير معقولة، بدولة إسرائيل. وسيكسر الثقة ويخرق الإجماع، ويعرّض حياتنا للخطر، ولن يترك لدينا، وللأسف، أي خيار، بل والتخلف عن التطوع ومواصلة واجبات الاحتياط”.

 كما أرسل عدد كبير من قادة سابقين في الأجهزة الأمنية والدفاع، بمن فيهم قادة الجيش والموساد وشين بيت رسالة أعلنوا فيها: “يهز التشريع الأساس العام للمجتمع الإسرائيلي، ويفرّق بين الناس، ويفكك جيش الدفاع الإسرائيلي، ويترك ضرراً خطيراً على المجتمع الإسرائيلي”.

وعلى مدى أكثر من 30 أسبوعاً من تظاهرات الشوارع، طوّرت الحركة مصادر سياسية ومالية واجتماعية ونفسية، ومن المؤكد أنها ستواصل الاحتجاجات. ومن أهم الهتافات فيها: “من دون مساواة سنطيح بالحكومة، لقد استهدفتم الجيل الخطأ للاشتباك معه”، صحيح أن هؤلاء ليسوا الناخبين الذين يدعمون نتنياهو أو الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة المتحالفة معه، لكن هناك أصواتاً معارضة وصخباً في صفوف حزب الليكود.

ويعدّ تمرير التشريع، يوم الإثنين، لتجريد المحكمة العليا من حقها في إلغاء الأفعال التي تراها “غير معقولة” الخطوة الأولى لهذا الائتلاف لكي يسيطر على اللجنة القضائية التي تختار القضاة، وبطريقة لن يكون فيها النظام القضائي المعادل للسلطة التنفيذية. مما سيفتح الباب أمام اهداف بعيدة المدى، مثل ضم الضفة الغربية، التي يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها.

وهذا يعني مستقبلاً قاتماً، فعلى نتنياهو، الذي أوصل إسرائيل لهذه النقطة، أن يفتح المفاوضات مباشرة مع المعارضة والتوصل لتنازلات بشأن التشريع المقرّ، والذي لن يصبح قانوناً إلا بعد توقيع الرئيس عليه. وربما استخدم نتنياهو فترة العطلة في الكنيست لإجراء محادثات. وعليه إظهار أنه، والائتلاف الحاكم معه، لن يدفعوا بطريقة منفردة ببقية التعديلات القضائية الأخرى. ولو مضى من دون أي تنازلات فالمخاطر ستكون كبيرة. فسيعرض أمن إسرائيل للخطر، ويمزق السياسة المنقسمة أصلاً، ويزيد من توتر العلاقات الإسرائيلية مع الولايات المتحدة، أكثر مما هي متوترة. وعليه التوقف عن صب الزيت على النار، والبحث عن طرق للخروج من الأزمة.

وكشف التصويت في الكنيست عن وهم واشنطن بشأن إسرائيل، كما يقول إيشان ثارور في “واشنطن بوست”، مشيراً للاحتفاء بالرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتزوغ، الأسبوع الماضي، بالكونغرس، وهو سياسي بدأ حياته في صفوف اليسار قبل أن يعين بالمنصب الرمزي. وكان خطابه أمام المشرعين، محلاً لاتفاق الحزبين، حيث أكد على القيم المشتركة والعلاقات “المقدسة”، وفي تعليقات استحضرت الكلام المعهود من الساسة الأمريكيين، أكدت كامالا هاريس، نائبة الرئيس، على “العلاقة التي لا تنكسر” مع إسرائيل، وأن التزامها بأمن إسرائيل “ثابت” ومصفّح بالحديد.

وفي الوقت الذي كان فيه هيرتزوغ يتحدث في واشنطن ملأت شوارع إسرائيل الاحتجاجات ضد التعديلات القضائية التي وصلت ذروتها باستخدام الائتلاف الحاكم هامشه الضيق، وصوت لنزع بند “المعقولية” من صلاحيات المحكمة العليا.

ويعتبر أنصار التصويت بأنه إعادة الصلاحية للنواب المنتخبين، لكن المراقبين والمعارضة وعدداً من الحكومات الغربية، رأوا فيه صفعة قوية لما تبقى من آليات رقابة في الديمقراطية الإسرائيلية، وخطوة قاتمة نحو استبداد الأغلبية. وقال جون الترمان من برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: “من حق الناخب الإسرائيلي الحصول على تغير، لكن الأفكار الحالية حول الإصلاحات ثورية من ناحية أثرها”، فما سيحصل هو أن “مشرعين من دون قيود سيهددون الديمقراطية بنفس الطريقة التي يهددها رئيس تنفيذي مطلق”.

ويرى الترمان أن الخطوة الأخيرة محفوفة بالمخاطر، وهي “مسار ثالث” بعد عام 1948 و1967. ففي الوقت الذي يريد حلفاء نتنياهو المتطرفون تحركات راديكالية، مثل عزل النائب العام، تفكر النقابات المهنية والعمال بالإعلان عن إضراب عام. ويقول الكاتب إن واشنطن كافحت من أجل التعامل مع الظرف المتحرك.

فقد عبّر النواب الديمقراطيون، في بيان، عن قلقهم، وأصدر البيت الأبيض بياناً مقتضباً دون ذكر نتنياهو معبراً عن الأسف والدعم لجهود هيرتزوع والقادة الإسرائيليين لبناء إجماع عبر الحوار السياسي.

 لكن لا يوجد هناك حوار، فالرئيس الإسرائيلي الذي احتفل به الكونغرس بدا متفرجاً أمام العاصفة. ومنح خطاب الرئيس بايدن الخجول فرصة للجمهوريين لانتقاده، وبخاصة أنهم تعلقوا بسارية الحكومة الإسرائيلية التي لم تخف نيتها بضم الضفة الغربية.

وفي مؤتمر للمسيحيين الصهاينة، الأسبوع الماضي، سخرت المرشحة نيكي هيلي من بايدن وتدخله في “النقاش الداخلي” الإسرائيلي. وقالت: “لا نريد قادة لا يحترمون فقط إسرائيل، بل وحق شعبها بحكم نفسه”، من دون الإشارة للاحتجاجات الواسعة، ومضت للشكوى من عدم دعوة بايدن نتنياهو إلى البيت الأبيض خلال السبعة أشهر الماضية.

وانشغل الجمهوريون، الأسبوع الماضي، بالهجوم على النائبة الديمقراطية براميلا جايابال لوصفها إسرائيل بالدولة العنصرية، مع أنه وصف دقيق للواقع، حسب منظمات حقوق الإنسان الدولية والإسرائيلية، كما ربطوا نقد إسرائيل بمعاداة السامية والأجانب.

ويعلق الكاتب بأن النقاش الحاد بشأن إسرائيل في واشنطن يضع قيوداً على أي إدارة تريد الحديث عن حقوق الفلسطينيين، أو وضع الديمقراطية المتآكلة في إسرائيل. ويقول ديفيد أرون ميلر، من وقفية كارنيغي للسلام العالمي: “لا يحب الرؤوساء الأمريكيون المواجهة مع رؤساء الوزارات الإسرائيلية، لأنه قتال فوضوي يحرف النظر ويكون مكلفاً في ظل ظهور الحزب الجمهوري كحزب يدعم إسرائيل مخطئة أو مصيبة”. وقال إن بايدن تحدث عن الاستيطان والتعديلات القضائية من دون أن يضع تداعيات أو ثمن.

وما كشف عنه المسرح السياسي هو الفجوة العميقة بين السياسة في واشنطن والوضع على الأرض.

وفي الوقت الذي يغضب فيه الجمهوريون ضد أي نقد لإسرائيل ووصفها بالعنصرية، يتحدث الوزراء في حكومة نتنياهو علانية عنها، وعمّا يريدون تحقيقه، خذ مثلاً تصريحات وزير العدل ياريف ليفين، التي قال فيها إن التعديلات القضائية تحافظ على التفوق اليهودي في ظروف معينة: “يشتري العرب شققاً في المجتمعات اليهودية بالجليل، وهذا يدفع اليهود لترك هذه المدن لأنهم غير مستعدين للعيش مع العرب”، و”نريد التأكد من وجود قضاة في المحكمة العليا يفهمون هذا”.

وعندما يتحدث النواب الأمريكيون عن القيم المشتركة، يعبّر النظراء لهم في إسرائيل عن طبيعة هذه القيم التي يريدونها، فعندما سئل وزير الأمن، إيتمار بن غفير، عن إمكانية استفادة إسرائيل من المعايير والضوابط في الدستور الأمريكي، قال: “أريد الاستفادة من الأشياء الجيدة في أمريكا”، و”أعتقد أن حكم الإعدام للإرهابي ممتاز. وأعتقد أن توزيع السلاح على الناس للدفاع عن أنفسهم ممتاز”.

وبن غفير ووزير المالية بتسلئيل سمورتيش هما في مقعد القيادة بالحكومة الإسرائيلية، ويتم التصفيق لهما ضمنياً من قطاع واسع داخل المؤسسة السياسية الأمريكية.

وللكثير من الإسرائيليين فإن هذا عار، وكما قال رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت لمجلة رولينغ ستونز: “تحكمنا اليوم عصبة من المتطرفين والقوميين والشوفييين والراديكاليين.. إنهم متهورون، غير مسؤولين، ومن دون تجربة”.

وأضاف أنه لو اتخذت إدارة بايدن مواقف متشددة ضد سياسات نتنياهو وأجندته، ووضعت العلاقة الخاصة مع إسرائيل على المحك، “فإن حدسي يقول إنها ستترك أثراً ضخماً”.