قالت صحيفة “واشنطن بوست” في افتتاحيتها، تعليقاً على انهيار حكم عائلة الأسد في سوريا، إن على الولايات المتحدة المساعدة على بناء سوريا الجديدة. وقالت إن الحياة أحياناً تكون حافلة بالمفاجآت، لكن الشرق الأوسط حافلٌ بالهزات، وكان سقوط دمشق بكل المعايير مذهلاً.
وحتى أسبوعين لم يكن هناك أي شيء في الشرق الأوسط دائماً أكثر من بقاء نظام بشار الأسد البغيض.
لكن فصائل المعارضة المسلحة تجمعت يوم الأحد في هجوم سريع حول البلاد، وسيطرت على العاصمة دمشق، حيث انهار جيش النظام وذاب. وفرّ الأسد من البلاد، منهياً حكم بلاده الذي استمر ما يزيد على نصف قرن.
وقالت: “نقول للأسد: مع السلامة، إن سرعة سقوطه هي شهادة على عدم شرعية حكمه الرهيب، الذي اتسم بالإعدامات الجماعية والتعذيب ودعم الإرهاب. وخلال السنوات الثلاث عشرة الماضية من الحرب الأهلية، اعتمد النظام على روسيا، التي نفذت غارات جوية مدمرة، وإيران وجماعتها اللبنانية التابعة “حزب الله”. ولكن روسيا سحبت قواتها من أجل حربها مع أوكرانيا، وتعرض “حزب الله” للدمار بسبب حربه مع إسرائيل، وإيران، التي أضعفتها أيضاً المواجهات مع إسرائيل، ما دفعها لحذف الأسد من حساباتها”.
وبالنسبة للسوريين، فقد زال كابوس الأسد وحكمه السيئ، ولكن علينا أن نخفّف النشوة برحيله بالسؤال عمّا سيحدث لاحقاً. وربما كان من المغري الحديث بأن أي شيء هو أفضل من السيد الأسد، وهذا خطأ.
وأشارت الصحيفة إلى أن “هيئة تحرير الشام”، الفصيل الرئيسي الذي قاد الحملة للإطاحة بنظام الأسد، هي فرع سابق من تنظيم “القاعدة”، وكان لديها ارتباطات بتنظيم “الدولة الإسلامية”. وتعتبر “هيئة تحرير الشام” منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، ويقودها أحمد الشرع، المعروف أيضاً باسم أبو محمد الجولاني، الذي قاتل القوات الأمريكية في العراق.
وكان الجولاني يحاول، في الفترة الأخيرة، تقديم صورة معتدلة عن نفسه وتنظيمه، ومحاولة إقناع السوريين بأن كل الطوائف السورية سيتم الترحيب بها في سوريا ما بعد الأسد.
وفي منطقة إدلب، في شمال غرب سوريا، التي تسيطر عليها، وفّرت “هيئة تحرير الشام” الحماية للنساء والأقليات الدينية، ولكنها اتهمت أيضاً بانتهاكات حقوق الإنسان والحكم الاستبدادي.
وقالت الصحيفة إن الطريقة التي سيتعامل فيها الجولاني مع انتقال السلطة الفوري بعد رحيل الأسد، ستعطينا صورة عن أي وجه من “هيئة تحرير الشام” علينا تصديقه. فمن ناحية، يجب على الجولاني الالتزام علناً بقرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي تم تبنّيه في عام 2015، والذي يدعو إلى وقف إطلاق النار، وسلطة انتقالية تشمل جميع الفصائل السورية المتحاربة، باستثناء الجماعات الإرهابية، وتنظيم انتخابات بإشراف الأمم المتحدة بعد 18 شهراً.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاقتصاد السوري منهار تقريباً، ويحتاج إلى مساعدة دولية لإعادة بنائه وإعمار سوريا.
وهنا تقول الصحيفة إن المساعدة، أي مساعدة، يجب أن تكون مشروطة بالتزام الجولاني بسوريا شاملة وتعددية.
وحذرت الصحيفة من أي عملية انتقام شاملة ضد رموز النظام السابق أو الجيش، فجنود النظام السابق كانوا مجندين، وتحتاج سوريا إلى الخبرات المدنية من النظام السابق في المرحلة الانتقالية حتى تظل الدولة عاملة.
ولكن إن عاد الأسد والرموز المتهمة بارتكاب جرائم حرب فيجب أن تحاسب في سوريا الجديدة.
وعرض رئيس وزراء حكومة الأسد التعاون، ورفع غصن الزيتون، وقال: “نحن مستعدون للتعاون مع أي قيادة يختارها الشعب”.
ويجب على الجولاني و”هيئة تحرير الشام” قبول العرض. وربما تبدو سوريا بعيدة عن المصالح الأمريكية، وقبل سقوط الأسد، قال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب: “لا تتدخلوا”، ولكن أمريكا متورطة، ولديها حوالي 900 جندي وعدد غير معروف من المتعهدين الأمنيين في شمال شرق سوريا، قريباً من العراق، ويقاتلون تنظيم “الدولة الإسلامية” بالتعاون مع المقاتلين الأكراد الذين يعارضون نظام الأسد أيضاً.
وهاجم مسلحون تدعمهم إيران، باستخدام الصواريخ والقنابل والمسيرات، القوات الأمريكية 125 مرة، منذ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر عام 2023 ضد إسرائيل. ولدى الأسد مخزون من السلاح الكيميائي استخدمه ضد المقاتلين المعارضين له والمدنيين. ويجب على الولايات المتحدة العمل على تأمينه.
وتقول الصحيفة إن الحرب الأهلية السورية خلقت أكبر أزمة لاجئين في العالم، حيث يعيش أكثر من 6 ملايين لاجئ سوري في دول الجوار المتوسطية، وأكثرهم في ألمانيا وتركيا. وقد ساعد هذا على تغذية المشاعر اليمينية والقومية المتطرفة ضد المهاجرين.
وفي ألمانيا هناك حزب معادٍ للمهاجرين يتنافس على السلطة في الانتخابات المقررة في شباط/فبراير المقبل. كما تعيش فرنسا وسط أزمة سياسية مع حالة الشلل التي تعيشها الجمعية الوطنية، وبسبب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف. وحتى قبل الإطاحة بالأسد، كان بعض الساسة الأوروبيين يفكرون بتطبيع العلاقات مع نظامه لتأمين عودة المهاجرين السوريين إلى بلادهم.
وتعلق الصحيفة قائلة إن الشرق الأوسط في حاجة ماسة إلى قصة نجاح: دولة عربية تعددية ديمقراطية ملتزمة بدعم حقوق الإنسان. وقد جسدت سوريا، ولأكثر من خمسين عاماً، وفي ظل نظام عائلة الأسد، كل الأخطاء التي تعاني منها المنطقة.
ومن خلال الدبلوماسية النشطة، تستطيع الولايات المتحدة أن تساعد في كتابة فصل جديد مشرق لهذه الدولة التي تتمتع بموقع إستراتيجي، والتي عانت طويلاً.